السعادة في محبة الله

الكاتب: المدير -
السعادة في محبة الله
"السعادة في محبة الله




في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث مَن كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، ومن هذه الثلاث أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...)، وحلاوة الإيمان: استشعار لذه الطاعة والحياة الطيبة والسعادة الدائبة.

 

أولاً: محبة الله تعالى:

هي الحياة التي من حُرِمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عَدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التى من لم يظفر بها فعليه كله هموم وآلام.

فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب

 

هذه هي المحبة: أن تهب كُلَّك لمن أحببت فلا يبقى لك شيء، أن تهب إرادتك وعزمك وفعلك وقولك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه، وتجعل ذلك وقفًا في رضاه ومحابه.




قال تعالى: ? قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [سورة الأنعام: 162]، وهذه المحبة فرض عين.




قال تعالى: ? قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ? [سورة التوبة: 24]




وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يكو ن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)؛ رواه الترمذي وسنده صحيح.

وكيف لا نحبه؟




وقد توالت علينا نعمه وتوالت إساءتنا إليه:

فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولا أحد أعظم إحسانًا إليك من الله، فإحسانه إليك في كل نفس ولحظة، بل أنت تنقلب في إحسانه في جميع أحوالك ? وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ? [سورة النحل: من الآية 53].




1- وهو يعطينا بلا مقابل:

فكل من تحبه من الخلق أو يحبك، إنما يحبك لغرض وإن كان شريفًا، لكن الله يحبك لنفسك، يحبك ليكرمك، فكيف لا يستحيي العبد أن يكون ربه له بهذه المنزلة وهو معرض عنه، مشغول بحب غيره؟! كيف لا نحب من يجيب الدعوات ويستر العورات ويكشف الكربات؟!




2- وهو يعاملنا بفضله لا بعدله:

يعطيك على الحسنة عشرًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما السيئة فهي عليك بواحدة، وهي أسرع شيء محوًا، يعطيك الأجور الكبيرة على الطاعات اليسيرة.




تأمل: ما جلس قوم يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورًا لكم؛ [صحيح الجامع].




من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه، كان له كأجر حاج تامًّا له حجته؛ [رواه الطبراني وصححه الألباني].




3- وهو يعرض علينا فضله:

ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ينادي عليك، تُرى: لماذا ينادي عليك الرب الجليل يا أيها العبد الفقير؟ هل لينال منك مصلحة؟ هل لتعطيه شيئًا؟ حاشاه بيده خزائن السموات والأرض، ما نقص منها شيء منذ خلقت الخلق.

قال عليه الصلاة والسلام: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حتى يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؛ [رواه البخاري].

 

متى أكون محبًّا لله؟

إذا عملت بآيتين فيهما خمس خصال:

الآية الأولى قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ? [ سورة المائدة: من الآية 54].




الآية الثانية: ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [سورة آل عمران: 31].

1- أذلة على المؤمنين: رحماء بهم مشفقون عليهم، قال عطاء: للمؤمنين كالولد لوالده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لينًا روؤفًا رحيمًا بالمؤمنين.




2- أعزة على الكافرين: شداد غلاظ، لا يلينون لهم؛ لأنهم عادوا الله ورسوله.




3- يجاهدون في سبيل الله: بالنفس واليد واللسان والمال.




4- ولا يخافون لومة لائم: يقولون الحق ويعملون به؛ لا يعطلهم عن ذلك لوم اللائمين أو إرهاب المرهبين، أو تثبيط المثبطين.




5- اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

ثانيًا: محبة الرسول الله صلى الله عليه وسلم:

محبة النبي عليه الصلاة والسلام دليل على الإيمان الصادق؛ ففي البخاري قال عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين.

 

كيف لا نحبه؟

1- والحجارة تحبة:

في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: إنى لأعرف حجرًا بمكة كان يُسلِّم علي قبل أن أُبعَث، إني لأعرفه الآن، وقال عن جبل أُحد: أُحد جبل يحبنا ونحبه؛ (صحيح الجامع).




2- والشجر يحبه:

يقول يعلى بن مرة الثقفى رضي الله عنه: سِرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا منزلاً، فنام النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ رسول الله، ذكرت له، فقال: هي شجرة استأذنت ربَّها أن تُسلم علي، فأَذِنَ لها.. ؛ (صححه الألباني في مشكاة المصابيح).




والجزع الذي كان يخطب عليه حن عند الفِراق وبكى، فاحتضنه النبي فأسكته.




3- والحيوان الذي لا يعقل يحبه:

دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطًا - بستانًا - لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي فمسح عليه، فمسح عليه فسكن، فقال عليه الصلاة والسلام: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتًى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تُجيعه وتدئبه [تتعبه]؛ (انظر السلسلة الصحيحة).

 

حتى أكون محبًّا لرسول الله؟

1- اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته: في البخارى قال عليه الصلاة والسلام: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعنى دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.

لو كان حبك صادقًا لأطعتَه = إن المحبَّ لمن يحب مُطيع

والله تعالى يقول: ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ? [سورة الأحزاب: 21].




2- تَمنِّي رؤيته: في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: من أشد أمتي حبًّا لي، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله.

فتمني رؤيته دليل على صدق محبته، لذلك حرَص عليها الصالحون وتمنَّاها المخلصون.




تقول عائشة رضي الله عنها: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفِعتَ مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة، خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: ? وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ? [سورة النساء: 69]؛ (رواه الطبرانى وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).




3- الاجتهاد في نشر سنته وإظهار طريقته والدفاع عن ذلك:

قال عليه الصلاة والسلام: نضَّر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فَرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع؛ (رواه الترمذي وصححه الألباني).

4- تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتبجيله - من غير غلوٍّ:

قال تعالى: ? إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ? [الأحزاب: 45]

فالتسبيح بكرة وأصيلاً لله تعالى، والتعذير والتوقير وهما التعظيم للرسول عليه الصلاة والسلام.




5- ألا نقدم قولاً لأحد ولا حزب ولا لجماعة ولا لشيخ بين يدي قوله:

كما قال الله: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [سورة الحجرات: 1].

ومحبة الله ورسوله موضوع عريض لا تستوعبه هذه الكلمات، ولكن هذه إشارة على الطريق تُظهر أن من أسباب السعادة ووسائلها: المحبة الخالصة لله وللرسول.


"
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook