الخائنة المحبة!

الكاتب: المدير -
الخائنة المحبة!
"الخائنة المحبة!




كم كانت تحلمُ بصحبتِه، برفقته، بأن يكون شريك حياتها، ورفيقَ دربها، كان نبض قلبها، وكان سوادُ الليلِ يعلم بكاءها وتضرُّعَها إلى خالقها أن يُنعِم عليها به.

 

مرَّت سنونَ طِوال، زاد حبُّه بقلبها؛ كالنبت ينمو ويزهر، فصار هو قلبَها وكل حياتها، لم تكن تعلم أنه سيأتي اليوم الذي يكون معها رفيقًا، وجاء أخيرًا ذلك اليوم الذي سجدَتْ فيه باكية لربها أن أكرمَها به بعد كلِّ تلك السنين العِجاف.

 

والعجيب أنه رغم حبِّها الشديد له، أصبحَتْ له هاجرة، يا تُرى نَضَب الحب، أم أنها كانت تتوهم أنها تحبه، أم تدَّعي حبه؟!

لم تشكر ربَّها عليه، بل أخذته مطيَّة بالدنيا، تتباهي به أمام قريناتها؛ فالكل يُدرِك مدى جماله، والكل تمناه له رفيقًا، صارت خائنة العهد.

 

رغم كل حزنه منها، فإنه بقي على العهد معها ولم يتركها، بل تظاهرَتْ أنه لا يوجد بالقلب غيرُه، وهي كاذبة، بل هي شُغِلت عنه بغيره.

رفَعَها لأعلى المراتب بين الناس، وهي لم تكتَرِثْ له!

أحبَّها وأعطاها مِن خزائنه ما لم يخطُرْ لها على بالٍ، فلم تشكر!

 

لماذا كلُّ هذا الجحود؟

لماذا لم تَخَفْ زوال تلك النعمة؟!

تساءل قلبي بحَيْرة، الإنسان لا يُحِسُّ النعمة إلا بفقدها: هل تنتظر أن يهجرها دون رجعة؟!

وأنها لو هجرَتْه، فتركها، ماتت وضاعت، فليس لها بحياتِها إلا هو.

 

همست لها وهي تحكي لي كرمَه معها، رغم سوئها معه، ليس هذا يهجر، فكم سهرتِ الليالي تحاكيه ويحاكيكِ، يُسعِد قلبك، فلم تُحِسِّي حلاوة الحياة وبهجتها إلا معه.

 

الكل الآن يعلم أنكِ رفيقته، فاحفظيه بحقِّ الله، أَلَمْ تعلمي قولَ السلف الصالح: رُبَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه؛ لكونه يقرأ القرآن، وهو يخالف أوامره، أو يرتكب نواهيه، يقرأ كتاب الله وفي كتاب الله ما يقتضي سبَّه وسب أمثاله؛ لأنهم خالفوا الأوامر وارتكبوا النواهي.

 

ألم تسمعي قول الله تعالى: ? فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ? [الأنعام: 44]؟

 

ألم تسمعي قول الله تعالى: ? وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ? [الفرقان: 30]؟

فكيف تحفظين القرآن وكنتِ تتمنَّينَ رفقتَه وحفظه، ثم تتركينه فتتكاسلين عن معاهدته؟!

 

ألم تَعِي قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((تعاهَدوا القرآن؛ فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلُّتًا من الإبل في عُقُلِها))؟!

وروى البخاري رحمه الله عن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بِئْسَ ما لأحدِهم أن يقول: نسيتُ آية كيت وكيت، بل نُسِّي، واستذكِروا القرآن؛ فإنه أشد تَفصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم)).

 

ألم يُشِرْ إليك الناسُ بالبنان، ويعظِّموكِ لحفظِكِ للقرآن؟!

ألم يرتَفِعْ ذِكرُكِ واسمك في المجالس به؟!

ألم يَصْطفِكِ الله بحفظه، وتمنَّتِ الكثيرات حفظَه ولم يَسْتَطِعْنَ؟

نظرَتْ إليَّ باكيةً، وقالت: نعم، فواللهِ هو كل حياتي، ألهاني الشيطان والحياة ومشاغلها عن وِرْدي من القرآن، فقصَّرتُ، ولكني له محِبة، الآن صحوتُ من غفلتي، وأدركت أني كنت لاهية، وتُبْتُ إلى الله، وسأسعى لأَنْ أكون المحِبَّة الصادقة، لا المحبة الخائنة.


"
شارك المقالة:
19 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook