الثروة المائية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الثروة المائية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الثروة المائية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعد منطقة المدينة من المناطق التي تشكو قلة المياه، وفي بعض أجزائها تشكو سوء نوعيتها وعدم ملاءمتها للمواصفات المطلوبة. ومياه الشرب كانت إحدى المشكلات التي تواجه سكان المدينة حتى أوائل الربع الأخير من هذا القرن. وقد جرت محاولات كثيرة خلال العهود الماضية لحل مشكلة المياه في المدينة من طريق الاستفادة من مصادر المياه الجوفية، وأولى هذه المحاولات كانت على يد معاوية بن أبي سفيان عام 51هـ / 671م، ونفذها عامله على المدينة مروان بن الحكم الأموي، ولكن أخذت المشكلة تنمو وتتطور حتى أواخر العهد العثماني وتحديدًا عام 1322هـ / 1904م الذي شهد حلولاً نوعية تمثلت في نقل المياه إلى الأحياء عبر أنابيب تمر بالشوارع، وتعد هذه الخطوة بداية لتوصيل شبكة المياه إلى المنازل والدوائر الحكومية.
 
وقد ترتب على نمو المدينة عمرانيًا وسكانيًا بمعدلات عالية في السنوات الأخيرة تزايد حاجتها إلى المياه وتضاعف معدلات استهلاكها، خصوصًا في أشهر الحج التي يقفز فيها عدد السكان إلى أكثر من مليون نسمة، وكان من نتائج ذلك انخفاض منسوب المياه الجوفية؛ الأمر التي دفع الجهات المتخصصة لتبحث عن مصادر جديدة للمياه لتزويد المدينة المنورة بها، واستقر الرأي على جلب المياه بعد تحليتها من البحر الأحمر  
 
وترتب على الظروف المناخية التي تسود منطقة المدينة المنورة وطبيعة الأرض، أن توزعت المياه التي تقوم عليها الحياة الاقتصادية والبشرية توزيعًا واضح التباين من حيث الكمية والنوعية. ففي الوقت الذي نجد فيه أجزاء من المنطقة تشكو قلة المياه، نجد أن أجزاء أخرى منها تعاني توافر المياه بها لدرجة تكوُّن المستنقعات، كما أن بعض الأمكنة لا تشكو قلة المياه، وإنما سوء نوعيتها وعدم ملاءمتها لاحتياجاتها. وعلى الرغم من هذه السمة التي اتصفت بها منطقة المدينة المنورة فقد اعتمد السكان على توفير المياه اللازمة لاستعمالاتهم المختلفة من عدد من المصادر؛ إذ لكل مصدر مزاياه ومشكلاته الخاصة، ومن هذه المصادر ما يلي:  
 
أ - الأمطار:
 
كانت مياه الأمطار في منطقة المدينة المنورة من الموارد المائية المهمة، على الرغم من أنها كانت شحيحة وموسمية ومتذبذبة. وكان جزء من مياه الأمطار يتسرب إلى باطن الأرض، ومع طول الزمن خزنت كميات كبيرة من تلك الأمطار داخل الأرض، وأصبحت هي أساس المياه الباطنية، غير أن الأمطار في وقتنا الحالي قليلة، ولا تعادل كمية المياه التي تسحب من المخزون لمقابلة احتياجات الإنسان المختلفة؛ ولذا فقد بني عدد من السدود مثل سد الغراب وسد العاقول  ؛ وذلك لإعطاء فرصة لكمية من المياه المتجمعة خلف السد للتسرب إلى باطن الأرض وتغذية الخزانات الأرضية. وعلى الرغم من فوائد مثل هذه السدود إلا أن كمية لا بأس بها من مياه السطح تتبخر وتفقد. وكلما كانت مساحة سطح المخزون كبيرة زادت كمية المياه المفقودة عن طريق التبخر.
 
ونظرًا إلى قلة الأمطار في منطقة المدينة المنورة، فإن الجريان السطحي للماء في أوديتها قليل ومتقطع وغير منتظم، ويكاد ينحسر في الأجزاء العليا من الأودية المتجهة غربًا لتصرف مياه جبال الحجاز إلى البحر الأحمر  . 
 
ب - المياه الباطنية: 
 
يقصد بها المياه المخزونة في باطن الأرض، ويمكن استخراج جزء منها من طريق حفر الآبار والعيون، وليس المقصود بالعيون الينابيع، ولكنها نوع من الآبار توصل من طريق قنوات باطنية إلى بئر رئيسة، وذلك بهدف تغذية البئر الرئيسة. والعين تعرف أيضًا بالمنهل، وتعني أيضًا الفتحة في القناة الباطنية، ويأخذ الناس الماء منها، إذ الماء الباطني المخزون لم يتجمع من الأمطار التي سقطت مباشرة على السطح فقط، ولكن جزءًا كبيرًا منه نقلته الأودية الكثيرة التي تتجمع بالمدينة المنورة. إن تلك الأودية لا تزال تحمل كميات كبيرة من المياه؛ لأنها تتجمع من أمكنة مرتفعة، وأحواض التجميع واسعة ولها مساحات واسعة أيضًا تمتص بها ماء المطر (مثل الإسفنج)، ثم ينتقل الماء إلى أطراف الحرة حيث الأمكنة المنخفضة والأودية، ولا شك أنه يحدث تأخر زمني بين هطل الأمطار ووصول الماء إلى تلك المنخفضات، كذلك توجد تربة رسوبية تحت سطح بعض الحرات، والمياه التي تمتصها الصخور تنتقل بدورها إلى الرسوبيات، ثم إلى باطن الأرض قبل أن يتبخر جزء كبير منها كما هو الحال في المناطق التي لا تغطيها الصخور  ،  (جدول 60) .
 
ولقد بلغ عدد الآبار 10 في قباء، و 20 بئرًا شرق قباء في حرة رهط، وتضخ منها المياه إلى خزانات تنقل ماءها إلى المدينة بوساطة الأنابيب، ويقدر إنتاجها يوميًا ما بين 20 و 30 ألف متر مكعب.
 
ج - مياه التحلية: 
 
أنشأت الدولة محطة تحلية شمال مدينة ينبع على بعد نحو 41كم، تخلط فيها مياه التحلية مع مياه الآبار وترسل بالأنابيب إلى المنازل السكنية، ولكن بعد فترة وجيزة اتضح أن تلك الكميات من المياه لا تكفي حاجة السكان المتزايدة؛ لذا جرت توسعة لمشروع مياه البحر، بدأت عام 1413هـ / 1992م وانتهت عام 1415هـ / 1994م  . 
وتتكون محطة تحلية المياه في ينبع من وحدات تحلية تعمل بطريقة التبخير الوميضي متعدد المراحل ذي التدوير الملحي، ويوجد بها توربينات بخارية من النوع التكثيفي لإنتاج الكهرباء  . 
د - مياه الصرف الصحي:
 
تستهلك المدينة المنورة كمية كبيرة من المياه لمختلف الأنشطة البشرية من شرب وغسل ونظافة وصناعة وزراعة، ونتيجة لهذه الاستعمالات يتحول جزء كبير من هذه المياه إلى مياه ملوثة، وقد أوجد العلم الحديث طرقًا هندسية وكيميائية للتخلص من المواد العالقة والذائبة بالماء الملوث، كما يمكن القضاء على الجراثيم ثم إعادة استعمال الماء، وقد أنشئت بالمدينة المنورة شبكة صرف صحي تغطي جميع أحياء المدينة لصرف جميع المياه المستعملة، وتم بعد ذلك إقامة المنشآت التي تتخلص من ذلك الماء بالطرق العلمية، إذ يتبخر جزء من طريق أحواض كبيرة، وجزء آخر ينقى ويعاد استعماله، ثم يستعمل بعد تنقيته لري الحدائق العامة والأشجار، ولا يستعمل لأغراض الشرب أو النظافة أو الصناعة، وقد ساعدت تلك المياه على تشجير وتخضير مساحات واسعة في المدينة المنورة.
 
هـ - المياه السطحية:
 
تشير الدراسات إلى أن هناك انخفاضًا في مستوى المياه السطحية بسبب زيادة الاستهلاك وقلة الأمطار، وترتبط الأمكنة الزراعية بهذه المياه، إذ يسهل حفر الآبار والحصول على المياه اللازمة، وقد نقصت المياه الجوفية القريبة من سطح الأرض في داخل المنطقة؛ نظرًا إلى زيادة الاستهلاك الناتج عن تزايد العمران، وتزايد استخراج المياه، وقلة مياه الأمطار  . 
 
و - المياه الجوفية:
 
لم تستخدم المياه الجوفية في منطقة المدينة المنورة بشكل مكثف حتى عام 1355هـ / 1936م، فيما عدا مياه بعض العيون وبعض الآبار المحفورة بالطرق اليدوية، وجاء ذلك الاهتمام من قبل الدولة بعد حفر أول بئر في الظهران، فمنذ أوائل الخمسينيات أخذت الدولة تهتم بحفر الآبار في مناطق مختلفة من المملكة ثم ازداد اهتمامها في الستينيات بالتنقيب عن مصادر المياه الجوفية وحفر الآبار العميقة في التكوينات الحاملة للمياه. والمياه الجوفية في منطقة المدينة المنورة هي في معظمها مياه جوفية سطحية، ولها أهمية كبيرة في الاقتصاد الإقليمي للمنطقة؛ فعلى المياه المستخرجة منها سواء بالضخ الآلي أو اليدوي تقوم الزراعة في معظم محافظات المنطقة ولا سيما في المحافظات التي يقل فيها معدل الأمطار عن 100مم، ويبلغ إجمالي آبار المزارعين بالمنطقة نحو 44364 بئرًا، يخص منها المدينة المنورة ومراكزها نحو 31.1%، وتليها محافظة المهد حيث يوجد بها 19.2%، في حين تضم محافظة بدر نحو 1.5% فقط من مجموع آبار المنطقة  
(جدول 61) يوضح التوزيع الجغرافي لآبار المزارعين على محافظات منطقة المدينة المنورة.
 
وتشير الدراسات التحليلية إلى وجود نحو 414 بئرًا موزعة على محافظات المنطقة تم حفرها بوساطة جهات حكومية مختلفة وشركات خاصة، فقد حفرت وزارة المياه 146 بئرًا لتوفير المياه لأبناء البادية بالمنطقة، كما حفرت 18 بئرًا لأغراض المراقبة، وقد حفرت الشركات الخاصة 20 بئرًا لغرض الدراسة، وتم حفر نحو 200 بئر بوساطة مصلحة المياه.
 
شارك المقالة:
40 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook