تُعَدّ العشر الأوائل من ذي الحجّة أيّاماً عظيمة ينبغي على المسلم إذا أدركها وعرف فضلها أن يسارع إلى اغتنامها بالإكثار من الأعمال الصالحة فيها، وأعظم ما يمكن أن يؤدّيه المسلم في هذه الأيّام فريضة الحجّ إن تيسّر له ذلك، أو أداء مناسك العمرة؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)، ويُستحَبّ أن تُصام هذه الأيّام العَشر؛ لِما في صيامها من أجرٍ عظيم، كما يُستحَبّ أن يحافظ المسلم على الصلوات الخمس جماعة في المسجد، ويُكثر فيها من أداء النوافل؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- في ما يرويه عن ربّه -جلّ وعلا- في الحديث القدسيّ: (وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ)، وأن يكثر فيها المسلم من الذِّكر، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وأن يجهر به، وأن يُخرج الصدقات في هذه الأيّام المُبارَكات، كما أنّ عليه أن يحرص على قراءة القرآن، وبِرّ الوالدين، وصِلة الأرحام، وكلّ عمل صالح يُشرع فِعله؛ لعِظَم الزمان، وشَرَفه.
وقد بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أجر الأعمال الصالحة في أيّام الحجّ أفضل من الجهاد في سبيل الله -تعالى-، بالرغم من عظيم أجر الجهاد الذي يعدل درجة الصائم القائم، قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ).
رغّب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين في أداء فريضة الحجّ، وأداء مناسك العمرة، فقال: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)، وقد فرَّق الحديث بين أجر الحجّ الذي يُعَدّ فرضاً، والعمرة التي اختلف الفقهاء في حُكمها، كما أنّ مشروعيّة الحجّ ثابتة في القرآن الكريم، وفي السنّة النبويّة، وأعماله كثيرة، وتتحصّل من ذلك مَشقّة كبيرة؛ فناسب ألّا يكون له جزاء إلّا الجنة، أمّا العمرة فأعمالها قليلة بالنسبة إلى الحجّ؛ فناسب أن يكون أجرها تكفير الذنوب التي يرتكبها المسلم ما بين العُمرتَين.
وبيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الحجّ الصحيح يُكفّر الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ)، ومعروفٌ أنَّ الأُمَّ تَلد ابنها وليس عليه من الذنوب شيء؛ سواء من الصغائر، أو الكبائر، وقِيل إنّ الذنوب التي تُكفَّر بالحجّ هي الصغائر، وقِيل إنّ الذنوب التي تُكفَّر هي الكبائر، واستدلّوا بقوله -صلّى الله عليه وسلّم- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما رفض مُبايعته قبل إسلامه إلّا بشرط أن يغفر الله له، فقال له -صلّى الله عليه وسلّم-: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟)، وفيما يأتي بيان لفضل الحجّ المبرور:
هناك علامات إذا توفّرت في الحجّ، فإنّ هذا الحجّ يكون مبروراً مقبولاً، ومنها ما يأتي:
موسوعة موضوع