التوبة: فضائلها والأسباب المعينة عليها

الكاتب: المدير -
التوبة: فضائلها والأسباب المعينة عليها
"التوبة
فضائلها والأسباب المعينة عليها




بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن ولاه.

 

وبعد:

فالتوبة إلى الله تعالى من أجَلِّ العبادات، وأعظم القُرُبات، وكفى أهلَها شرفًا وفضلًا محبَّةُ الله لهم؛ حيث قال عزَّ وجل: ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ? [البقرة: 222]، فهنيئًا للتائبين محبَّةُ الله لهم؛ لأنَّ مَن أحبَّه الله لا يعذِّبه في الدنيا ولا في الآخرة.

 

وإنَّ التوبة سببٌ للمغفرة والرَّحمة وتبديلِ السيئات إلى حسنات؛ قال تعالى: ? وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ? [الأعراف: 153]، وقال تعالى: ? وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ? [الفرقان: 68 - 70].

 

وتعدُّ التوبة سببًا في نزول البَرَكات من السماء وزيادة القوَّة؛ قال تعالى: ? وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ? [هود: 52].

 

كما أنَّ التوبة سبب للفلاح ودخول الجنَّة والنجاة من النار؛ قال تعالى: ? وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [النور: 31]، وهي سبَب لقَبول أعمال العبد والعفوِ عن سيئاته؛ قال تعالى: ? وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ? [الشورى: 25]، وقال أيضًا: ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ? [مريم: 59، 60].

 

والله يَفرح بتوبة العبد فرحًا شديدًا؛ فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوبُ إليه من أحدكم كان على راحِلَته بأرض فلاةٍ، فانفلتَت منه وعليها طعامُه وشرابُه، فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثُمَّ قال من شدَّة الفرَح: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك؛ أخطأ من شدَّة الفرَح))؛ (رواه مسلم).

 

ويجدر بكلِّ مسلم أن يجدِّد توبتَه مع الله عزَّ وجل؛ فكما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ ابن آدم خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون))؛ (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني).

 

أمَّا بالنسبة للأسباب المعِينة على التوبة لله جلَّ وعلا، فنذكر أهمَّها على النحو التالي:

أولًا:استِشعار خطورة الذُّنوب، وعواقبها الوخيمة في الدنيا والآخِرة؛ فلا تَنظر إلى صِغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظَمة مَن تعصي.

 

ثانيًا:الإخلاص لله تبارك وتعالى؛ فمَن أخلص لله تعالى، يسَّر الله له الخيرَ، وصرَف عنه الشرَّ والسوء؛ قال تعالى في حقِّ يوسف عليه السلام: ? كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ? [يوسف: 24].

 

ثالثًا:مجاهدة النَّفس؛ فإنَّ العبد ما لم يجاهِد نفسه أولًا فيَبدأ بها ويُلزمها بفِعل ما أُمرَتْ به وترْك ما نُهيَتْ عنه، لم يُمكِنْه تجديد تَوبته لله عزَّ وجل؛ فعن فَضالةَ بن عُبيدٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبرُكم بالمُؤمن؟ من أمِنه النَّاسُ على أموالهم وأنفُسهم، والمُسلم مَن سلِم النَّاسُ من لسانه ويده، والمُجاهد مَن جاهد نفسَه في طاعة الله، والمُهاجِر مَن هَجَر الخطايا والذُّنوب))؛ (رواه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني).

 

رابعًا:تذكُّر الموت؛ فإنَّ العبد إذا ما تذكَّر الموت وأحواله، فإنَّه حتمًا - إن كان له قلب - سيجدِّد التوبةَ لله عزَّ وجل، فعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم: ((أكثِروا ذِكر هاذِم اللذَّات))؛ يعني: الموت؛ (رواه الترمذي، وقال عنه الألباني: حسن صحيح).

 

خامسًا: الخشية من الله تعالى والخوف من عِقابه؛ فإنَّ العبد إذا ما خَشِيَ اللهَ تعالى وخاف من عقابه وعذابه، وتذكَّر الآخرةَ والحِساب، والجزاءَ والنَّار والعذاب، فإنَّه سيجدِّد توبته لله تعالى، قال عزَّ وجل: ? إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ? [المؤمنون: 57 - 61].

 

سادسًا:تذكُّر رحمة الله التي وسعَت كلَّ شيء؛ فإذا ما تذَكَّر العبدُ كم هي رحمة الله واسِعة، وأنَّه تعالى يَغفرُ الذنوبَ جميعًا، فإنه يجدِّد التوبة، لا تَقنَط نفسُه من رحمة الله، ولا تَيئس من روح الله، قال تعالى: ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الزمر: 53].

 

سابعًا:تَذكُّر النَّعيم المقيم يوم القيامة؛ فإنَّ العبد إذا ما تفكَّر في الجنَّة ونعيمها، ودرجاتها وحُورِها، حرَصَتْ نفسُه على الطَّاعة، والبعد عن المعصية، وتجديد التوبة؛ حتى يكون من الفائزين برِضا ربِّ العالمين، وليكون يومَ القيامة في درجة عالية في الجنَّة في نَعيم مُقيمٍ.

 

ثامنًا:المواظبة على الفرائض، خاصَّة الصلوات الخمس؛ فإذا ما حرَص الإنسان المسلِم على الفرائض - خصوصًا المواظبة على الصلوات الخمس في أوقاتها - فإنَّها تذكِّرُه بالله وتجدِّد إيمانه، فإذا أذنب ذنبًا تابَ منه مباشرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه))؛ (رواه البخاري).

 

تاسعًا:الحِرص على النَّوافل، والإكثار من الطَّاعات؛ فإنَّ النوافل تُقرِّب المسلمَ من ربِّه جلَّ وعلا وتَرفع درجته؛ فيكون معلَّقًا بالله، دائم التوبة والاستِغفار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله قال:... وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يَسمعُ به، وبصره الذي يُبصِرُ به، ويده التي يَبطشُ بها، ورِجله التي يَمشي بها، وإن سألَني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه))؛ (رواه البخاري).

 

عاشرًا: المداومة على تلاوة القرآن والأذكار، والإكثار من الاستِغفار؛ فإذا كان العبد يَقرأ في كلِّ يوم وردًا من القرآن العظيم، ويَحرص على ذِكر الله، ويكثِر من الاستغفار، كان في خيرٍ عظيم، دائم التوبة لله تعالى، صارفًا لنفسه عن المعاصي والمنكرات، قال تعالى: ? وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ? [آل عمران: 135].

 

الحادي عشر: قِراءة قصص التائبين العائدين إلى الله جلَّ وعلا؛ فإنَّ العبد إذا ما رأى حالَ العصاة كيف انقلَبوا بتوبتهم إلى صالحين أبرار، علَتْ همَّتُه، وجدَّد توبتَه مع الله جلَّ وعلا.

 

الثاني عشر: مُصاحبة الصَّالحين، والبعد عن قُرَناء السوء ومواطِن المعصية؛ فإنَّه يَنبغي على المسلم أن يَحرص على صُحبة أهل الخير، الذين يُذكِّرونه إذا نَسي، ويعينونه إذا ذَكَر، ويقوِّمونه إذا اعوجَّ، ويقودونه إلى الحقِّ وإلى الطريق المستقيم، وأن يَصرِف نفسه عن مواطن المعاصي ورُفَقاء السوء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المَرءُ على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم مَن يُخالل))؛ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

 

الثالث عشر: الدُّعاء والتضرُّع لله عزَّ وجلَّ؛ فيَنبغي على كلِّ مسلم أن يكثِر من الدعاء بالثَّبات على الطَّاعة، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفعل ذلك؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم يُكثرُ أن يقول: ((يا مُقلِّبَ القُلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقُلتُ: يا رسولَ الله، آمَنَّا بك وبما جئتَ به، فهل تَخافُ علينا؟ قال: ((نَعم، إنَّ القُلوب بين إصبعينِ من أصابع الله يُقلِّبُها كيف يشاءُ))؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 


ختامًا: أسأله تعالى أن يَجعلَنا من التوَّابين، وأن يغفِر لنا إنَّه هو السميع العليم، وأن يتوب علينا إنَّه هو التوَّاب الرَّحيم.


"
شارك المقالة:
34 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook