الثج للراجع من الحج

الكاتب: المدير -
الثج للراجع من الحج
"الثج للراجع من الحج

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه.

 

وبعد:

فإنَّ الحج نِعمة عظيمة، ودرجة فخيمة، يسَّرها الله وسهَّلها على من شاء من عباده ? يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ? [آل عمران: 74]، وكم فيها من عِبر وعظات، ودروس كثيرات!

 

وإن الراجع من حجِّه، يستقبله زوَّاره وأحباؤه بالبِشر والسرور، والحب والحبور؛ فناسب ذلك أن يصنع لهم وليمةً ليجتمعوا، ويقصَّ عليهم قصص الحج وأخباره، حتى يرغبهم ويرشدهم، ويكون لهم زادًا ومتاعًا إلى الحين.

 

ومن حجَّ فقد قرَّبه الله وأكرمه، وخصَّه ونعَّمه؛ وشكرًا لنعمة الله عليه ناسب إذا رجع من سفره إلى بلده أن يولِم وليمة.

 

تسمَّى: النقيعة.

والنَّقيعة: مشتقَّة من النقع، وهو الغُبار؛ لأَنَّ الْمُسَافِرَ يَأْتِي وَعَلَيْه غُبَارُ السَّفَرِ، وهذا قديمًا؛ لأنَّ وسيلة تواصلهم كانت الإبل ونحوها من المركوبات، ولكن لا يَخلو المسافر من غُبار وأتربة إلى يومنا هذا ولو سافر في الطَّائرة؛ فيذبح ذبيحةً لله عزَّ وجل شكرًا وحمدًا على قدومه سالمًا لأهله، ورجاء أن يَقبل الله منه حجَّه، فيكون كالقربان.

 

والدليل على ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه، وبوَّب عليه:

(باب الطعام عند القدوم)

وذكر حديثًا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة نحَر جَزورًا أو بقرةً.

 

وفي رواية:

أمَر ببقرةٍ فذُبحت فأَكلوا منها.

 

وقال الإمام أبو داود في سننه:

(باب الإطعام عند القدوم من السفر).

 

قال صاحب عون المعبود:

(والحديث يدلُّ على مَشروعية الدعوة عند القدوم من السَّفر، ويقال لهذه الدعوة: النقيعة).

 

قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القُدوم من السَّفر، وهو مُستحبٌّ عند السلَف، ويُسمَّى النقيعة بنون وقاف، وَزن عَظِيمَة).

 

وقال النووي رحمه الله:

يستحبُّ النقيعة؛ وهي طعام يُعمل لقدوم المسافر، ويُطلق على ما يعمله المسافر القادم، وعلى ما يعمله غيرُه له... وممَّا يستدل به لها: حديث جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة من سفره، نحَر جزورًا أو بقرةً؛ رواه البخاري.

المجموع: (?/ ???).

 

وفي (الاستقصاء لابن درباس): ويقال لكلِّ جزور نُحرت للضيافة: نقيعة؛ اه‍.

 

واختلف العلماء في مَن يصنعها، هل الحاج أو أهله؟

قال النَّووي: وقول الأصحاب: النَّقيعة لقدوم المسافر مستحبَّة، ليس فيه بيان من يتَّخذها، أهو القادم أو المقدوم عليه.

 

وفيه خِلاف لأهل اللغة؛ فنقل الأزهري عن الفراء: أنَّه القادم، وقال صاحب المحكم: هو طعام يُصنع للقادم؛ وهو الأظهر؛ اه‍.

 

وقال الحليمي في منهاجه: ويستحبُّ للمسافر إذا رجع واستقرَّ في منزله أن يطعمه الناسُ، وعليه الصَّالحون من سلَف هذه الأمَّة.

ثمَّ ذكره عن ابن عمر وجماعة من التابعين، ويشهد له ما في البخاري عن جابر: (أنه صلى الله عليه وسلم، لما قدِم المدينة نحر جزورًا أو بقرة)، ثمَّ قال البخاري: وكان ابن عمر يذبح لمن يغشاه.

 

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

ظاهرة تَنتشر في القرى، خاصَّة بعد عودة الحجاج من مكة.

 

الشيخ:

• السَّنة هذه؟

 

السائل:

• كل سنة تقريبًا، يعملون ولائم يسمونها: ذبيحة للحجاج أو فرحة بالحجاج، أو سلامة الحجاج، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي، أو لحوم ذبائح جديدة، ويصاحبها نوع من التبذير، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية؟

 

الشيخ:

• هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجَّاج عند قدومهم؛ لأنَّ هذا يدل على الاحتفاء بهم، ويشجِّعهم أيضًا على الحجِّ، لكن التبذير الذي أشرتَ إليه والإسراف هو الذي يُنهى عنه؛ لأنَّ الإسراف مَنهي عنه، سواء بهذه المناسبة، أو غيرها، قال الله تبارك وتعالى: ? وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ? [الأعراف: 31].

 

وقال تعالى: ? إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ? [الإسراء: 27]، لكن إذا كانت وليمة مُناسبة، على قَدر الحاضرين، أو تزيد قليلًا - فهذا لا بأس به من النَّاحية الشرعيَّة، ومن الناحية الاجتماعية؛ وهذا لعلَّه يكون في القرى، أمَّا في المدن فهو مفقود، ونرى كثيرًا من الناس يأتون من الحجِّ ولا يُقام لهم ولائم، لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد، ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم، ولا يحبُّ أحدهم أن يُقصِّر على الآخر؛ اه‍.

لقاءات الباب المفتوح: (???)، سؤال رقم (??).

 

وسمعتُ الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يُفتي بجواز الذَّبح، وجمع الناس للأكل.

وقال: هذا طيب، ولا أعلم فيه شيئًا.

أو كما قال رحمه الله.

 

وعليه، فمن رجع من سفره من الحجِّ أو من غيره، وأراد أن يَذبح لأهله وأصحابه ذبيحةً، ويأكلوا منها - فإنَّ هذا مشروع؛ بل فيه تَطييب الخواطر، والسؤال عن الحال، وهذا من جليل وجميل الخصال.

وفيه تأنيس القلوب، وتآلف الأرواح، وإزالة الشحناء، والتنفيس عن الفُقراء؛ وهذا ممَّا يحبه الله ويرضاه.

والله أعلى وأعلم.


"
شارك المقالة:
26 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook