التواصل الدعوي

الكاتب: المدير -
التواصل الدعوي
"التواصل الدعوي




إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

وبعد:

فإن الحوار وسيلة مثلى للدعوة إلى الله تعالى، شرعها الله في كتابه الكريم، وذكر فيه صوراً كثيرة من الحوار، إذْ حاور هو سبحانه بعضاً من خلقه حواراً مباشراً كحواره الملائكةَ الكرام بشأن خلق آدم عليه السلام، وحواره لإبليس بشأن السجود لآدم عليه السلام، ومع موسى عليه السلام بشأن رؤيته سبحانه، ثم قصّ ذلك في القرآن الكريم ليأخذ منه المؤمنون العبرة والنفع في دينهم ودنياهم.

 

لذا فإن الحوار سنة إلهية، وفطرة فطر الله تعالى عليها خلقه، فلا يهمله إلا مخالف للفطرة التي فطره الله عليها عباده، ونعني بالإهمال هنا: عدم استنفاد الوسع وإعماله في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بالحوار واللجوء قبل ذلك إلى القوة التي دعا إليها القرآن الكريم كما قال تعالى: ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ? [الأنفال: 60][1]، كما حدث ولا يزال يحدث في هذا العالم المليء بالصراع، الغائب عن التعامل السديد وعن ثقافة الحوار والتواصل في كثير من صراعاته وخلافاته المتزايدة يوماً بعد يوم، خاصة مع تعقد المصالح وتشابكها وزيادة القوة الفتاكة في أيدي الناس، وهي أخطار تهدد البشرية تهديداً خطيراً.

 

وقد شرع الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام على مرّ التاريخ محاورةَ أقوامهم وتواصلهم معهم بالحسنى، وقصّ بعضاً من ذلك في كتابه الكريم، وتضمنت تلك الحوارات أسس العقيدة الوحيدة التي شرعها الله لعباده أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم وهي عقيدة الإسلام الذي لا يقبل الله من الناس يوم الحساب غيره.

وذكر الله تعالى نماذج من حوارات الخير والشر على مرّ التاريخ، كالحوار بين المؤمنين والكافرين، والحوار بين المؤمنين والمنافقين وغير ذلك.. وهكذا نجد أسلوب الحوار وسيلةَ دعوة إلى الله، وقد جاء واضحاً بيّنَ المعالم في القرآن الكريم.

 

والحوار فن، وأصله أن يكون ثمة طرفان يتداولان الحديث حول مسألة ما، أو قضية ما، فيجري بينهما كلام حول تلك المسألة أو القضية، هذا الكلام هو الحوار، أيّاً كان موضوعه أو أطرافه، إنه عملية لغوية تواصلية.

ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من الحوار والتواصل أساساً لنشر دعوته، إذْ خرج إلى الناس يكلمهم ويحاورهم، ولقي من الأذى ما كان حرياً أن يمنع كثيراً غيره من الاستمرار في الدعوة، لكنه كان مكلفاً بذلك مأموراً بالصبر واحتمال الأذى متأسيا بقوله تعالى: ? وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ? [النحل: 127]، وهكذا حاور قريشاً رجالاً ونساء، أفراداً وجماعات، ثم حاور من لقي من العرب خارجاً إليهم في المواسم عارضاً نفسَه عليهم ليحموه حتى يبلّغ عن الله تعالى، وبعد هجرته صلى الله عليه وسلم اتسع نطاق محاوراته.

 

وللتواصل والحوار أهداف وقواعد أصلها الإسلام، والتزم بها النبي صلى الله عليه وسلم في كل محاوراته لنتعلم نحن منه ونكون مقتدين به على وفق الأسوة الحسنة، ولكي ينجح حوارنا وتواصلنا الداخلي والخارجي لابدَّ لنا من التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حواراته الناجحة الهادية المرشدة.

 

وتتحدد أهداف الحوار والتواصل في الدين الإسلامي الحنيف بتهيئة العقل والقلب لمراد الله والفطرة التي فطر الله الناس عليها، وكبح جماح النفس والهوى، وعداوة الشيطان والدنيا، والنظر إلى وسائل الحياة كوسيلة وليست غايات، وبناء الحياة الاجتماعية وفق الشريعة الغراء في أقواله وأفعاله وتقريراته ودلالات سنته ومواقفه، مع كمال الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن التربية الجهادية في السنة النبوية قائمة على إخلاء وإحلال، إخلاء فيه تطهير داخلي للنفس من الشرك والعصبيات والعادات ذات الصبغة الجاهلية، وإحلال للعقيدة الصحيحة وتحقيق الأمن للمجتمعات الإسلامية وغيرها، فالمجتمعات بحاجة ماسة إلى الجهاد التربوي الراشد كي يقودهم إلى بر الإيمان وبر الأمان.

السيرة النبوية مادة تربوية وسلوكية ينبغي أن تتلقى، ويتعلمها المتعلمون بهذا الهدف التربوي الذي يؤدي إلى تنمية السلوك البشري وتقويمه وفق الهدى المنهاجي النبوي الراشد الثابت في الكتاب والسنة.




[1] سورة الأنفال.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook