الدفاع عن النفس

الكاتب: مروى قويدر -
الدفاع عن النفس

الدفاع عن النفس.

 

 

تعريف الدفاع عن النفس:

 

يُعَدّ مصطلح (الدفاع عن النفس) مصطلحاً مُعاصراً تُقصَد به: حماية الإنسان نفسَه، أو مالَه، أو عِرضَه من أيّ اعتداء، وقد أطلق عليه الفقهاء قديماً مصطلح (دَفع الصائل)؛ ولهذا عندما تتحدّث الكُتب الفقهيّة عن دَفع الصائل، فإنّ المقصود على النحو الآتي:

  • الدَّفع لغة: الإزالة والتنحية، يُقال: دَفَعتُ عُدوانه؛ أي أزلتُه ونَحَّيتُه عنّي.
  • الصائل لغة: اسم فاعلٍ من صال، وهو بمعنى: سطا واعتدى، يُقال: رجلٌ صَؤول؛ أي رجلٌ يضرب الناس، ويقهرهم، ويُقال: صالَ عليه؛ أي سطا عليه ظُلماً وقَهراً له، والصائل هو الذي يعتدي على غيره.
  • الصائل أو الصيال اصطلاحاً: لا يختلف المعنى الاصطلاحيّ للصائل عن اللغويّ في المعنى كثيراً؛ ولذلك يقتصر الفقهاء في الغالب على التعريف اللغويّ؛ لوضوحه؛ وعليه يُعرَّف الصائل بأنّه: الشخص الذي يعتدي على غيره؛ بالنفس، أو المال، أو العِرض بغير حَقٍّ، أمّا الصيال، فهو: عمليّة التعدّي على النفس، أو المال، أو العِرض بغير حَقٍّ.

 

حُكم الدفاع عن النفس في الإسلام:

 

اختلف الفقهاء في حُكم الدفاع عن النفس عند اعتداء الغير عليها، وبيان أقوالهم فيما يأتي:

  • الحنفيّة والمالكيّة: ذهب الحنفيّة، والمالكيّة إلى أنّ الدفاع عن النفس واجبٌ شرعيّ على الإطلاق؛ إذ يجب دَفع الصائل -أي المعتدي-؛ سواء كان مسلماً أو غير مسلم، كبيراً أو صغيراً، عاقلاً أو مجنوناً، آدميّاً أو غير آدميٍّ، كالبهيمة مثلاً؛ بدليل قول الله -تعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)؛ إذ إنّ الاستسلام للمتعدّي على النفس إنّما هو إلقاء لها إلى التهلكة؛ فكان الدفاع عنها واجباً؛ ولقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ)، وقاسوا ذلك أيضاً على جواز أكل المَيتة للمضطر؛ كي يحافظ على نفسه من الموت، وكما يُحرَّم على الإنسان قَتل نفسه، فإنّ قتلَه غيره يُحرَّم عليه أيضاً.
  • الشافعيّة: ذهبوا إلى أنّ دَفع المُتعدّي واجبٌ إن لم يكن مُسلماً؛ لأنّ الاستسلام له ذلٌّ في الدِّين، ويدخل في ذلك المُرتَدّ، أمّا إن كان المُتعدّي مسلماً، فيجوز الاستسلام له؛ سواء كان صغيراً أو مجنوناً، وقِيل: يُسَنّ الاستسلام في هذه الحالة، كما أوجبوا الدفاع عن النفس إذا كان الصائل -المُتعدّي- بهيمة، والدفاع عن نفس الغير في الوجوب أو العدم كالدفاع عن النفس عندهم.
  • الحنابلة: قال الحنابلة إنّ الدفاع عن النفس جائزٌ لا واجب؛ سواء كان المُتعدّي كبيراً، أو صغيراً، أو مجنوناً؛ مُستدلّين بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حال الفِتنة: (اجلسْ في بيتكَ فإن خفتَ أن يبهركَ شعاعُ السيفِ فغطّ وجهكَ)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (فإن خشيتَ أن يبهَرَكَ شعاعُ السَّيفِ فألقِ ثوبَكَ على وجهِكَ يبوءُ بإثمِكَ وإثمِهِ)، وهذا لا يُعدّ استسلاماً أو جُبناً، بل هو من باب تَرك المُشارَكة في إراقة دم امرئٍ مسلمٍ في حال الفِتنة.

 

حُكم الدفاع عن العِرض

 

للأعراض حُرمة عظيمة في الإسلام؛ فقد اجتمع فيها حقّان: حَقّ الله -عزّ وجلّ-، وحَقّ العَبد، واتّفق الفقهاء على وجوب الدفاع عن العِرض، ولا سبيل إلى إباحة انتهاك الأعراض بأيّ حال؛ فلو أراد فاسق الاعتداء على امرأة، وجب عليها الدفاع عن نفسها؛ لحُرمة تمكينها له منها، وكذلك شأن أيّ شخصٍ يُعتدى عليه في عِرضه، أو عِرض غيره، حتى ولو لم يكن مسلماً، ويتحقّق وجود هذا الاعتداء بوجود مُقدِّمات الزنا، ويُعَدّ دَفعه واجباً على كلّ مسلمٍ؛ دَفعاً للمُنكَر، ومن الأدلّة على ذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (...ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ)، ولا يختلف هذا الحُكم بالنسبة إلى غير المسلمين من أهل الذمّة؛ إذ إنّ لهم كامل الحقوق التي يتمتّع بها المسلم من الحماية، والرعاية، والعناية؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا مَن ظلَم معاهَدًا، أو انتقصَهُ حقَّهُ، أو كلَّفهُ فوق طاقتِهِ، أو أخذ له شيئًا بغير حقِّهِ، فأنا حجيجُهُ يومَ القيامَةِ).

 

حُكم الدفاع عن المال

 

اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الدفاع عن المال؛ فقد أولَت الشريعة الإسلامية المال والمُلك أهمّية ومكانة؛ فأباحت للإنسان أن يُدافع عن ماله إن تمّ الاعتداء عليه بالسرقة، ونحوها؛ بدليل قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ)، فيُشرَع للإنسان الدفاع عن ماله بالقَدْر المناسب، والوسيلة المناسبة، بغضّ النَّظَر عن قيمة المال؛ قليلاً كان أم كثيراً؛ لأنّ حقوق الإنسان وأملاكه لها قيمة عظيمة في الإسلام، واختلف الفقهاء في حُكم هذا الدفاع على أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:

  • وجوب الدفاع عن المال عند وقوع العُدوان عليه: ذهب المالكية إلى هذا القول إذا ترتّب على هذا الاعتداء هلاكٌ للنفس، أو إذا كان المال ذا قيمة، وقال الشافعية بهذا الرأي إن كان هذا المال فيه روح، كالحيوانات، أو إن كان حقّاً للغير، كالأمانة، والوديعة، والوَقف، وغيره إذا لم يخشَ المُدافع على نفسه، وعِرضه؛ وهو قولٌ للحنفيّة، واستدلّوا على ذلك بما يأتي:
    • جاء رجل إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وسأله: (يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ).
    • قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ)، فقد استلزم عِظَم منزلة الثواب والأجر أن يكون الدفاع واجباً.
    • قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ)؛ إذ إنّ دَفع العُدوان عن مال الشخص، أو مال الغير من باب دَفع المُنكر الواجب على المسلم.
  • اعتبار الدفاع حَقّاً من حقوق المُدافع وليس واجباً عليه: إذ إنّ الأمر راجع إلى صاحب المال؛ فله أن يدافع عنه، وله أن يُسقط حَقَّه في ذلك، وقد ذهب المالكيّة إلى هذا القول إذا لم يترتّب على تَرك الدفاع الهلاك، كما قالبه الشافعية إذا لم يكن المال ممّا فيه رُوح، وهو رأي الحنابلة أيضاً، وقولٌ ثانٍ للحنفيّة، واستدلّوا بما يأتي:
    • قول الله -تعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فحِفظ النفس، والمحافظة عليها، وحمايتها أَولى من حِفظ المال.
    • اعتبار أنّ حُرمة النفس أعظم من حُرمة المال، وقياس المال على النفس أقصى ما يُثبته جواز الدفاع؛ فلا يُوجب ذلك الدفاعَ عن المال، ولا يُجيز قتلَ النفس، كما أنّ المال تجري فيه الإباحة للغير خِلافاً للنَّفْس؛ فللإنسان أن يترك الدفاعَ عن ماله ويفتديَ به نفسه، ويكون له الثواب والأجر على ذلك.
  • وجوب الدفاع عن المال مُطلَقاً مهما كان مِقداره: وقد ذهب إلى هذا القول الحنابلة؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ)؛ إذ لم يُحدّد النبيّ مقدار المال المُعتدى عليه، وحتى لا تُهدَر الأموال والأنفس، ولأنّ المُعتدي مُصِرٌّ على ظُلمه، فجازَ للمُعتدى على ماله دَفع الظلم عنه مُطلَقاً.
  • عدم جواز الدفاع عن المال في حالاتٍ مُعيَّنة: فقد ذهب الشافعيّة إلى عدم جواز الدفاع عن المال إذا كان المُعتدي على المال مُكرَهاً ومُجبَراً على ذلك؛ إذ يجب على صاحب المال أن يُحافظ على نَفْس من أُجبِر على ذلك؛ بسبب اضطراره، ونوّه ابن حجر -من الشافعيّة- إلى عدم جواز الدفاع عن المال في حال وجود الفِتنة، وعدم الاستقرار، والتفرُّق، والاختلاف في البلاد.

 

حُكم الاعتداء على الغَير:

 

يُعدّ الاعتداء على الغير مُحرَّماً شرعاً، وقد ثبت ذلك بعدّة نصوصٍ شرعيّة، منها ما يأتي:

  • قوله -تعالى-: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
  • قوله -تعالى-: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
  • قوله -تعالى-: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ).
  • قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ).
  • قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا).
  • قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شيئًا بغيرِ حَقِّهِ خُسِفَ به يَومَ القِيَامَةِ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ).
شارك المقالة:
61 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook