المحتوى

الديمقراطية وموقف الشرع منها

الكاتب: يزن النابلسي -

الديمقراطية وموقف الشرع منها

 

السؤال
 
فضيلة الشيخ:
ماهو موقف الشرع من الديمقراطية التي تعطي الحكم للأغلبية كما هو واقع في زمننا هذا ?
وجزاكم الله خيرا
 
 
الجواب
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الديمقراطية كلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين Demos (ديموس) وتعني الشعب، وKratos (كراتوس) وتعني السلطة، ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب، وقد ظهر في الغرب على إثر طغيان حكم الإقطاع واستبداده مع إقرار الكنيسة لهذا الطغيان، فظهر من ينادي بجعل السلطة للشعب بواسطة المجالس النيابية بحيث يكون لها الحق المطلق في اختيار الحاكم ومحاسبته والتشريع، هذا هو معنى الديمقراطية وأصلها على سبيل الاختصار.
وهي بهذا المعنى تنافي الإسلام وتناقضه؛ إذ إن المرجع في الحكم في الإسلام هو لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (الأنعام: من الآية57)، وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى: من الآية10)، وقال تعالى: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) (الكهف: من الآية26)، هكذا قرأها العشرة إلا ابن عامر قرأها "ولا تُشركْ" بضم التاء وسكون الكاف بصيغة النهي، والمعنى على القراءة الأولى أن الله تعالى لا يشرك في حكمه أحداً بل الحكم له وحده فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه، وعلى القراءة الثانية ينهى الله تعالى نبيه وكل مخاطب بالقرآن العظيم أن يشرك في حكم الله أحداً، بل أخلص له الحكم كما أنك مأمور بأن تخلص له العبادة بقوله: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: من الآية110)، وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، وقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: من الآية59)، وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)، فالمرجع في التشريع عند المسلمين هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اقتبسه العلماء منها لا مرجع سواه، وليس ذلك محل مساومة أو تردد، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: من الآية36)، وهو واجب على الحاكم وعلى الرعية وقد جاءت الشريعة ببيان علاقة الرعية بالحاكم وعلاقة الحاكم بالرعية وما لهما وعليهما من حقوق وواجبات وكيفية نصب الحاكم وكل ذلك مبسوط ومفصل في مظانه، فلا حاجة لنا مع ذلك لأي تشريع آخر أو مذهب رآه الغرب لأنه لا شريعة ربانية عندهم.
غير أن الديمقراطية تجري على ألسنة الناس ويراد بها الشورى فيما لا نص فيه كاختيار الأكفاء والنظر في بعض النوازل أو تطبيق بعض الأحكام الشرعية على وقائع وأشخاص معينة وهي بهذا المعنى لم تبقَ ديمقراطية في أصل معناها، والشورى مما جاءت به الشريعة وأمر الله بها وحث عليها، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا) (الشورى: من الآية38)، وقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: من الآية159)، وقد فعل عليه الصلاة والسلام فشاورهم في غزوة أحد بين أن يبقوا داخل المدينة أو أن يخرجوا لملاقاة العدو خارجها وكان يميل إلى البقاء داخل المدينة لكن ألح بعض الصحابة ورأوا الخروج فأخذ برأيهم – انظر دلائل النبوة للبيهقي 3/204، ومستدرك الحاكم 2/128 وصححه وسيره ابن هشام 3/91، والبداية 5/343 – وشاور في أسارى بدر، وشاور علي وأسامة رضي الله عنهما في أمر عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، كما شاور في عقوبة من أذاه في أهله ( - أنظر صحيح البخاري ح4141 وصحيح مسلم ح 1763 ، 2770 - )، وغيرها كثير، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/109، وقال الإمام البخاري: "وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره" ( - كتاب الاعتصام- باب قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) ا.هـ.
فالشورى في الإسلام تختلف عن الديمقراطية الغربية في أمور:
1 – أن الشورى فيما لا نص فيه أو في تنزيل الحكم على الحادثة المعينة بينما الديمقراطية أن للشعب أن يتفق على مخالفة أحكام الشريعة وما وردت به النصوص بل له ذلك بالأغلبية، وهذا باطل.
2 – أن أهل الشورى في الشريعة الإسلامية لهم صفات معينة على حسب الموضوع محل المشاورة ولا يشاور كل أحد بينما في الديمقراطية الحكم للشعب كله ولهم نواب يمثلونهم.
والذي ينبغي أن يتجنب لفظ الديمقراطية وإن أطلق على المعنى الصحيح ذلك أنه موهم ويدل على معان فاسدة وقد نهى الله عباده عن قول راعنا لأن اليهود كانوا يريدون بها معنى فاسداً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) (البقرة: من الآية104)، وبما تقدم يتبين الحكم في الديمقراطية وما هو المجال الذي يمكن أخذ الحكم فيه بالأغلبية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
 
المرجع موقع المسلم
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook