الحرف والمهن بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الحرف والمهن بالرياض في المملكة العربية السعودية

الحرف والمهن بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
اعتمد اقتصاد منطقة الرياض على عناصر ثلاثة رئيسة هي: الرعي، والزراعة، والتجارة. وكانت تقوم التجارة على منتجات الرعي والزراعة، فالحيوانات ومنتجاتها هي ركيزة الاقتصاد الأساسية في بيئة أهل البادية، كما كانت التمور والمنتجات الزراعية بأنواعها المختلفة الركيزة الأساسية للاقتصاد في بيئة أهل البادية، وتقوم التجارة على تسويق هذه المنتجات ونقلها من مكان إنتاجها إلى أقرب سوق، وكانت التجارة تعتمد على نظام المقايضة ثم ظهر البيع والشراء.
 
وامتازت بيئة أهل القرية عن بيئة أهل البادية بتعدد المجالات الاقتصادية التي اقتصرت في البادية على الرعي فقط، ففي القرية يحتفظ الأهالي بالحبوب المتوافرة في الصيف ليتم بيعها في الشتاء وعندما تشتد الحاجة إليها، ويخزنون المنتجات الحيوانية التي تتوافر في الربيع لبيعها في فصل الخريف عندما تقل أو تشح، كما يقوم التجار باستيراد المنسوجات والسلع الضرورية الأخرى مثل القهوة والهيل، وأيضًا السلع الكمالية مثل الحلي وأدوات التجميل النسائية.
 
وكان يوجد عنصر اقتصادي مهم له أثره في الحياة الاقتصادية في البيئة القروية والبيئة البدوية هو الاستفادة من قوافل الحج التي كانت تمر بالمنطقة؛ فقد كان هناك تبادل تجاري بين رجال تلك القوافل من جهة وسكان المنطقة من جهة أخرى.
 
وسوف نستعرض الحياة الاقتصادية السابقة في منطقة الرياض ومحافظاتها من خلال استعراض الحياة الاقتصادية في بيئة الفلاحة وبيئة المراعي.
 

الحياة الاقتصادية في القرى

 
أ - مواسم الزراعة والحصاد وغراس النخيل وصرامه:
 

موسم الزراعة

 
ينقسم الزرع إلى قسمين رئيسين هما:
 
أ) ما يُزرع ويُروى من مياه الأمطار، وهو ما يسمى (البعل)، ويزرع الناس الشعير في الغالب في (القيعان) ومفردها (قاع)، وهو الصلب المستوي من الأرض الذي يتكون فيه الطمي من السيول، ولذلك يبقى فيه المطر مدة طويلة، ويقتسم أهل كل بلد القاع الذي يقع بقربهم، وبخاصة إذا توخى الناس أن تكون تلك السنة (ربيعًا) أي كثيرة الأمطار والخيرات.
 
ب) ما يُزرع ويُسقى من الآبار الجوفية، وغالبًا ما تكون المساحات محددة كل حسب قدرته وطاقته وإمكاناته المائية، مع أن الأمطار تشجع على تكبير هذه المساحة، ويُزرع في كل جزء من هذه المساحة نوع من الحبوب ومنها: القمح الهش بأنواعه، والقمح الصلب (اللقيمي أو الصماء)، والشعير بأنواعه، وعادة يُفصل بين كل نوع وآخر منعًا من الاختلاط للمحافظة على نقاوة الحبوب. وتتم عملية الزرع بتمهيد الأرض بالسماد البلدي، ثم بذر الحب وحرث الأرض بالمحراث (الشرخ) وهو خشبة يبلغ طولها ثلاثة أمتار ونصف المتر تقريبًا مثقوبة من طرفها الأمامي بثقب يدخل منه الحبل (الرشا) الذي تجره الإبل أو الثيران، وفي مؤخرة الخشبة قبل نهايتها بنحو ثمانين سنتيمترًا ثقب واسع مثبتة به خشبة مائلة إلى الأمام بطرفها لسان من الحديد وهو الذي يتولَّى شق الأرض، وفي نهاية الشرخ ثقب رأسي مثبتة فيه عصا يمسك بها الرجل ويوجه المحراث في خطوط متوازية متراصة حتى لا يبقى جزء من الأرض لم يُحرث، وبعد حرث الأرض بالمحراث يتم تقطيعها إلى حياض صغيرة وقنوات (سريان) لسقي هذه الحياض، وذلك بسواعد الرجال باستعمال (المسحاة)، وتكون هذه الحياض بصفوف متساوية منظمة تُكبر وتُصغر حسب درجة استواء الأرض.
 
وتفصل بين الحوض والآخر عقوم صغيرة تسمى (مروز)  ، ويقوم مجموعة من الرجال بتسوية الحياض، ويسير خلفهم المفجر (الرايس) فيفجر الماء خلال هذه القنوات الصغيرة، فتسقى بها الأرض إذا كانت يابسة. وقد لا يأتي المفجر هذه الحياض إلا بعد مدة طويلة قد تصل إلى أسابيع في حالة إذا كانت الأرض مبتلة من المطر، وربما يمتد ذلك إلى مرحلة إنبات الزرع وترعرعه، وقد لا يحتاج الزرع إلى السقي إلا في نهاية عمره إذا كثرت الأمطار. وفي حالة عدم وجود أمطار تسقى الأرض من الآبار عن طريق السواني التي تجرها الإبل  .
 
يلاقي الفلاحون في موسم الحرث التعب لأنهم يعملون طوال اليوم، ويشترك الرجل والمرأة في الحرث، فتقوم المرأة بقيادة الإبل أو الثيران عند عدم وجود أجير يقوم بذلك، كما تقوم بإطعام الإبل وتجهيز أكل الرجال الذين يحرثون الأرض. ونظرًا إلى صعوبة هذا الموسم وشدته فإن الرجال اعتادوا على تنظيم بعض المسابقات والمراهنات في مدى سرعة إنجاز العمل، فمثلاً يتسابقون أيِّهم يصل طرف المزرعة قبل الآخرين، فيمسك كل واحد بصف من الحياض، ويبدؤون من نقطة واحدة وفي وقت واحد من أحد أطراف المزرعة في طريقهم إلى الطرف الثاني، ومن يصل أولاً مع إتقان العمل يكسب المسابقة والرهان، وتُنشد أثناء ذلك أناشيد تبعث الحماس والنشاط في نفوس الرجال.
 
وغالبًا تتم عملية الحرث دون أجر بوصفها عملاً جماعيًا تعاونيًا بين المزارعين إلا من يُستعان بهم من غير المزارعين، فهؤلاء يُدفع لهم أجرهم، وهو أجر رمزي - غالبًا - مثل ريال واحد في اليوم أو ريالين أو مقدار من الحبوب، وأحيانًا تؤجل الأجرة إلى ما بعد الحصاد  . 2 - الحصاد:
 
بعد خمسة أشهر من العمل الشاق المتواصل يسعد الفلاح بمجيء موسم الحصاد وجني الثمار، فإذا اصفر الزرع واكتسى باللون الذهبيَّ وامتلأت سنابل القمح والشعير استبشر الفلاح وبدأ بحصاد الشعير، ثم القمح الطري، ثم اللقيمي، ويشترك الرجال والنساء في هذا العمل، فيقوم به الفلاح وذووه وجيرانه في صفوف متراصة، ويحصدون من طرف المزرعة إلى طرفها الآخر باستخدام المخلب (المحش)  أو المنجل، فيخلفون وراءهم (الغمور) وهي أكوام متراصَّة من الزرع.
 
وأثناء عملية الحصاد يرددون بعض الأهازيج المعبرة عن الفرحة والسرور التي تملأ النفوس مثل:
 
يافرحتي بالغالي
من سهرن ليالي
نبدأ بحصد الجني
بارك لنا يا ربي
 
وتُجرى مسابقات في الحصاد تشبه مسابقات الحرث بين فريق وآخر، فالذي يستطيع الوصول إلى آخر الزرع أو القطعة قبل الآخرين يكسب الرهان، وتستمر عملية الحصاد من الصباح الباكر مع طلوع الشمس حتى أذان الظهر، ومن بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، وفي نهاية كل فترة يجمع الحاصدون ما تركوه من (غمور) في كدوس واقفة رأسيًا على جذوع القصب، والسنابل تكون إلى أعلى، إذ يصبح كل كدس على دائرة يراوح قطرها بين مترين وثلاثة أمتار، وتُجمع الكدوس في أمكنة متقاربة، أو تكون بجانب (المِدْرَس) وهو ما يُدرس فيه الحب. هذا بالنسبة إلى الشعير، أما القمح فيجمعونه في بيادر، وهي أن يُطرح القصب في دائرة أفقية تكون السنابل إلى الداخل وجذوع القصب إلى الخارج على دائرة يراوح قطرها بين مترين وثلاثة أمتار، وذلك للمحافظة عليه من أن تأكله البهائم، غير أن عيب هذه الطريقة هو في حالة هطلان أمطار عليها إذ يلحقها ضرر بما يعلق بالحب من (الجفرة).
 
يستفيد في موسم الحصاد من ليس له زرع؛ إذ يساعد الفلاح مقابل أن يحصل كل يوم على (غمر)، وهو ملئ يديه مما على الأرض من الزرع سواء كان رجلاً أو امرأة، حتى إن الصبية والصبايا الصغار يذهبون إلى مكان الحصيدة ليحصلوا على الغمر من الفلاح مجانًا، ويقوم الفلاح بتوزيع قبضات متوسطة من الزرع عليهم في جو من الفرح والدعابة، فينصرف الصغار فرحين مسرورين بما نالوه. كما يخصص الفلاح (غمرًا) لكل من يتعاون معه في وقت الحصاد؛ مثل راعي الغنم وراعي الإبل والنجار والحداد وسائق السواني ومغمر الماء وغيرهم ويحتوي الغمر على صاعين أو ثلاثة آصع من الحب. ويعد موسم الحصاد موعدًا لانفراج الأزمة الغذائية في السنوات الشديدة 
 

غرس النخيل

 
يبدأ الفلاح في جمع فسائل النخل (الغريس) بطريقة تعاونية، إذ يجمعها من الجيران والأقارب والمعارف، فيحفر (المخامر) وهي الحفر التي توضع فيها فسائل النخل، فتُعمق الحفر حسب صلابة الأرض وليونتها، وتكون الحفرة بقطر متر تقريبًا، وتجري تصفيتها من الحجارة والشوائب الأخرى، ويتم حفرها بصفوف معتدلة ومنتظمة مع ترك مسافة بين كل نخلة وأخرى من ستة إلى ثمانية أمتار، بحيث إذا كبرت النخلة وارتفعت لا تتلامس رؤوس جريدها مع الأخرى، وكلما ابتعدت النخلة عن الأخرى بمسافة معقولة أصبح إنتاجها أكثر، ويقولون على لسان النخلة: (ابعد أختي عني وخذ طلعها مني)، ويختارون لغرس النخل دخول فصل الربيع مع التأكد من سريان الماء في أغصان الشجر حتى يعرف الفلاح ما إذا كانت النخلة حية أو ميتة في وقت قصير، ولكي تمتد جذورها مع بداية فصل الربيع فلا يأتيها الصيف إلا وقد رسخت جذورها، وعادة تُجتث فسائل النخل من أُمَّاتِهَا إذ تُخرج من جذوع أُمَّاتها، ولا تكاد الفسيلة تلامس الأرض حتى تمتد منها جذور صغيرة، وعندها يجري فصلها عن أمها بطريقة صحيحة تُبقيها سليمة مع جذورها، وأحيانًا تكون الفسيلة مرتفعة عن الأرض، وفي هذه الحالة يقوم الفلاح بتعليق زنبيل صغير ملاصق لجذعها، ويضع فيه ترابًا ويسقيه حتى تمتد جذورها فيه ثم يفصلها عن أمها، وبعد أن تكبر الفسيلة يوضع لها حوض دائري يكبر مع كبرها، ويبدأ سقيها، ويُغرس شجر الأثل ما بين النخل؛ لأن جذور الأثل قوية وتغوص في أعماق الأرض، فإذا كبر الأثل يتم اجتثاثه وتبقى جذوره في الأرض، ومتى تآكلت نـزلت جذور النخل في طريقها.
 
تتوقف فترة إثمار النخلة على خصوبة الأرض وهي تراوح بين ثلاث وسبع سنوات في الغالب. ويحتاج النخل إلى عناية فائقة، فيجب تنظيف حياض النخيل وإضافة السماد، وخصوصًا وقت التلقيم، وهو من أواخر فصل الخريف حتى دخول الشتاء؛ أي ما يقارب شهرين في السنة، كما يحتاج النخيل إلى تنظيف الجريد من بقايا التمر حتى لا يُصاب بالتسوس في العام القادم، كما يحتاج إلى تجريد الجريد من الشوك وهو ما يُسمَّى التنشيف (التشويك).
 
والنخلة تحتاج إلى عناية خاصة؛ لذا فإنه إذا ارتفع النخل صعد الفلاح أو عامله النخلة بأداة تسمى (الكر)  وهي مكونة من جزأين: الجزء الذي يكون على ظهر الرجل يستند إليه عند الوصول إلى فرع النخلة وهو يُنسج من (السناف) وهو مجموعة من حبال الليف ملفوف عليها قماش ومنسوجة بجانب بعضها بطول مترين تقريبًا.
 
(أما الجزء الذي يحيط بالنخلة فهو من القد ملفوف على بعضه وبطرفه (زر) يشبك بعروة الجزء الذي يحيط بظهر الرجل، ويمسك الرجل الكر عند صعود النخلة بيديه، ثم يبدأ بصعودها خطوة فخطوة حتى إذا استوى في أعلاها وضع الكر على أسفل ظهره، ثم يستند برجليه على شطيب النخلة، ويبدأ يعمل بيديه العمل الذي يريد من لقط الرطب (خراف) أو جذاذ (صرام)، أو تقطيع جريد وغيره. وإذا كانت البساتين بقرب وادٍ، فإن لكل صاحب بستان الحق في شق مجرى ساقية يدخل منها جزء من سيل هذا الوادي إلى بستانه أو أرضه ومزارعه، وذلك للاستفادة مما يحمله السيل من الطمي (ربو) الذي يزيد من خصوبة الأرض ويوفر كمية كبيرة من المياه للنخل والأشجار، وعندما يجري سيل هذا الوادي ترى المزارعين وأبناءهم وأقاربهم قد انتشروا حول هذه الساقية يلاحظونها عن أي انكسار يحدث بها، ويراقبون البساتين بكل دقة، حتى إذا امتلأت فإنهم يسدون الساقية ويقطعون الحبس (العقم) مما يلي الوادي. وعملية السقي من السيل يعتبرها الفلاحون كسبًا ممتازًا لا يتأخرون عن تحصيله مهما كانت التضحية، وربما حدثت بعض المشكلات من جراء ذلك وبخاصة إذا كان السيل قليلاً، وكل يريده لمزرعته وبساتينه)  . 
 

صرام النخيل

 
تسبق عملية صرام النخل (أو جذاذه) خطوتان على فترات متباعدة:
 
الخطوة الأولى هي تشييف النخل وتلقيحه، والتشييف هو تجريد جريد النخل من الشوك الذي يكون عادة في أسفل السعف اتقاء وخزه عند العمل بفرع النخلة، أما تلقيح النخل فيتم بلقاح فحل النخل (البار)، إذ يأخذ الفلاح شمروخًا من طلع الفحل ثم يضعه في وسط عذق النخلة الجديدة بعد أن تنشقَّ عنه الكافورة، ثم يربطه بشريحة من الخوص ومتى كبر البسر انقطعت، ويأخذ هذه العذوق الواحدة تلو الأخرى إلى نهايتها؛ لأن البسر إذا لم يلقح في وقته يتساقط من عذوقه، ولعذق النخلة عندما تنشقُّ عنها الكافورة رائحة عطرية فواحة وله بياض ناصع وجذاب.
 
وعندما تكون النخلة حاملة أكثر مما تطيق يقتلع الفلاح بعض العذوق منها عن طريق اجتذاذها من أساسها؛ إذ يكون في نهايتها جمار العذق.
 
الخطوة الثانية: هي تعديل النخل؛ وهو وضع عذوقه على الجريد حسب مقاس العذوق وإلصاقه في فرع النخلة حتى لا ينكسر عندما يكبر البلح، ويكون وقت تعديل النخل عندما يصبح البسر بحجم حبة الزيتون، ثم يتغير لون البلح بعد ذلك إلى أصفر ذهبي وأحمر أرجواني عند طلوع الجوزاء، ثم يتلوه موسم الرطب ولقط الرطب (الخراف)، وتثمر لفترة تراوح ما بين الشهر والشهرين حسب نوع النخلة والمكان المزروعة فيه.
 
أما بالنسبة إلى صرام النخل فإن الاستعداد له يبدأ بتجهيز زنبيل كبير له أربع عرى ورشاء من الليف الجيد المجدول، وثلاث قطع كبيرة من شقيق الخوص بمساحات تُقدر بستة أمتار عرضًا وعشرة طولاً وأكبر من ذلك أو أصغر لفرشها ووضع أكوام التمر عليها بعد تنـزيله من النخل تمهيدًا لبيعه في موقعه سواء لتجار التمور أو غيرهم.
 
" وعملية الصرام يتعاون فيها الرجال والنساء، فالرجال يصعدون النخل حيث يقوم اثنان منهم بالصعود إلى النخلة فيتفرعها واحد يتولى قطع العذوق، والثاني يتعلق (بالكر) ويمسك المجذاذ، ومتى امتلأ حدّره إلى الأرض، حيث تتلقفه النساء، وتقمن بتفريغه بزنابيل لكي يتم نقلها إلى فراش التمر المعد لذلك، ليجد التمر هناك من يقوم بتنظيفه من عذوقه، ويعزل البسر منه وينقى من الشوائب الأخرى لكي يبقى التمر نقيًا.
 
وعادة ما يكال التمر بوعاء متوسط الحجم يسمى (طاسة) كل كيلة فيها تساوي خمسة أصواع، ومتوسط إنتاج النخلة من ستين إلى مئة صاع من التمر، ويصل في بعض الأحيان إلى مئتين وخمسين صاعًا حسب موقع النخلة وطيب صنوها وغزارة الماء لها "  . 
 
شارك المقالة:
74 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook