الرضوض الولادية

الكاتب: د. ايمان شبارة -
الرضوض الولادية.

الرضوض الولادية.

تراجعت أذيات الجنين والوليد في أثناء المخاض والولادة تراجعاً ملحوظاً في الممارسة اليومية الحاضرة بعد أن اتسعت استطبابات العملية القيصرية، ونقص اللجوء إلى الأعمال الولادية اليدوية كالتحويل والأعمال الولادية الآلية باستعمال ملقط الجنين أو المحجم، وكذلك ازداد الميل إلى توليد الحمل المتعدد والمجيء المقعدي عن طريق البطن. ومع هذا كله لا مناص من حدوث بعض الأذيات التي قد تؤدي إلى موت الجنين أو الوليد، أو تؤدي إلى الإصابة بإعاقة دائمة.

1 ـ أذيات الجنين في أثناء المخاض

تنجم عن تطاول زمن المخاض المترافق وفرط مقوية العضلة الرحمية الذي يفضي إلى نقص تروية الجنين ونقص أكسجته؛ ولاسيما حين استعمال محرضات المخاض كالأوكسيتوسين مع وجود عدم تناسب حوضي ـ جنيني يؤدي إلى تقفُّع الرحم (زيادة مدة التقلصة على أربعين ثانية) أو إلى تكزر الرحم (نقص الفواصل بين التقلصات عن أقل من دقيقتين). وينجم عن استمرار هذه الحالة وقتاً طويلاً موت الجنين داخل الرحم، وإن ولد حياً تطلب جهداً كبيراً لإنعاشه مع احتمال إصابته ببعض العقابيل العصبية.

ويحدث الأمر نفسه في أثناء المخاض المترافق وانفكاك المشيمة المرتكزة ارتكازاً نظامياً انفكاكاً باكراً، أو بتمزق الرحم أو بانسدال السرر؛ مما يسبب تألم الجنين بنقص الأكسجة، وينتهي غالباً بموته أو بإصابته بأذية دائمة إن ولد حياً.

2 ـ أذيات الجنين في أثناء الولادة

أ ـ الورم الدموي في الرأس cephalohematomaيحدث هذا الورم بسبب أذية سمحاق عظام الجمجمة periosteum في أثناء الولادة العسيرة، وقد يحدث حتى في الولادات الطبيعية حين وجود اضطراب في آلية تخثر الدم في الجنين أو في الوليد، فيظهر الورم الدموي عقب الولادة، ويزداد حجمه يوماً بعد يوم. تنحصر حدود الورم الدموي في حدود العظم المتأذي، وهو غالباً العظم الجداري، ولا يتعداه؛ الأمر الذي يميزه من الحدبة المصلية caput succedaneum، وهي وذمة تحت الجلد تنجم عن طول زمن المخاض من دون أذية في السمحاق، وتتجاوز حوافها حدود العظم، وتتراجع مباشرة عقب الولادة، وتزول نهائياً بعد 24 ـ48 ساعة. ويتوجب مع استمرار الورم الدموي بالكبر إجراء صورة للجمجمة ونفي وجود آفة دموية نزفية.

ب ـ النزف داخل الدماغ: ينجم هذا النزف عن الولادة العسيرة وطول مدة المخاض والولادات الآلية والمداخلات الولادية كالتحويل الداخلي لاستخراج المقعد وولادة الرأس المتأخر في المجيء المقعدي.

كل هذه الأسباب قد تؤدي إلى أذية الشرايين أو الأوردة الدماغية، وقد تحدث هذه الأذيات حتى في أثناء الحمل وفي الولادة الطبيعية دون أي عمل يدوي أو آلي.

غالباً ما يحدث النزف حول البطين أو داخل البطين، ولابد حين الاشتباه في وجود النزف من اللجوء إلى التصوير الطبقي المحوري للرأس لمعرفة مكان النزف وحجمه وتحديد الإنذار المرتقب. ويكون الوليد بحاجة إلى الإنعاش، ويتحسن عموماً. وتظهر الأعراض الدالة على النزف بعد 12 ساعة من الولادة على نحو أنين وشحوب وعدم قدرة على المص والرضاعة وعسر تنفس وزرقة وقياء ونوبات اختلاجية.

ينصح دوماً بإعطاء الڤيتامين K1 في العضل للمولودين قبل الأوان (الخدّج)؛ وكذلك في كل ولادة عسيرة، وغالباً ما يموت الولدان المصابون بالنزوف الدماغية الشديدة، ويتراجع بعض هذه النزوف؛ ولكنه قد يكون سبباً للشلل الدماغي والتخلف العقلي أو الصرع الأساسي.

ج ـ الشلل الدماغي: هو علة دماغية تترافق واضطراب الجملة الحركية، وتتظاهر بخلل حركي تشنجي، وقد تحدث في عقابيل الولادة الباكرة (الخداج) المترافقة ونقص أكسجة الجنين داخل الرحم أو بعد الولادة مباشرة، أو نتيجة ارتفاع تركيز البيليروبين الدموي في الوليد، أو بسبب وجود تشوه خلقي في المخيخ، كما اتهمت عدة أخماج في الحمل بإحداثه، كالخمج بالڤيروس المضخم للخلايا cytomegalovirus.

وقد تبين في إحصائية لـ 142 حالة شلل دماغي أن 50% من هذه الحالات قد تنشأ في أثناء الحمل والمريضة لم تدخل المخاض، وعزيت 10% فقط من الحالات إلى عسر المخاض وطريقة الولادة، ولذلك يقول أحد الأطباء البريطانيين الاختصاصيين بأمراض الأطفال: كثيراً ما يتهم الطبيب المولد بإحداث هذه الحالات مع أنها قد تنجم عن أسباب عديدة داخل الرحم وقبل الولادة؛ بما في ذلك المورثات والوضع الاجتماعي.

د ـ أذية الضفيرة العضدية العصبية: تتألف الضفيرة العضدية من جذور علوية وجذور سفلية. وتحدث هذه الأذية عند تمطط الجذور العلوية للضفيرة العضدية أو تمزقها في أثناء ولادة الكتفين إذا انعضلا ـ ولاسيما في الأجنة الكبيرة الحجم التي يزيد وزنها على 4000غ في الحوامل السكريات  ـ مما يضطر المولد إلى جر الرأس بشدة إلى الأسفل لتخليص الكتف الأمامية، كما يحدث أحياناً حين ولادة الرأس المتأخر في المجيء المقعدي.

يسمى الشلل الحادث شلل إرب Erb’s paralysis. لا يستطيع الوليد المصاب به رفع اليد أو الذراع بكامله إلى الأعلى، ويبقى الطرف العلوي مدلى إلى جانب الجسم بوضعية الانبساط والدوران للداخل، أما الأصابع فتبقى حركتها طبيعية.

تتحسن الحالات الخفيفة من هذا الشلل من نفسها، أما الحالات الشديدة فقد تترك عاهة دائمة.

هـ ـ أذية النخاع الشوكي: قد يتأذى العمود الفقري العظمي والنخاع الشوكي في أثناء الشد العنيف في ولادة الرأس المتأخر، وهو نادر الحدوث.

و ـ الكسور العظمية: تحدث أكثر هذه الكسور في الأطراف العلوية ككسر عظم الترقوة، وكسر عظم العضد في المجيء الرأسي حين تخليص الكتف الأمامية لجنين عرطل، وقد تحدث في المجيء المقعدي حين يرتفع الطرف إلى الأعلى.

ونادراً ما يكسر عظم الفخذ أو عظم الساق، وذكرت حوادث كسور من هذا النوع في الولادة القيصرية، ولاسيما حين غياب السائل الأمنيوسي وتقفُّع الرحم الحامل.

وتحدث كسور عظام الجمجمة حين استعمال ملقط الجنين أو حتى في الولادة الطبيعية، أو في العملية القيصرية إذا دفع مساعد الجراح عن طريق المهبل رأس الجنين المنحشر في الحوض نحو الأعلى.

لذلك كله يجب على المولد استقصاء عظام الترقوة والعضد والفخذ وقبة الجمجمة في كل الولادات التي تستعمل فيها الآلات الولادية؛ وفي كل تداخل ولادي يدوي.

ز ـ الأذيات العضلية: أكثر هذه الأذيات تمزق العضلة القصية الترقوية الخشائية الذي يحدث في أثناء ولادة الرأس المتأخر المنحبس في المجيء المقعدي، وهو يؤدي إلى نزف شديد في الأوعية مع تشكيل ورم دموي ناجم عن انقطاع الألياف العضلية أو تمزقها تمزقاً جزئياً، والندبة التي تحدث نتيجة ذلك ندبة ليفية غير قابلة للتمدد والنمو كما تنمو في الطرف الآخر السليم؛ مما يؤدي إلى جر الرأس والعنق إلى جهة التمزق وحدوث الصَّعَر torticollis.

ح ـ الأذيات الحشوية: وهي نادرة، وغالباً ما تحدث في الولادة بالمجيء المقعدي حين جر الجنين لتخليص الرأس ويد المولد تضغط بشدة على بطن الجنين؛ مما قد ينجم عنه تمزق الكبد أو الطحال.

شارك المقالة:
83 مشاهدة
المراجع +

arab-ency.com.sy

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook