الجيولوجيا بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الجيولوجيا بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الجيولوجيا بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
مع بداية الزمن الجيولوجي الثالث منذ نحو 65 مليون سنة تقريبًا بدأ الأخدود الإفريقي العظيم في التكوين وانفصلت شبه الجزيرة العربية عن إفريقية، ما نجم عنه نشأة كل من البحر الأحمر وخليج عدن، ولعل أبسط الأدلة على ذلك تطابق ساحلي هذا البحر واستمرارية عدد من التراكيب الصخرية والبنيات التي يمكن تتبعها على الجانبين، فالدرع العربي هو استمرار للدرع النوبي الإفريقي، يتكون مثله من صخور نارية بلورية تعود إلى ما قبل الكامبري، وهو يشكل القسم الغربي مما يسمى (الصفيحة القارية العربية) التي تغطس بشدة نحو الشرق والشمال الشرقي لتعلوها آلاف الأمتار من الصخور الرسوبية، وتعرف بالرف العربي، وقد نشأ الدرع العربي على شكل أقواس جزر بركانية داخل محيط الطرف الشمالي الشرقي للراسخ الإفريقي، وقد تعرض لعدد من عمليات التحول والتشوه والاقتحام من قبل صخور نارية اندفاعية شكلت جميعها خصائص هذا الدرع منذ نحو 870 - 50 مليون سنة
ويتكون الدرع العربي - الذي يحـده إقليم الرف العربي الرسوبي من الشرق وأخدود البحر الأحمر من الغرب - من صخور رسوبية وبركانية تعرضت للتحول والطي عندما كانت في الأعماق نتيجة لتعرضها لدرجات حرارة وضغط عاليين، وتتمثل هذه الصخور في مجموعات متحولة ومطوية بشدة كما هو الحال في كل من مجموعات بيش والباحة وجدة، تلاها مجموعات صخرية تشكلت في مراحل لاحقة، وهي أقل تحولاً وطيًا كمجموعات عبلة وحلبان والمردمة وشمر، وقد تداخلت ضمن الدرع العربي محقونات من الصخور النارية الباطنية كالجرانيت والديوريت والجرانوديوريت وغيرها
وتشير الدراسات إلى وجود أكثر من نموذج لتطور الدرع العربي، يعتمد الأول منها على نظرية الصفائح التكتونية (Plate Tectonics)، ويتلخص في وجود أربع مراحل لتطوره تبدأ قبل 900 مليون سنة وتنتهي قبل 620 مليون سنة؛ إذ تكونت أقواس جزر من قشرة محيطية تلاها تطور للدرع العربي إلى قشرة متوسطة التركيب ومن ثم ازدياد سمك قشرة الدرع العربي حتى التحمت مع القشرة القارية الإفريقية، وقد تخللت جميع هذه المراحل ترسب المجموعات الصخرية التي أشير إليها سابقًا
 
أما النموذج الثاني لتطور الدرع العربي فيفترض انشطارًا للصفيحة الإفريقية قبل 950 مليون سنة نجم عنه نشأة لوحات قارية كلوحة إقليم عفيف والدوادمي وغيرها، تلاه تطور للدرع العربي - النوبي حسب النموذج الأول، وذلك بين اللوحات العربية القارية المذكورة والصفيحة الإفريقية قبل أن تعود للالتحام مع هذه الأخيرة مرة أخرى، ومن ثم نشأ نظام صدوع نجد وحدثت تسوية عامة للسطح نجم عنها أخاديد بركانية رسوبية فيما بين 640 و 550 مليون سنة قبل الآن
وحدث هبوط قاري شامل منذ نحو 550 مليون سنة أدى إلى ترسيب الصخور الرسوبية الباليوزوية فوق الدرع العربي  ،  وقد عاد الأخير للانفصال عن نظيره النوبي قبل 30 - 25 مليون سنة عندما بدأ البحر الأحمر في التشكل
وتقع منطقة مكة المكرمة في الجزء الغربي الأوسط من الدرع العربي  ، وتشغل تكتونيًا مساحات من أربعة أقاليم تكتونية، إذ يشغل إقليم عسير التكتوني الأجزاء الجنوبية للمنطقة ابتداءً من خط عرض الطائف حتى القنفذة، بينما يشغل إقليم جدة التكتوني النصف الشمالي للمنطقة، ويليه في الأهمية إقليم عفيف التكتوني الذي يشغل الأجزاء الشرقية للمنطقة، بينما لا يشغل إقليم الحجاز التكتوني سوى المناطق التي تتوافق ومحافظة رابغ، وتشغل معظم خطوط التحام (Suture) هذه الأقاليم التكتونية نطاقات مقطعة من الأحزمة الأفيوليتية (Ophiolite belt)، وقد نجم هذا التقطيع عن تعرضها وبقية أقاليم الدرع العربي إلى نظام صدوع يمتد من الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي، وهو ما يعرف بنظام صدوع نجد (Najd Fault System)
أما صخور هذه الأقاليم التكتونية للدرع العربي فهي صخور متطبقة وأخرى اندفاعية جوفية، وحسب تقسيم جونسون (Johnson) الذي اتبع في هذا الجزء، فإن الصخور المتطبقة للدرع العربي ومنها منطقة مكة المكرمة يمكن تقسيمها إلى ثلاث وحدات متتالية زمنيًا تفصل بينها فترات نشاط جوفي واسع، يتم خلال كل فترة منها حقن الصخور المتطبقة بأنواع الصخور الاندفاعية الجوفية، وقد تم ذلك خلال حقب البروتيروزي الأعلى؛ فقد نشأت المجموعات الصخرية المتطبقة السفلى خلال البروتيروزي الأعلى القديم، بينما نشأت المتطبقات الوسطى خلال البروتيروزي الأعلى المتوسط، أما مجموعات الصخور المتطبقة العليا فقد نشأت خلال البروتيروزي الأعلى الحديث  .  وتفصل سطوح عدم التوافق الرئيسة بين جميع هذه المتطبقات نتيجة للحركات البانية للجبال التي تعرضت لها، التي أدت إلى عمليات طي وتشوه وتحول كبيرة لهذه الصخور سواء بسببها أو بسبب المحقونات الجوفية التي صاحبت هذه الأنشطة التكتونية
ومما تجدر الإشارة إليه أن عمليات التحول تقل تدريجيًا ابتداء من الصخور المتطبقة السفلى حتى الصخور المتطبقة العليا في الدرع العربي، وسوف نعرض فيما يأتي موجزًا لأهم الخصائص الجيولوجية لمنطقة مكة المكرمة، وتشمل الصخور المتطبقة والصخور الجوفية الاندفاعية بجميع أشكالها، إضافة إلى البنيات التكتونية المختلفة
 

الصخور المتطبقة

 
تختلف مجموعات الصخور المتطبقة بين أنحاء الدرع العربي، إلا أن اتساع مساحة منطقة مكة المكرمة أدى إلى احتوائها على مجموعات صخرية تنتمي إلى المتطبقات الثلاث لهذا الدرع، وقد رتبت هذه المجموعات زمنيًا بناءً على التقديرات التي عملت لأعمار محقونات الصخور الجوفية بوساطة نظائر اليورانيوم والرصاص وغيرها من الطرق الأخرى. ويمكن تناولها كما يأتي:
 
أ - مجموعات الصخور المتطبقة السفلى:
نشأت الصخور المتطبقة السفلى خلال دورة البروتيروزي الأعلى القديم في بيئة أقواس جزرية، وتشمل بركانيات قاعدية بازلتية يراوح عمرها بين 800 و 1165 مليون سنة، وتمتد في منطقة مكة المكرمة بين وادي فاطمة شمالاً وحدود المنطقة مع منطقة الباحة جنوبًا وإلى الشرق من محافظتي القنفذة والليث
وتضم المتطبقات السفلى مجموعة بيش ومجموعة عرفات في منطقة جبل عرفات، وبركانيات وادي السياح ووادي قلادة
 
ب - مجموعات الصخور المتطبقة الوسطى:
نشأت هذه الصخور خلال دورة البروتيروزي الأعلى المتوسط، ويراوح عمرها بين 700 و 800 مليون سنة، وهي واسعة الانتشار في منطقة مكة المكرمة، وتمتد بين محافظتي جدة ورابغ، ومن جنوب بيشة إلى أقصى شمال المنطقة
وتضم الصخور المتطبقة الوسطى مجموعات سمران والجزء العلوي من مجموعة جدة ومجموعة حلبان ومجموعة فريح والعيس، إلا أنها تتباين في سعة انتشارها في منطقة مكة المكرمة
 
ج - مجموعات الصخور المتطبقة العليا:
نشأت هذه المجموعات الصخرية خلال دورة البروتيروزي الأعلى الحديث، ويراوح عمرها بين 600 و 700 مليون سنة، وتتوزع في أقصى شرق منطقة مكة المكرمة وذلك إلى الشرق من مجموعات الصخور المتطبقة الوسطى، كما توجد في منطقتين صغيرتين شمال مدينة مكة المكرمة في وادي فاطمة وقرب بلدة الكامل
ويمكن تمييـز هذه الصخور المتطبقة عما تحتها بسهولة نتيجة لعدم التوافق بينهما، وتتكون هذه الصخور من مجموعات صخرية رسوبية فتاتية وبركانية متحولة بدرجة أقل من المجموعات السابقة، وتتمثل هذه الصخور في منطقة مكة المكرمة بمجموعات فاطمة ومجموعة المردمة.
 

نطاقات صخور تكوين الأفيوليت

 
تتوزع هذه النطاقات في ثلاثة مواقع داخل المنطقة، يقع الأول منها شرق حرات كشب وحضن والبقوم، والثاني إلى الشرق من محافظة رابغ، أما الثالث فيقع شرق محافظة جدة
وتتصف هذه النطاقات بتقطعها على الرغم من أنها موازية للامتداد العام لمجموعات الصخور المتطبقة ومحاور الطي والصدوع الرئيسة، وغالبًا ما تختلف أبعاد هذه النطاقات ومساحاتها بين منطقة وأخرى، وقد تشوهت عدة مرات، وتحولت إلى سحنات الأمفيبوليت أو الشيست الأخضر، ونتيجة للعلاقة التكتـونية التي تربط بين هذه النطاقات ومجموعات الصخور المجاورة لها، فقد كثرت عمليات تحول السربنتينين إلى كربونات تشبه الكربونات الرسوبية، كما تأثرت جميع هذه الصخور بنظام صدوع نجد الذي قطع وأزاح عددًا منها إزاحات جانبية
وتتكون نطاقات صخور الأفيوليت  من صخور قاعدية وفوق قاعدية اندفعت من قشرة محيطية فوق صخور الحافات القارية أثناء التحام أقواس الجزر بعضها مع بعض، ويتكون القطاع الرأسي لهذه الصخور من صخور فوق قاعدية غير متطبقة ومتطبقة عند القاعدة، تليها صخور الجابرو المخطط والترونجوميت وقواطع الدوليريت، ثم البازلت الوسادي وغير الوسادي، وأخيرًا عند القمة رسوبيات بحرية، وقد أشارت دراسة الشنطي عن الدرع العربي إلى وجود ستة نطاقات من الأفيوليت في الدرع العربي
 

الصخور الاندفاعية الباطنية 

 
تنقسم الصخور الاندفاعية الباطنية في الدرع العربي إلى ثلاث مجموعات زمنية متتالية استنادًا إلى حالات اختراقها لمجموعات الصخور المتطبقة، فهناك اندفاعات باطنية قديمة حدثت قبل حركة بناء الجبال، واندفاعات باطنية وسطى تزامنت مع الحركة، واندفاعات باطنية أخيرة حدثت بعد حركة بناء الجبال، وقد بنيت الأعمار بداية على مستوى اختراق هذه الاندفاعات للصخور المتطبقة، وقد صنفت الاندفاعات القديمة على أساس أنها تخترق مجموعات الصخور المتطبقة السفلى دون أن تصل إلى مجموعات الصخور المتطبقة الوسطى ومن ثم فهي أحدث من التطبقات السفلى ولكنها أقدم من المتطبقات الوسطى، وهكذا في بقية الصخور الاندفاعية، وحسب الطرق الإشعاعية فإن أعمار الصخور الاندفاعية تراوح بين أقدم من 700 مليون سنة للصخور الاندفاعية المتوسطة، و 620 - 550 مليون سنة للصخور الاندفاعية الأخيرة
ويراوح تركيب هذه الصخور بين الجابرو والجرانيت، كما يختلف تركيبها حسب أعمارها، فالقديمة منها كلسية غالبًا كصخور الجابرو والديوريت والديوريت الكوارتزي والتوناليت، بينما تتسم الاندفاعات الوسطى بتركيب كلسي قلوي وتتكون من الجرانوديوريت والجرانيت، وهي أكثر ارتفاعًا من القديمة، أما الأخيرة فتتميز بصخور جرانيتية قلوية وفوق قلوية، وكما هو الحال في مجموعات الصخور المتطبقة فإن درجة التحول تقل نسبيًا بالانتقال من الصخور الاندفاعية القديمة إلى الأخيرة، إلا أن الأخيرة التي اخترقت جميع مستويات الصخور المتطبقة والاندفاعية قد أثرت على الصخور المضيفة أو المجاورة لها مكونة فيها هالات من التحول التماسي (Contact Metazonation)
وتتخذ الصخور الاندفاعية الباطنية أشكالاً متعددة، فمنها القبابية أو المحدبة كما هو الحال في اندفاعات التوناليت والترونجميت في الاندفاعات القديمة، ومنها الباثوليتية الضخمة كما في اندفاعات الجرانوديوريت البيوتيتي في الاندفاعات المتوسطة، ومنها البيضاوية، والحلقية كأجسام الجرانيت القلوية الوردية اللون
وقد اتخذت الصخور الاندفاعية حسب أعمارها في منطقة مكة المكرمة أسماء متعددة ربطت جميعها بمراحل تكتونية، أهمها الصخور الاندفاعية لما قبل مرحلة كامل، واندفاعات كامل، واندفاعات ما بعد كامل، وقبل فاطمة، واندفاعات نهاية الحركة التكتونية، واندفاعات ما بعد الحركة التكتونية  .  كما أُطلقت تسميات أخرى محلية، ففي رابغ شملت مرحلة ما قبل كامل اندفاعات ثمرة ورابغ وقديد، بينما شملت الاندفاعات في الليث اندفاعات الليث وجمعة وحرقفة  . 
 

 مجموعات الصخور الرسوبية

 
ترسبت مجموعات من الصخور الرسوبية في منطقة مكة المكرمة، إما فوق صخور الدرع العربي أو في المناطق الساحلية، وقد احتلت هذه المجموعات الصخرية فوق الدرع العربي منخفضات داخلية أو أخاديد تكتونية امتدت عبر المناطق الساحلية نحو الداخل، وهو ما يعني أنها قارية أو بحرية النشأة، وتنتمي مجموعات هذه الصخور إلى الزمنين الثالث والرابع الجيولوجيين. ويمكن تناولها كما يأتي:
 
أ - الصخور الرسوبية للزمن الثالث:
تنقسم الصخور الرسوبية المنتمية للزمن الثالث الجيولوجي إلى عدد من المجموعات والتكوينات الرسوبية، نشأت زمنيًا على امتداد هذا الزمن منذ عصر الباليوسين (Paleocene)، حتى البلايوسين (Pliocene)، ومن أهم المجموعات والتكوينات الصخرية في المنطقة مجموعة سوقة وتكوينات الخرمة وأم الحمار وأبحر وبطحان وخليصية ودفين. ونشير إليها فيما يأتي:
 
1 - مجموعة سوقة:
استمدت التسمية من أخدود وادي سوقة في حوض وادي عسفان، لاحتواء هذا الأخدود الصدعي على عدد من التكوينات الجيولوجية، وهي من الأسفل إلى الأعلى تكوينات: هدى الشام، عسفان، الشميسي، سطاع، خليص، وبريكة، وقد تشكلت من تناوبات من الحجر الرملي والطمي والحجر الحديدي والحجر الرملي الحصوي والحجر الجيري وطوفة بازلتية قلوية وطين، وقد اعتمد تقسيم هذه الصخور إلى تكوينات بناءً على محتواها من التناوبات الصخرية واختلافها بين تكوين وآخر، إضافة إلى وضعها التكتوني والطباقي
 
2 - تكوين الخرمة: 
ينكشف هذا التكوين إلى الشرق من سهل ركبة وشمال شرق حرة حضن، وتستلقي رواسب هذا التكوين على صخور الدرع العربي بعدم توافق، وتتألف من حجر رملي كوارتزي وطفل أحمر اللون، ويحتوي على حفريات قد تنسبه إلى عصر الإيوسين، وتغطيه حرة حضن الثلاثية في بعض أجزائه، إلا أنه ينفصل عن الرواسب البحيرية لتكوين أم الحمار بصدع يمتد من الشمال إلى الجنوب
 
3 - تكوين أم الحمار:
تتوزع منكشفات هذا التكوين في القسم الشرقي لسهل ركبة، ويمتد تحت حرة حضن حتى حدودها الشرقية حيث يبرز في مساحات صغيرة، وهو ما يشير إلى تغطية الحرة لهذا التكوين، ويتألف من رواسب بحيرية ونهرية ومن صخور الطوفة البيضاء الجيرية، ويصل سمك القطاع الظاهر لهذا التكوين 22م، ويرجح نشأة هذا التكوين حسب الدراسات المختلفة ما بين الأوليجوسين والمايوسين
 
4 - تكوين أبحر:
تنفرد منكشفات تكوين أبحر في موقع واحد فقط إلى الشمال مباشرة من شرم أبحر، حيث تظهر أسفل لسان الكراع البازلتي ممتدًا على الطرف الجنوبي لدلتا وادي عسفان على البحر الأحمر، وتتألف صخور تكوين أبحر من الطين وحجر الطمي والحجر الجيري والجبس، وينتمي تكوين أبحر إلى المايوسين الأدنى
 
5 - تكوين بطحان: 
يتوزع تكوين بطحان في عدة مواقع داخل منطقة مكة المكرمة، وذلك في كل من وادي بطحان رافد وادي الليث، وعلى جانبي الطريق السريع بين مكة المكرمة وجدة، وعلى الجانب الأيسر لأخدود وادي سوقة في حوض عسفان، ويتألف من الطفل والحجر الرملي والكونجلومريت، ويترسب فوق عدة أنواع من صخور الدرع العربي ما قبل الكامبري أو على هوامشها، ولغياب الحفريات في هذا التكوين، فقد تباينت الآراء في نشأته ويرجح انتماؤه للمايوسين الأوسط
 
6 - تكوين دفين:
تنكشف صخور هذا التكوين أسفل حرات دفين والوسمة، وتقع الحرة الأولى جنوب شرق وشرق رابغ، بينما تقع الثانية إلى الشمال من المدينة المذكورة، وتتألف صخور التكوين التي غطتها ألسنة بازلت حمة، من مجموعة رهاط من حجر رملي وكونجلومريت وطفل، وجزئيًا من الحجر الجيري والجبس. وتنتمي صخور هذا التكوين إلى المايوسين الأعلى وربما البلايوسين، وهو يشبه كلاً من تكوينات أبحر في الشريط الساحلي لمنطقة مكة المكرمة ورغامة في الشريط الساحلي لمنطقة المدينة المنورة 
وتوجد تكوينات من الحصى والرمال في أعالي مجرى وادي حورة؛ أحد روافد وادي فاطمة، وقد أطلق مور والرحيلي (Moore and Al-Rehaili) عليها اسم تكوين خليصة، وقد غطته مسكوبات بازلت حمة من مجموعة رهاط.
 
ب - الصخور الرسوبية للزمن الرابع:
تتنوع صخور الزمن الرابع وإرساباته في منطقة مكة المكرمة بين صخور الحجر الجيري الشعابي ورواسب المراوح الغرينية ومخاريط الفتات ورواسب مجاري الأودية ورواسب رملية ريحية ورواسب السباخ
وتمتد صخور الحجر الجيري الشعابي على طول المنطقة الساحلية من محافظة رابغ شمالاً حتى محافظة الليث جنوبًا، ويشكل الحجر الجيري المدرجات البحرية التي يراوح ارتفاعها بين 3 و 4م، كما يشكل عتبات شعابية مرجانية بين مدية خصوصًا إلى الشمال من جدة، ويصل أقصى اتساع لصخور الحجر الجيري الشعابي إلى 8كم في ساحل محافظة رابغ، ويقل تدريجيًا في اتجاه جنوب محافظة جدة حتى محافظة الليث، كما تعرض لعدة صدوع أهمها: صدع الغالة وصدع الشعيبة المسدودة
أما رواسب المراوح الغرينية، فهي في معظمها رواسب حصوية رملية، وتغطي معظم سطح السهل الساحلي بين رابغ وجنوب جدة، حيث تقل عندها لتعود مرة أخرى إلى الزيادة التدريجية ابتداءً من مصب وادي الليث في اتجاه القنفذة، كما تغطي رواسب فتاتية حصوية ورملية خشنة سهل ركبة إلى الشرق من الطائف بطريقة مشابهة للمراوح الغرينية على السهل الساحلي، إلا أنها ناجمة عن جريان أقصر من الأخيرة، وتغطي رواسب بطون الأودية المكونة من الحصى والطمي والرمال والطين أنظمة التصريف المائي في منطقة مكة المكرمة، وأهمها من الشمال إلى الجنوب أودية رابغ وخليص وعسفان وفاطمة ونعمان والسعدية والليث والشاقة والأحسبة قرب القنفذة، ويتشكل منها في بعض هذه الأودية مستويان من المدرجات النهرية
وتعد الفرشات الرملية ورواسب الرمال الريحية واسعة الانتشار في منطقة مكة المكرمة، فهي تغطي أجزاءً من السهل الساحلي جنوب جدة، كما تشكل الرمال الريحية حقولاً من الكثبان الرملية المتحركة في المنطقة نفسها وبخاصة في المناطق المجاورة للمراوح الغرينية لمصبات الأودية، وأكثرها وضوحًا إلى الشمال من مدينة الليث
أما رواسب السباخ  فتتوزع في منطقة مكة المكرمة بين سباخ داخلية وأخرى ساحلية، ويختلف كلاهما في تكويناتهما وفي أسباب النشأة، وتتكون السباخ الداخلية من منخفضات تصب فيها مجموعة من الأودية، وأهم الأمثلة عليها فاضة الملح على الأطراف الجنوبية الشرقية لحرة رهاط، وتتألف رواسبها من الطمي والطين الملحي والرمال الوحلية، أما السباخ الساحلية، فلنشأتها عدة أسباب؛ وأهمها أنها مسطحات مدية أو مصبات لأودية ساحلية، وتتألف رواسبها من رمال طينية ملحية مع رواسب كلسية وجبسية
وتحيط رواسب مخاريط الفتات بالكثير من المرتفعات الجبلية سواء أكانت على السهل الساحلي أم في الداخل، ودائمًا ما تكون مشتقة من المرتفعات التي تطوقها، ومن ثم تتألف من هشيم صخري زاوٍ تختلط في رواسب رملية وطميية
 

الصخور البركانية الثلاثية والحديثة

 
تغطي منطقة مكة المكرمة أغطية من الصخور البازلتية التي تكونت خلال الفترة الزمنية الممتدة من الزمن الثالث حتى العصور التاريخية، فبالإضافة إلى الثلث الجنوبي لحرة رهاط تضم منطقة مكة المكرمة الأجزاء الجنوبية الشرقية لحرة كشب وحرتي حضن والبقوم، إضافة إلى حرة طفيل في المنطقة الساحلية جنوب مكة المكرمة. كما يأتي:
 
أ - صخور بازلت حرة رهاط: تضم المنطقة الثلث الجنوبي لحرة رهاط الذي يتكون من مجموعتين بازلتيتين، هما: بازلت شواحط وبازلت حمة الأحدث عمرًا، ويتكون بازلت شواحط الأقدم عمرًا من وحدتين بازلتيتين، تتألف الوحدة السفلى من بازلت أوليفيني انتقالي، وتغطي هذه الوحدة؛ وهي الأقدم عمرًا بين مجموعات بازلت شواحط صخور الدرع العربي بنسب متفاوتة، وتنكشف صخور هذه الوحدة أسفل صخور الوحدة العليا في الأطراف الجنوبية الغربية للحرة، وفي الطرف الشمالي الشرقي لها، ويبدو سطح هذه الوحدة مجوى بشدة كما يفصلها عن الوحدة العليا سطح لاتريتي، أما الوحدة العليا فتتألف من بازلت أوليفيني انتقالي وقلوي جزئيًا، وتعد صخور هذه الوحدة الأكثر انتشارًا والوحيدة التي تصل ألسنة تدفقاتها في أكثر من ستة مواقع إلى السهل الساحلي للبحر الأحمر على شكل حرات تحمل أسماءً من الشمال إلى الجنوب وهي: حرة الوسمة جنوب مدينة مستورة، حرة دفين جنوب شرق رابغ، حرة بريكة، حرة خليص، حرة النقرة، حرة الكراع شمال شرم أبحر، وتغطي هذه الحرات تكوينات رسوبية ثلاثية في جميع أنحاء السهل الساحلي
أما المجموعة الثانية من بازلت حرة رهاط - وهي بازلت حمة - فتغطي المناطق المركزية من حرة رهاط، وتتكون من تدفقات بازلتية أوليفينية قلوية وهاويتية، وهي تغطي في معظم حوافها صخور مجموعة شواحط الأقدم بنسب غير متطابقة، كما أن سطحها منحوت بعمق، وتراوح أعمار مجموعتي بازلت حرة رهاط بين 1 و 1.7 مليون سنة
وتحتوي حرة رهاط على نظام فوهات مركزي يمتد من الشمال إلى الجنوب، وهو جزء من نظام تكتوني يمتد بطول 600كم، ويعرف بنطاق (مكة المكرمة - المدينة - النفود البركاني)، ويصل السمك الإجمالي لحرة رهاط إلى 300م
 
ب - صخور بازلت حرة كشب: 
يقع القسم الجنوبي الشرقي من حرة كشب داخل منطقة مكة المكرمة، ويشمل أجزاء من كل المجموعات الصخرية، وهي من الأقدم إلى الأحدث: بازلت ديكة، بازلت نفرات، بازلت هيل، وكما هو الحال في الحرات الأخرى تحتوي حرة كشب على نظام فوهات مركزي يمتد من الشمال إلى الجنوب، تدفقت منه المجموعات الصخرية لحرة كشب
ويتكون بازلت ديكة من تدفقات بازلتية أوليفينية قلوية وباسنيت وكميات أقل من بازلت أوليفيني انتقالي مع هاوييت وفونوتفرايت، ويصعب تقسيم هذا البازلت إلى وحداته بسبب التعرية الحادة التي تعرض لها نتيجة قدمه، إذ يشكل القاعدة الأساسية التي تركز عليها المجموعات البازلتية الأخرى للحرة، بينما يستلقي بازلت ديكة على الأرجح فوق الدرع العربي على الرغم من تغطية البازلت لكل من تكويني أم حمار والخرمة الثلاثية جنوب شرق الحرة
أما بازلت نفرات فيغطي بازلت ديكة بنسب متفاوتة في معظم الأجزاء الجنوبية للحرة، وهو يتكون من وحدتين سفلى وعليا، ويتكون بازلت نفرات الأسفل من تدفقات قصيرة مكونة من الباسنيت والهاوييت مع كميات أقل من البازلت الأوليفني القلوي وفونوتفرايت، وتظهر أسطح اللابة ومخاريط الخبث في هذه الوحدة بسبب تعرضها لتعرية عميقة، ويتركز توزع صخور هذه الوحدة في الأجزاء الجنوبية الغربية من الحرة، أما بازلت نفرات الأعلى فيتكون من تدفقات لابة بازلتية أوليفينية قلوية وفونوتفرايت، وتغطي تدفقات هذه الوحدة بازلت نفرات الأسفل بعدم توافق وتتوزع في مساحات صغيرة جنوب الحرة وشرقها، وكما هو الحال في الوحدة السفلى تعرضت الوحدة العليا للتعرية ولكن بصورة أقل من سابقتها
أما مجموعة بازلت هيل فتتألف من ستة وحدات تدفقت من فوهات مركزية، ويغطي بازلت هيل المنطقة المركزية للحرة كما يشغل المناطق الأكثر ارتفاعًا منها، وتتألف التدفقات من باسنيت بالدرجة الأولى وبازلت أوليفيني قلوي مع قليل من الفونوتفرايت والفونوليت، وقد قسم بازلت هيل إلى وحداته الست بناء على درجة التعرية التي تعرض لها، ويشكل بازلت هيل آخر ثلاثة انفجارات بركانية تعرضت لها حرة كشب بعد العصر الحجري الحديث، وشكلت براكين جبل عسلج وجبل هيل وجبل شلمان، وباستثناء بازلت ديكة - الذي يعود إلى أقل من مليوني سنة أي فترة البلايو - بلايستوسين - فإن بقية أعمار بازلت الحرة يعود إلى عصر البلايستوسين والعصر الحديث، ويصل السمك الإجمالي للبازلت في حرة كشب إلى 100م  .
 
ج - صخور بازلت حرة حضن: 
تقع حرة حضن إلى الجنوب مباشرة من حرة كشب، وهي تتكون من بازلت أوليفيني قلوي بالدرجة الأولى، ويتكون قطاعها الجيولوجي من ثلاثة أجزاء، يستقر الجزء الأسفل منها فوق تكوين أم حمار الباليوسيني الثلاثي ويتكون من البازلت، بينما يتكون الجزء الأوسط للقطاع من تناوبات من الحجر الجيري والبازلت، أما الجزء العلوي فيتكون من البازلت المجوى بشدة، ويصل السمك الكلي للقطاع إلى 150م  .  وتنتمي حرة حضن إلى الزمن الثالث الجيولوجي، وقد أشارت عمليات التأريخ لصخور بازلت الحرة - التي تراوحت بين 27±1.4 و 15.2 ± 3 مليون سنة - إلى أنها تدفقت خلال الفترة بين نهاية عصر الأوليجوسين ووسط عصر المايوسين
 
د - صخور بازلت حرة البقوم: 
تسمى النواصف أو البقوم، وتقع إلى الجنوب من حرة حضن، ويمتد محورها من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي، وتتميز هذه الحرة بامتداد التدفقات البازلتية خارج كتلتها المركزية تمامًا كما هو الحال في حرة رهاط، وتتكون من لابة بازلتية ومخاريط الخبث، إضافة إلى حلقات من الرماد البركاني. وتشير عمليات التأريخ لهذه الحرة إلى تدفقها خلال نهاية الزمن الثالث قبل خمسة ملايين سنة
 
هـ - صخور بازلت حرة شامة (طفيل):
تقع حرة شامة (طفيل) إلى الجنوب من جدة بنحو 90كم، وتمتد بطول 12كم، وتقع على الامتداد الجنوبي الغربي لصدع إدام، ويحتمل أنها تغطي مجموعة متباينة من الصخور، ومنها كونجلومريت تكوين بطحان الثلاثي، وصخور متحولة وباطنية كالنايس والجرانيت، وقد تدفقت الحرة من قصبة بركانية واحدة. وتشير عمليات التأريخ لصخور البازلت فيها إلى أن آخر تدفق لها حدث نهاية الزمن الثالث قبل 3.25 مليون سنة  
 

 التراكيب الصدعية

 
تُشير الدراسات التي عملت لأجزاء من المنطقة إلى وجود صدوع رئيسة وأخرى ثانوية، إضافة إلى وجود نطاقات صدعية، وأن هناك اتجاهين رئيسين لهذه الصدوع والنطاقات الصدعية؛ وهما اتجاه الشمال الغربي والشمال الشرقي، إضافة إلى وجود اتجاهات أخرى للصدوع الثانوية ويمكن تصنيف اتجاهات الصدوع بشكل عام إلى صدوع موازية لاتجاه البحر الأحمر وأخرى متعامدة عليه، وفيما يأتي استعراض موجز لهذين النوعين:
 
أ - الصدوع الموازية لبنية البحر الأحمر:
لا تعود هذه الصدوع إلى فترة زمنية واحدة، وإنما ارتبطت بأحداث جيولوجية قد يكون أهمها حركة الصفيحة العربية ومراحل تطور البحر الأحمر، ومن ثم يمكن تقسيمها زمنيًا إلى صدوع ما قبل الكامبري وأخرى من الزمن الثالث والرابع الجيولوجيين، على الرغم من أن بعض الصدوع الثلاثية قد تكون ما قبل كامبرية وتجدد نشاطها في الزمن الثالث
 
ب - الصدوع المتعامدة على ساحل البحر الأحمر:
تتمثل الصدوع المتعامدة على ساحل البحر الأحمر بكل من النطاقات الصدعية والصدوع، ولعل أهم النطاقات الصدعية نطاق وادي فاطمة، نطاق مكة المكرمة، ونطاق وادي نعمان، أما الصدوع فأهمها صدع إدام وصدع الشامية
ويعد نطاق وادي فاطمة من أكثر النطاقات الصدعية وضوحًا في منطقة مكة المكرمة، إذ يمتدبطول 100كم فاصلاً بين مجموعة فاطمة وتكوينات ما قبل الكامبري الأخرى، ويمتد من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي ليلتقي بساحل البحر الأحمر جنوب مدينة جدة، أما نطاق مكة المكرمة فيمتد كذلك من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي، وتحده صدوع متوازية وسدود من الجرانيت تظهر في معقدي ملح وجعرانة، وقد تقطع هذا النطاق بزحزحة جانبيه من صدع جبل أحدب
أما نطاق وادي نعمان فيوازي كلاً من نطاقي فاطمة ومكة المكرمة، ويمتد بالاتجاه نفسه أيضًا، حيث تمتد قواطع البجماتيت موازية لهذا النطاق الصدعي، كما انبثق جبل كبكب بين هذا النطاق ونطاق مكة المكرمة عندما تحركت النطاقات الصدعية أفقيًا في الشمال الشرقي، كما تقاطع هذا النطاق مع مجموعة من الصدوع الموازية للبحر الأحمر
أما صدع إدام فهو أحد أبرز الصدوع في منطقة مكة المكرمة؛ إذ يمتد من ساحل البحر الأحمر نحو شمال شرق الطائف ليختفي تحت تدفقات بازلت حرة كشب بطول يزيد على 50كم، ويتكون هذا الصدع من نطاقات متكسرة يصل اتساعها إلى كيلومتر واحد تقريبًا، وعلى الرغم من زيادة طول صدع الشامية - الذي يزيد على 64كم - إلا أنه ينقطع بمجموعة أخرى من الصدوع الموازية للبحر الأحمر، وقد كان له دور كبير في نشأة وادي الشامية أحد الروافد الرئيسة لوادي فاطمة، حيث يظهر جرف الصدع بشكل واضح قرب قرية المضيق، وإضافة إلى هذين الصدعين هناك مجموعة أخرى من الصدوع المتعامدة على البحر الأحمر لعل أبرزها صدوع المجاري العليا لأودية خليص وقديد، وفي مكة المكرمة كل من صدع وادي إبراهيم الخليل وصدع الشرايع
 
 
 
 
شارك المقالة:
992 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook