يتلخّص مفهوم السعادة بشعور الرضى عن الحياة بكل ما فيها، حيث يمكننا وصف ذلك الشخص الذي يحس بمشاعر إيجابية متكررة بأنه شخص سعيد، وهذا الوصف لا يعني نفي المشاعر السلبية أو عدم وجود المواقف الصعبة والمحزنة، إنما هو وصف لأغلب أحوال الشخص السعيد ومشاعره، وهذا يدل على أن تعريف تحقق السعادة يعود لاعتبارات شخصية، فالبعض يعرّف السعادة بأنها الفرح، أو الرضى أو القناعة أو تقدير الذات ومنجزاتها.
قد نستلهم من التعريفات المتعددة لمفهوم السعادة رؤية أوسع للمفهوم، فتوافق القول والفعل شكل من أشكال السعادة، وهي أيضاً قرار ذاتي يمكن عزله عن الظروف الخارجة عن إرادة الفرد، ويعبّر عنها على أنها تذكرة تعبر من خلالها في التجارب الحياتية، وتضيف لها معنى مميز، فالسعادة لا تعني المتعة، إنها أشبه ماتكون بقرار الرضى والاستمتاع بالتجربة الحالية، مع الاستعداد لاستثمارها ومضاعفتها أطول فترة ممكنة وإن تعددت التجارب واختلفت الأزمنة والأماكن.
إنّ السعادة أكثر من مجرد حالة شعورية عابرة، أو لحظة عاطفية غامرة، وكأنّ السعادة مرتبطة بخوض غمار التجربة الإنسانية بكل ما فيها، سعياً لتحقيق أقصى استفادة من كل تجربة ولحظة فيها، وهذا كفيل بإعلاء قيمة السعادة ومحورية دورها حتى في تفاصيل حياتنا اليومية، فالشعور بالرضى يمنح الإنسان فاعلية أكبر في إنجاز مهامه اليومية، وتوطيد علاقاته الأسرية والاجتماعية، وتنمية نجاحاته العلمية والمادية، وهو يتمتع بطاقة إيجابية ملهمة، وصحة بدنية مميزة، يمكن للسعادة أن تكون منطلقاً للنجاح والإبداع والتميز، حتى على مستوى المجتمعات، فمجموع الأشخاص السعاد يشكّل مجتمعاً سعيداً، بعيداً عن الانحراف والتطرف والعنف، وأقرب إلى المبادرة والتعاون والنصح، مع السعي الدؤوب لتحقيق نجاحات أكبر
تشير بعض الدراسات والتجارب العلمية إلى أثر الشعور الإيجابي على مدى قابلية الإنسان للتحرّك والبدء بنشاط حركي معيّن، مبيّنةً أنّ مشاعر التفاؤل تولد عدد من النوايا الحسنة التي تدفع صاحبها للمبادرة والعمل والإنجاز في وقت مبكر، على عكس مشاعر الحزن والإحباط التي تجعل المرء يميل للخمول والتقاعس عن العمل أو حتى التفكير بالقيام بأي نشاط بدني، لذا يمكن اعتبار السعادة محفز ذاتي للإنجاز وتنمية المبادرة ذهنياً وعملياً.
لا يقتصر أثر السعادة على الجوانب المعنوية أو النفسية، بل يتعداه للجوانب الصحية، لأنّ المحافظة على المشاعر الجيدة لسنوات بالابتعاد عن الإحباط والتوتر والقلق، تساهم السعادة المتواصلة حينها في تقليل نِسب المشكلات الصحية، مع التأكيد على أنّ السعادة لا يمكن شراؤها بالمال أو المظاهر، لذا فإنّ مسؤولية صناعتها والتمسك بها أمر يرجع للإنسان ذاته.
يمكننا صناعة السعادة عبر التفكّر فيما يميزنا عن بعضنا، فلكل فرد في الأسرة أو المجتمع مايميزه عن غيره، وبمعنى آخر ما يحقق فيه ذاته، لذلك فإنّ السعي لتحقيق النجاحات الشخصية أمر مهم لتحقيق السعادة، ومما يرتبط به، التخطيط لحياة أفضل وتحقيق الأهداف عملياً، بتخصيص أوقات يومية لممارسة الرياضة وتطوير المواهب والقراءة وتنمية القدرات والتعلّم الذاتي، بالإضافة لدور الأهل والأصدقاء في تكوين بيئة إيجابية محفزة لمواصلة الإنجاز، والمحافظة على نمط غذائي صحي، كل ذلك من شأنه أن يحقق نمط حياة متوازن، يسعى فيه الإنسان للوصول نحوى الرضى عن ما يقدمه وينجزه يومياً