الرضا بقضاء الله وقدره

الكاتب: المدير -
الرضا بقضاء الله وقدره
"الرضا بقضاء الله وقدره

 

علاقة السعادة بالرضا:

الرضا هو باب الله الأعظم وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وطريق السعداء الموقنين، في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (ذاق طعم الإيمان مَن رَضِي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا).




كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو الرحمن، أرحم بعباده من الأم بولدها؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو العليم، يعلم ما يصلح عبده وما يضره، والعبد جاهل لا يرى إلا تحت قدميه؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو اللطيف، يَبتلي عباده بالمصائب؛ ليُطهرهم من الذنوب والمعائب؟! كيف لا نرضى ونحن نوقن أن الله هو الودود، يتودَّد إلى عباده بنِعمة اللامحدودة: ? وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ? [النحل: 18].




لاحِظ أنه قال: نعمة، ولم يقل: نعم؛ لأن كل نعمة محشوة بنعم لا تُعد ولا تحصى، حتى إن المحنة حَشوها نِعَمٌ كثيرة، فكيف لا نرضى؟!

العبد ذو ضجرٍ والربُّ ذو قدرٍ
والدهرُ ذو دُولٍ والرِّزق مقسومُ
والخير أجمعُ فيما اختار خالقُنا
وفي اختيار سواه اللوم والشومُ

 

حقيقة الرضا؟

الرضا: هو تَقَبُّل ما يقضي به الله من غير تردُّد ولا معارضة، وقيل: الرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، لماذا؟ لأن كل ما حصل لك أو عليك إنما هو بقدر الله؛ فلا تحزن على أمر فات، ولا تَخف مما هو آت.

 

بماذا نرضى؟

1- ارضَ بالله ربًّا، ربًّا يلزمك أن ترضى بأوامره امتثالًا، وترضى بنواهيه اجتنابًا، وترضى بأقداره المؤلمة، ترضى بكل نعمة ومصيبة، وكل منع وعطاء، وكل شدة ورخاء، ترضى إذا عافاك، ترضى إذا ابتلاك، ترضى إذا وضعك في السجن وحيدًا فريدًا، ترضى به إذا أغناك وحباك، ترضى به إذا أعدمك وأفقَرك.

2- ارض بالإسلام دينًا، فما في الإسلام من حُكم أو أمر أو نهي، فإنك ترضى عنه تمام الرضا، وليس في نفسك أيُّ حرج، وتسلِّم لذلك تسليمًا، ولو خالف هواك، ولو كان أكثر الناس على خلافك، ولو كنت في غربة، ترضى بأحكام الدين، وتسعى لتنفيذها وإن خالفت العالم.

3- ارض بمحمد رسولًا، بأن يكون أولى بك من نفسك، فترضى بسُنته فتنشرها وتدافع عنها، ولا تتحاكم إلا إليها.

4- ارض بما أنت عليه، ارض بصورتك وصوتك، ووضعك ومستواك ودخلك، ارض ببلدك وبيتك، ارض بما قسم الله لك من جسد وسكن ومال وعيال، وهذا هو منطق القرآن؛ يقول تعالى: ? فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ? [الأعراف: 144].




إن الذي يرضى بقضاء الله وقدره، فإن الله يملأ قلبه سعادة وسرورًا ورضًا، أما الذي يتسخط ويعترض، وينظر إلى غيره، فإنه يعيش في شقاء لا يعلمه إلا الله؛ قال الله: ? إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ? [القمر: 49]، وقال الله: ? وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ? [الأحزاب: 38]، وقال الله: ? وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ? [الفرقان: 2]، وقال الله: ? وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ? [يس: 12]، وقال تعالى: ? أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ? [الحج: 70].




والآيات في القرآن كثيرة جدًّا دلَّت على أن الله تعالى قد قضى كل شيءٍ وقدَّره، وقال صلى الله عليه وسلم: (وارض بما قسَم الله لك، تكن أغنى الناس)؛ رواه أحمد والترمذي، وحسَّنه الألباني.




وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق عنده قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)؛ رواه مسلم.




وعن الوليد بن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، قال: دخلت على أبي - عبادة - وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه، أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه، قال: يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه، وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك، يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلَق الله القلم، ثم قال له: اكتب، فجرى بتلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)، يا بني إن مت ولست على ذلك، دخلت النار؛ رواه الترمذي وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني رحمه الله.




وقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)؛ رواه مسلم.




وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (يا غلام، إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفت الصحف)؛ رواه أحمد والترمذي، وسنده صحيح.




مَن استقرت هذه المعاني في قلبه، امتلأ قلبه رضًا عن الله ويقينِه، فصاحب الإيمان بالقدر يعيش عيشة هنيئة، ويحيا حياة كريمة طيبة؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه لن يصيبه إلا ما قدره الله له، ولن يُخطئه إلا ما قدره الله له.




موقف ساطع يدل على أن ما قدر الله حتمًا واقع، ذكره الحافظ الحميدي في كتابه: جذوة المقتبس في ذِكر ولاة الأندلس، قال: إن الوزير أبا عمر أحمد بن سعيد بن حزم كان جالسًا يومًا في مجلس أميره المنصور بن أبي عامر محمد بن أبي عامر، وكان هذا الرجل يجعل يومًا للمظالم والشكاوى، فدخلت عليه امرأة عجوز قد انحنى ظهرها، لترفع إليه رقعهً فيها مَظلمة، وهي تقول بعد ما دعت الله عز وجل للأمير، وقالت كلمات معروفة في مثل هذا المقام: أعز الله الأمير وأيَّد سلطانه ... إلى آخره، قال: ما حاجتك يا أماه؟ قالت: ابني في السجن منذ كذا وكذا، وهو الذي يتولى أمري ويرعى شؤوني، قال: مَن ولدُك؟ قالت: فلان بن فلان، فاستشاط الأمير غضبًا وقال: يُصلب، يُصلب، يُصلب، وظل يصرخ بهذه الكلمة - تأملوا يا عباد الله، إن الذي ذكَّر بصلب هذا الشاب أمه، تدبروا المقادير - ثم طلب مرسومًا إداريًّا؛ ليكتب فيه ما أراد، وكتب المرسوم ودفعه إلى وزيره، وانطلق ليُسلمه إلى قائد السجن، فلما قرأ قائد السجن مرسوم الأمير نفَّذ ما فيه، فأطلق سراح هذا الشاب، وأخرجه من سجنه.




فلما علِم الأمير بخروجه من السجن، صرخ واستشاط غضبًا على وزيره، وقال: ألم أقل: يُصلب؟ ألم أقل: يُصلب؟ فارتجف الوزير وقائد السجن، فقال قائد السجن: أعز الله الأمير، هذا أمرك إليّ يا مولاي، ودفع إليه مرسومه الذي كتبه بيده، فقرأ الأمير، فوجد أنه كتب يُطلق، بدلاً من أن يكتب يُصلب، فانظر: قد يكون مفتاحك في يدك، وأنت تبحث عنه في كل مكان، فالعقل قد ينغلق أحيانًا، فالأمر لا يحتاج إلى فذلكة عقلية إطلاقًا، فقرأ الأمير: يطلق!




وكان وقافًا فاهمًا للمقادير، فقال: إذًا يطلق، ثم يطلق، ثم يطلق، فمن أراد الله له أن يُطلق لم تستطع الدنيا شنقه!




فلا بد أن ترضى فمَن رضِي فله الرضا والسعادة، ومن سخط فعليه السخط والشقاوة.




من أقوال السلف:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لأنْ ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت - أحب إليّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان).




وقال عمر بن عبدالعزيز: أصبحت وما لي سرور إلا في مواطن القضاء والقدر.




وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول مقالته المشهورة: ماذا يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحلت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.




سُئِل يحيى بن معاذ: متى يبلغ الإنسان مقام الرضا؟ قال: إذا أقام على نفسه أربعة أصول يعامل بها ربه، يقول إن أعطيتني قبِلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت.




وعن بشر بن بشار المجاشعي - وكان من العابدين - قال: لقيتُ عُبَّادًا ثلاثة في بيت المقدس، فقلت لأحدهم: أوصني، فقال: ألقِ نفسَك مع القدر حيث ألقاك، وهو أحرى أن يفرغ قلبك ويقل همك، وإياك أن تسخط ذلك، فيحل بك السخط وأنت في غفلةٍ لا تشعر به.

وقلت للثاني: أوصني، فقال: التمِس رضوانه في ترك مناهيه، فهو أوصل لك إلى القربى لديه.

وقلت للثالث: أوصني، فبكى وقال: لا تبتغِ في أمرك تدبيرًا غيرَ تدبيره، فتهلك فيمن هلك، وتضل فيمن ضل.




أيها الأخ الكريم، اعلم أن ما قدره الله لك هو أحسن شيء لك، فإن قلت: مات ولدي، فقدت وظيفتي، مرض خطير فاجأني، حادث أصابني، أقول لك: ولو حدث أكثر من هذا، فهذا هو الخير لك، فارْضَ، جاء في صحيح مسلم أن النبي يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له.

رضاك خيرٌ من الدنيا وما فيها
يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فليس للروح آمالٌ تُحققها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
فنظرةٌ منك يا سُؤلي ويا أملي
خيرٌ إليّ من الدنيا وما فيها

 

النصيحة:

1- ارضَ بالله.

2- ارضَ برسوله.

3- ارضَ بدينه.

4- ارضَ بما قسَم الله لك، تكن أغنى الناس.


"
شارك المقالة:
32 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook