الثمامة بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الثمامة بالرياض في المملكة العربية السعودية

الثمامة بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
الثمامة شعيب من شعاب هضبة العرمة الذي ينتهي بروضة خريم بعد تلقيه عددًا من الروافد، وأهمها: مُصدّة والشُّوَيْهَران وقُلَيِّل الحطَب وجُرَيْذي والمُسَاجِدي. وعند منشأ وادي الثمامة الشرقي من قمة العرمة هناك فج يغذيه هذا المرتفع، تقوم الجبال شماله وجنوبه، يدعى (ريع الثمامة) ينحدر إلى منبسط، وبعد 4كم ينحدر بشكل أكبر، وفيه شعاب وتلال تُكوّن مسيلاً واحدًا كبيرًا يصب مغربًا على مغارات ومنحدرات جبلية  .  ويطلق اليوم اسم الثمامة على بُطين ممتد من الأرض يحده من الشرق حافة هضبة العرمة ومن الغرب عرق بنبان الرملي، ويمتد من الشمال نحو الجنوب عند خط الأسفلت المتجه إلى بلدة حفر العتش انطلاقًا من خط الرياض - المجمعة، ويستمر صوب الجنوب حتى خط رماح المنطلق من خط المجمعة - الرياض. وتتكون هذه الأرض من هضاب حجرية قليلة الارتفاع وفجاج من الأرض تغطيها النباتات قليلة الارتفاع والأعشاب البرية، وتكثر في حافة هضبة العرمة المطلة على الثمامة من الشرق الكهوف الجبلية والمغارات والفجاج والردائف والشعبان سريعة الانحدار قصيرة المسار. ويظن أن ما يعرف باسم الثمامة اليوم هو ما يعرف باسم وادي الغيْلانية في الكتابات الإسلامية المبكرة، وهذا فيما يخص الوادي المتجه من الغرب إلى الشرق ثم ينحرف نحو الجنوب الغربي ليسير في مجرى متعرج ليمر ببلدة الغيلانية ويستمر ليصب في روضة خريم بالقرب من بلدة خريم وإلى الجنوب منها  
 
تقع الثمامة على بُعد 90كم تقريبًا إلى الشمال الشرقي من وسط مدينة الرياض. ويظن أن اسم الثمامة الذي يعرف به المكان - اليوم - ناتج عن كثرة نبات الثمام في المنطقة. ويوجد ذلك الموقع في بيئة تتكون من سهل فسيح تحدُّه جبال العارض (العرمة) تجاه الشمال الغربي وإلى الجنوب الشرقي، وتحاذيها من الغرب مدرجات جبلية أقل انحدارًا، تتخللها أودية ضيقة شديدة الانحدار تصب في السهل جاعلة منه مكانًا خصبًا للزراعة والرعي  
 
ولم يكن معروفًا عن هذا الموقع شيء قبل عام 1402هـ / 1982م عندما بلغ وكالة الآثار والمتاحف معلومات تفيد بوجود مواقع آثارية في الثمامة، ودعيت إلى القيام بمعاينة المكان فقام فريق آثاري في صيف عام 1402هـ / 1982م بزيارة المكان وحدد عددًا من المواقع الآثارية وصورها ورسمها. وفي عام 1403هـ / 1983م قام الفريق ذاته بتحديد عدد آخر من المواقع، وتنفيذ عدد من الحفريات في أحدها  .  وفي عام 1410هـ / 1990م قام فريق علمي موفد من قِبل قسم الآثار والمتاحف في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، بمسح بطين الثمامة أو ريع الثمامة وفجاجها  
 
وفي عام 1424هـ / 2003م قام فريق علمي بتنفيذ مسح للثمامة حيث توجد المواقع التي سبق أن كشفت عنها وكالة الآثار والمتاحف ومواقع أخرى، وقسموا مكان المسح إلى ثلاثة أجزاء: منطقة السلسلة الجبلية، ومنطقة الهضبة السفلية، ومنطقة الهضبة السهلية. ووضعوا ما عثروا عليه من مواقع في ثلاث مجموعات هي: مواقع منشآت حجرية، ومواقع أدوات حجرية، ومواقع الأدوات الحجرية المتضمنة مواقد نار 
 
ونتج عن الموسمين المنفذين من قِبل فريق وكالة الآثار والمتاحف، تحديد عدد من المواقع والكشف عن مواد آثارية في غاية الأهمية، وذلك من الموقع الذي نفذت فيه الحفريات؛ فمن حيث المواد الآثارية الثابتة التي وجدت فيها أدوات حجرية عائدة إلى العصر الحجري الحديث، فقد اشتملت على مساكن ظهرت في نوعين: النوع الأول حفرة في الأرض بعمق متر بنيت جوانبها بالحجارة بسمك 50سم للجدار وارتفاع يصل إلى ثمانين سنتيمترًا. وتتفاوت هذه الدوائر في أحجامها، فمنها ما يصل قطره إلى ثلاثة عشر مترًا، وربما قسمت الواحدة إلى وحدتين أو ثلاث وحدات، أما النوع الثاني فيتمثل في دوائر حجرية كبيرة الحجم تُبنى على ظهر الأرض بوساطة كتل حجرية غير منتظمة  ، وقد يبلغ قطر الدائرة الواحدة تسعة أمتار، ويوجد لهذه الدوائر مداخل جانبية وربما ألحقت بها دوائر صغيرة، وقد بنيت في سفوح الجبال.
 
وبالإضافة إلى ما ذُكر، فقد عُثر على مبانٍ يُظن أنها دينية  ، مختلفة في التصميم، إلا أنه يربطها وجود النصب الحجري المتجه إلى الشرق بصفة دائمة، وقد صُنفت من حيث التصميم إلى خمسة أنماط: النمط الأول هو النمط الشريطي، وهو مبنى مشيد بالحجارة يكون له رأس على شكل مثلث متساوي الساقين ويبلغ الذيل نحو 45م، وقد وجد بين المقابر  .  أما النمط الثاني فهو مبنى تكونه دائرة مبنية بألواح حجرية يتوسطها لوح حجري قائم يتجه ناحية الشرق، وأما النمط الثالث فهو يشبه السابق، إلا أنه يختلف عنه في المحيط، وأما النمط الرابع فهو مبنى مستطيل الشكل، بينما يتمثل النمط الخامس في مستطيل على شكل رجم حجري مملوء بالكتل الحجرية ويبرز في مقدمته لوح حجري رأسي.
 
وعثر كذلك على مبانٍ قِيل إنها مدافن  ، وهي رجوم حجرية يصل قطر الواحد منها إلى متر واحد، ويوجد كل واحد منها منفردًا عن الآخر. أما طريقة الدفن فكانت بوضع الميت على هيئة جلسة القرفصاء؛ أي كوضع الجنين في بطن أمه  ،  كما توجد أنماط أخرى كالرجم الدائري، والمستطيل، والمربع، وغالبًا ما توجد بينها الأبنية الشريطية التي لها ذيل وتشبه الحية أو الثعبان.
 
أما الأدوات الآثارية المنقولة، فهي متنوعة ومتطورة قياسًا بأدوات وأسلحة العصر الحجري الحديث في العالم القديم، فقد عثر على ما يراوح بين 16 و 23 رأسًا حجريًا يبلغ طول الواحد منها 15سم، ولهذه الرؤوس بداية مسلوبة ونهاية مفلطحة، حادة الجوانب. وعُثر بجوارها على مصنع للأدوات والآلات الحجرية، ومجموعة من رؤوس السهام في غاية الدقة  ، ولها أطراف مدببة ومثلثة، وجميعها مشغولة الجوانب ومشظاة ومشحوذة الوجهين وهي متنوعة في أحجامها، كما توجد بينها أنواع مسننة الجوانب. ويبلغ متوسط طول الرؤوس المدببة 3سم.
 
وعُثر على أدوات ورقية الشكل، مدببة، حادة الطرف، والقاعدة منتفخة ومشغولة على الجانبين، ومكاشط مستديرة ومشحوذة على الجانبين، لها جانب رقيق، وجانب منتفخ، ومجموعة من المثاقب المشغولة وغير المشغولة بعضها ثلاثي وبعضها غير منتظم وقصير، ومجموعة من القواطع المشذبة والمشغولة من جانب واحد ربما لاستخدامها مقبضًا، ومجموعة من السكاكين الحادة وكبيرة الحجم مشحوذة من جانب واحد أيضًا، ومجموعة من الرقائق هي في الأصل مخلفات تصنيع من رقائق وشفرات متنوعة تم تصنيفها في مرحلة ثانية لتصبح أداة رقيقة وصغيرة، وقد يكون أحد أجزائها طبيعيًا والآخر مشظى ومشذبًا، وقد تسننت حواف بعض هذه الأدوات  ،  وهناك مشغل لتشظية الأدوات التي تتمثل في القواطع والنصال والمخارز ورؤوس السهام دقيقة الصناعة والشظايا المتنوعة. 
 
ومن أبرز ما كشفت عنه تلك الدراسات المنـزل المستخدم الذي كان على شكل كوخ، ويتألف من حفرة يحفرها الإنسان في سطح تل إلى ما يقارب المتر تقريبًا، وعلى حافة هذه الحفرة يبدأ في بناء كوخه بألواح حجرية موضوعة بطريقة رأسية 
 
أما بخصوص الاستيطان البشري في الثمامة، فقد قسمه فريق التنقيب استنادًا إلى نتائج تلك الحفريات إلى ثلاث مراحل: المرحلة المبكرة، وأرخها بخمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وخلال هذه الفترة اتجه الإنسان إلى قمم الجبال، متخذًا إياها مأوى للسكن، وأمّا الأودية والسهول فكانت مواضع زراعته وصيده. وقد استخدم من الأدوات خلال هذه الفترة رؤوس السهام والحراب والمخارز والمكاشط والشفرات للقتال والصيد وتقطيع اللحم وأغراض الحياة اليومية الأخرى. أضف إلى ذلك استخدامه قطعًا حجرية تمثل أجزاءً من أوانٍ بدائية رديئة الصناعة تبدو عليها آثار الطَرْق وطحن الحبوب. أما المرحلة الثانية، فقد أرخها بالألف الثاني قبل الميلاد 2000 سنة. وتنتمي إلى هذه المرحلة الأبنية ذات الألواح الحجرية التي ظُنَّ أنها أنصاب. وأرجع الفريق المرحلة الثالثة إلى الألف الأول قبل الميلاد (الفترة الثمودية)؛ وذلك بسبب عثوره على لوح حجري في سور يبلغ طوله خمسة أمتار عليه حروف ثمودية، كما عثر على رسوم غائرة على إحدى الواجهات الصخرية عند مدخل أحد الأودية تمثل رسومًا لِجمال بعضها في حالة حركة والبعض الآخر في حالة سكون 
 
وأما بخصوص ما توصل إليه من اكتشاف عدد من الكِسر الفخارية التي بدا أنها من أنواع فخار الألف الثالث قبل الميلاد، ومجموعة من الأصداف البحرية، ومواقع رجوم حجرية، وعدد من الدوائر الحجرية التي قد تُكون وحدة واحدة، وقد تكون أكثر من ذلك، وهي مبنية بألواح حجرية رفيعة السمك  
 
وأسفرت أعمال أخرى عن تحديد عدد من مواقع الأدوات الحجرية، ومواقع المنشآت الحجرية، والمواقد، وأرحية حجرية. وعرفت الأدوات الحجرية بالتنوّع؛ فمنها الأدوات المشحوذة، ومنها المصقولة. وبشكل عام فإن هذه الأدوات تشمل رؤوس السهام وفيها مسننة الأطراف والنصال التي على شكل حراب، والمكاشط شبه الدائرية، والمثاقب، والشظايا، والنصال، والفؤوس، والرقائق العادية، ورؤوس شبه مجنحة الطرفين صُنعت بعناية فائقة، والمثاقب، والشظايا صغيرة الحجم، والمخارز 
وعثر على مدقات مصنوعة من الحجر الرملي  ،  وأدوات تستخدم في تصنيع الأدوات، ومواقع ربما كانت ورش عمل لصناعة الأدوات. ويرجح الباحث تأريخ مواقع الثمامة بالعصر الحجري الحديث المبكر، أي ما قبل صناعة الفخار، استدلالاً بعدم العثور على كِسر فخارية، بالإضافة إلى عدم العثور على أدوات حجرية لها صلة بالزراعة  .  ومع أنه تطرق إلى العثور على كِسر فخارية، إلا أنه ظن أنها إسلامية دون أن يذكر ما يسند ظنه  .  وسبق أن عُثر على كِسر فخارية في بطن الثمامة، من المرجح أنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، استنادًا إلى الشبه بينها وبين فخار قلعة البحرين خلال فترة دلمون  
 
شارك المقالة:
141 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook