الثدييات في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
تمتاز الثدييات بصفات تميزها عن بقية الحيوانات الفقارية الأخرى، وأظهر هذه الصفات وجود الأثداء في إناثها؛ ومنه اشتق الاسم، كما أن الشعر صفة ظاهرة فيها على أنها قد تفقده في بعض الثدييات البحرية، ومن الصفات الأخرى المميزة لها تمحور الفك السفلي مع الجمجمة، وانفصال التجويف الصدري عن البطن بحاجز عضلي، وعدم وجود نواة في كريات الدم. وهي حيوانات ولودة عدا ثلاثة أنواع بيوضة، كما أنها من ذوات الدم ثابت الحرارة، وتوجد الثدييات في كل القارات، وتعيش على اليابسة بصورة أساسية، وهناك أنواع تعيش في البحار، مثل: الحيتان، والدلافين، وفي المياه العذبة، مثل: خلد الماء، وأنواع تطير في الهواء، مثل: الخفافيش.
طائفة الثدييات (Class Mammalia):
يوجد في المملكة أكثر من 76 نوعًا من الثدييات تتبع لثماني رتب ، وتعد رتبة الخفاشيات أكثرها أنواعًا؛ حيث تضم قرابة 24 نوعًا، اثنان منها يتبعان مجموعة الخفافيش الكبيرة أو آكلة الثمار، وهي نهارية المعيشة، وتتغذى على الثمار والفواكه. أما الأنواع الأخرى فتتبع مجموعة الخفافيش الصغيرة أو خفافيش الحشرات، وهي ليلية، وتعتمد على الصدى في طيرانها، وتتغذى على الحشرات الليلية. والخفافيش منتشرة في معظم مناطق المملكة؛ وبخاصة في المناطق الجنوبية الغربية والشمالية الغربية. وعلى الرغم من عدد أنواعها الكبير إلا أن معظم الناس لا يعرفون عنها إلا القليل، إذ إنها ليلية المعيشة، وتسكن الأمكنة المهجورة والمزارع والخرائب.
تضم رتبة القوارض خمس عائلات، وفيها نحو 22 نوعًا، وهي ثاني أكبر الرتب حسب عدد الأنواع، وتشمل: عائلة العضلان، وعائلة الفئران والجرذان، وعائلة الجرابيع، وعائلة النيص، وعائلة زغبة الحدائق. وهي منتشرة في جميع مناطق المملكة؛ وبخاصة المناطق السهلية والرملية، والمناطق الجبلية، وحول التجمعات السكانية، عدا العائلة الأخيرة؛ حيث يقتصر وجودها على جبال الحجاز وجبال السروات. وتأتي رتبة الضواري أو اللواحم في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأنواع؛ حيث تضم نحو 14 نوعًا في المملكة، وتشمل هذه الرتبة عائلة القطط، مثل: النمر، والقطط البرية، والعائلة الكلبية التي تضم الذئب وابن آوى والثعلب، كما تشمل عائلة العرسيات، ومنها: الظربان، وعائلة الزباديات، ومنها: الزريقاء، والعائلة الضبعية، ومنها: الضبع، وتعيش أنواع هذه الرتبة في بيئات المملكة المختلفة. وتعد العائلة القطية أكثر عوائل الضواري المهددة بالانقراض.
أما رتبة مزدوجة (شفعية) الحافر، فيوجد منها خمسة أنواع تضمها العائلة البقرية، وتشمل: المها أو الوضيحي، والظباء، والوعل، وكلها أنواع لها أهمية تراثية صيدية كبيرة. وقد انقرضت كل أنواع هذه العائلة من بيئاتها الطبيعية عدا الوعل، ولكن الجهود الكبيرة التي بذلت بعد إنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية أعادت معظم الأنواع المنقرضة إلى بيئاتها في المحميات الطبيعية التي أنشأتها.
تضم رتبة آكلة الحشرات خمسة أنواع تضمها عائلتان هما: عائلة القنافذ، وعائلة الزباب. وتنتشر القنافذ في معظم مناطق المملكة؛ وبخاصة القنفذ الإثيوبي، أما الزبابات فهي حيوانات جحرية، وتنتشر حول شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي. أما رتب الأرنبيات والرئيسيات والوبريات فيوجد من كل منها نوع واحد فقط في المملكة، وتعد رتبة فردية الحافر التي تضم الحصان العربي والحمار الأخدري منقرضة من بيئاتها الطبيعية منذ وقت طويل.
يوجد في منطقة الحدود الشمالية نوعان من القنافذ، وأكثر من أحد عشر نوعًا من القوارض، وثمانية أنواع من الضواري، بالإضافة إلى المها، والريم، والوبر، والأرنب البري، وسوف نستعرض أهم هذه الأنواع.
رتبة آكلة الحشرات (Order Insectivora)
تشمل هذه الرتبة عائلتين في الجزيرة العربية هما: عائلة القنافذ، وتضم ثلاثة أنواع، وعائلة الزبابات، وتضم نوعين فقط، ويوجد في منطقة الحدود الشمالية من هذه الرتبة نوع واحد هو القنفذ الإثيوبي.
- القنفذ الإثيوبي (Paraechinus aethiopicus):
من عائلة القنافذ، ويعرف النوع الموجود في المنطقة الوسطى بالقنفذ الإثيوبي، وهو أحد ثلاثة أنواع منتشرة في الجزيرة العربية، وهو أكثرها انتشارًا. وجسم القنفذ مغطى بأشواك بنية اللون، وأطرافه بيضاء؛ ما يعطيه لونًا رماديًا، أما الناحية البطنية فمغطاة بفراء ناعم، وللقنفذ خطم مستدق أسود وأرجل طويلة.
ويعيش في المناطق الجبلية وفي الصحارى المفتوحة، والسهول الصحراوية ، ويعيش كذلك حول المزارع وأحواش الماشية؛ حيث تكثر الحشرات، وهو متكيف لمعيشة الصحراء؛ حيث الأذن الكبيرة القادرة على سماع الأصوات الخافتة، كما أن حاسة الشم قوية لمساعدته في البحث عن الغذاء.
القنفذ ليلي المعيشة؛ إذ يخرج وقت الغروب بحثًا عن الغذاء، ويمضي فترة النهار في مخبئه في الجحور أو بين الصخور، كما ينشط أيضًا في الصباح الباكر، ويتغذى على الحشرات بشكل عام، ولكنه يأكل عددًا من الحيوانات الأخرى مثل: السحالي، والعلاجيم، والفئران، والثعابين، كما أنه يأكل الجيف والحبوب والثمار.
يعيش القنفذ حياة فردية، ولكن الجنسين يلتقيان فترة التكاثر في بداية فصل الربيع، وتستمر فترة الحمل مدة 40 يومًا تقريبًا، وتلد الأنثى من 2 - 7 صغار، وقد تقتل أو تأكل بعض صغارها، وتوضع الصغار في جحور تحت الأرض، وتكون عمياء وعارية، وتعتني الأم بهم مدة 6 أسابيع، وتخرج بعدها للبحث عن الغذاء. يعمد القنفذ إلى البيات الشتوي عندما يحل الشتاء؛ بسبب نقص الغذاء وانخفاض درجة الحرارة، ويعمر من 9 - 10 سنوات.
وهو حيوان مسالم، كما أن له دورًا مهمًا في التوازن البيئي؛ حيث يتغذى على عدد من أنواع الحشرات والقوارض والثعابين، كما أنه يخلص البيئة من الجيف، وفي بعض مناطق العالم يقبل بعض الناس على أكله.
تشكل الأشواك حماية طبيعية له من المفترسات، مثل: الثعابين والطيور، ولكن الثعالب تمثل العدو الرئيس له. كما أنه يتعرض للموت من جراء الدهس على الطرقات، ومع ذلك يوجد بأعداد جيدة في بيئاته الطبيعية.
رتبة الأرنبيات (Order Lagomorpha)
- الأرنب البري (Lepus capensis):
الأرنب البري من عائلة الأرانب، ويوجد من هذه العائلة نوع واحد فقط في الجزيرة العربية.
ويضم هذا النوع خمسة أنواع تتوزع في المملكة، والبحرين، وعمان، والإمارات، وتختلف بعضها عن بعض في لون الفراء، وحجم الجسم، والجمجمة.
تعيش الأرانب البرية في جميع البيئات تقريبًا، وتكثر في السهول الصحراوية والرملية في الربع الخالي والدهناء والنفود، كما توجد في الهضاب والمناطق الجبلية، فعادة ما يشبه لون فرائه لون البيئة التي يعيش فيها؛ ما يساعده على التخلص من الأعداء، وهو مرهف الحس، وحاد الإبصار، وقوي الشم؛ ما يمكنه من تحديد مصدر الخطر والهرب من الأعداء معتمدًا على سرعة العدو التي قد تصل إلى 70كم.
وهو ليلي المعيشة، لكنه قد يظهر قبيل الغروب أو في الصباح الباكر باحثًا عن غذائه، ويتغذى على الأعشاب والحشائش، ويستقر خلال النهار في الجحور لاتقاء حرارة الشمس، ويحدث التزواج في الأرانب خلال العام، وعادة تجذب الأنثى عددًا من الذكور، وتختار واحدًا منهم لإتمام عملية التزواج، وتستمر فترة الحمل نحو أربعين يومًا، وتلد الأنثى من ثلاثة إلى ستة مواليد، ويتم إرضاع الصغار مدة شهر تفطم بعدها، وتعتمد على نفسها في التغذية، وتصل الصغار مرحلة البلوغ والتكاثر بعد ثمانية شهور، وقد تعمر إلى تسع سنوات .
تشكل الأرانب طريدة صيدية تراثية شهيرة؛ حيث تطارد وتصاد في جميع مناطق انتشارها، وعلى الرغم من استمرار الصيد إلا أنها توجد بأعداد لا بأس بها في معظم مناطق انتشارها في المملكة، وقد ساعدها تكاثرها على تعويض النقص في أعدادها، وبخاصة عندما يتوافر الغذاء.
رتبة الوبريات (Order Hyracoidae)
- الوبر (Procavia capensis):
تشمل هذه الرتبة نوعًا واحدًا فقط في الجزيرة العربية هو الوبر الصخري، وهو حيوان بري يشبه الأرنب، ويتبع عائلة الوبريات (Hyracoidae)، ويعد النوع الوحيد من هذه العائلة في المملكة، والوبر فريد في تركيبه العام؛ فأذناه قصيرتان، وجسمه مغطى بوبر بني غامق، وتنتشر على الجسم شعيرات لمسية، وتوجد على الجزء الخلفي من ظهره غدة الرائحة، وتظهر بشكل واضح في فترة التزاوج.
يعيش الوبر في البيئات الجبلية الممتدة على الساحل الغربي للمملكة، كما يوجد على امتداد سلسلة جبال طويق وأجا وسلمى في الشمال، ويختار المناطق الصخرية والحرات؛ ما يوفر له حماية ضد الأعداء، كما يعيش معيشة جماعية؛ حيث يسكن في الجحر أو الشق مجموعة كبيرة من الإناث والصغار مع ذكر بالغ، يقوم عادة بمراقبة الموطن وإصدار صوت الإنذار للدخول إلى الجحر عند رؤية الأعداء.
الوبر حيوان نهاري المعيشة، يتغذى على النباتات والحبوب والثمار، ويتحمل قلة الغذاء، ويمتنع عن التكاثر وقت الجفاف، ويتم التزاوج في الربيع، وتلد الأنثى من 3 - 5 صغار بعد فترة حمل تستمر سبعة أشهر، وتولد الصغار قادرة على الحركة والجري، وترضع الأم الصغار فترة ثلاثة أشهر، وعند سن سنتين تبحث الذكور عن مسكن آخر، ولا يسمح لها بالبقاء مع المجموعة.
يصاد الوبر في كثير من مناطق انتشاره لطيب لحمه؛ لذا فهو يتعرض لخطر التناقص في بعض المواقع، كما أنه يتعرض للصيد من قبل الحيوانات البرية الأخرى، مثل: النمر، والوشق، وكذلك القطط المستأنسة التي بدأت تغزو مناطق انتشاره وتصيده داخل جحوره، ومع ذلك لا يزال موجودًا بأعداد لا بأس بها في كثير من مناطق انتشاره.