الشاهوق (Pertussis)، والذي يعرف باسم السعال الديكي (whooping cough) عبارة عن عدوى تصيب الجهاز التنفسي، وتتميز بالسعال الشديد (أي هجمات شديدة من السعال)، وهو يصيب الأطفال بصورة أكبر من البالغين عادة.
قبل عصر اللقاح، كان السعال الديكي هو السبب الأول للوفاة عند الرضع، وبعد تطوير اللقاح انخفضت نسبة الوفيات بالمرض أكثر من 99%، لكنّه لا يزال سبباً هاماً للمرض والوفاة عند الأطفال.
ينجم السعال الديكي عن جرثومة تنتشر بسهولة في الهواء، وعندما يصاب شخصٌ ما بهذه الجرثومة فإنها تنتقل منه إلى أشخاص آخرين عن طريق القطيرات التنفسية التي تنتشر في الهواء أثناء الكلام أو السعال أو العطاس.
بالتالي فإنّ السعال الديكي عبارة عن مرض معدٍ بشدة، ولذا يجب الابتعاد عن مخالطة المريض خلال فترة المرض.
العامل الرئيسي المسبب للسعال الديكي هو الجرثومة المعروفة باسم البورديتيلا الشاهوقية (B.pertussis) وبشكل أقل شيوعاً البورديتيلا نظيرة الشاهوقية (B.parapertussis) والتي تسبب مرضاً مشابهاً للمرض الذي تسببه البورديتيلا الشاهوقية ولكنه يكون أخف.
تمتلك هاتان الجرثومتان شكلاً يشبه العصية، وهي جراثيم سلبية الغرام (تلوين غرام هو صباغ شهير يستخدمه أطباء المخبر للتمييز بين الجراثيم، وتقسم الجراثيم إلى إيجابية تلوين غرام وسلبية تلوين غرام).
المصدر الوحيد لهذه الجرثومة هو الإنسان (أي أنّها لا تصيب الحيوانات)، وتنتقل عن طريق القطيرات التنفسية من الشخص المصاب إلى الشخص السليم عبر الهواء.
عندما يتم استنشاق هذه الجرثومة فإنها تتكاثر في الجهاز التنفسي وبالأخص في الأنف والحلق وتُنتج مواداً تمنع الجسم من التخلص منها وتسبب التهاب الغشاء المخاطي المبطن للطرق الهوائية.
هناك عدة عوامل ترفع من خطر الإصابة بالسعال الديكي، وتشمل هذه العوامل ما يلي:
كما ذكرنا، فإنّ انتقال جرثومة السعال الديكي يتم عن طريق الهواء، ويتميز السعال الديكي بفترة حضانة (وهي الفترة بين التقاط الجرثومة وحدوث الأعراض) حوالي 3-12 يوم.
مدة الإصابة بالسعال الديكي تكون حوالي ستة أسابيع، حيث يمر المرض بثلاث مراحل كل منها حوالي أسبوعين (المرحلة النزلية والمرحلة الاشتدادية والنقاهة).
لا يمكن تمييز هذه المرحلة عن عدوى الجهاز التنفسي العلوي الشائعة كالزكام والإنفلونزا، وتتضمن الاحتقان الأنفي مع السيلان وتدمع العينين والعطاس، وقد ترتفع الحرارة قليلاً كما قد يصاب المريض باحتقان ملتحمة العين.
يكون المرض معد للغاية في هذه المرحلة، ويبقى المريض المصاب مصدراً للعدوى حتى بعد 3 أسابيع أو أكثر من بدء حدوث السعال.
تتميز هذه المرحلة بحدوث نوبات مفاجئة ومستمرة من السعال والذي قد يستمر لعدة دقائق دون أن يستطيع المريض أخذ شهيق خلال السعال. وبعد مرور فترة من السعال (1 – 2 دقيقة) يأخذ المريض شهيقاً عميقاً يكون له صوت مميز يدعى "الشهقة (تشبه صياح الديك) "whooping وتكون هذه الشهقة أوضح عند الأطفال الأكبر عمراً.
يتبع نوبات السعال الشديدة عادة القيء، وذلك نتيجة تحريض العصب المبهم.
تخف حدة السعال الاشتدادي النوبي في هذه المرحلة، ويبقى لدى المريض سعال مزمن لفترة أسبوعين أو أكثر.
بعض العلامات الخاصة والتي يمكن مشاهدتها عند مرضى السعال الديكي:
لقد أصبح السعال الديكي أقل شيوعاً عند الأطفال وذلك لأن اللقاح المضاد للسعال الديكي أصبح يمد الأطفال بالمناعة ضد هذه العدوى (وإن لم تكن دائمة).
لقد أصبحت معظم حالات السعال الديكي تحدث عند الكبار والمراهقين، لكن لاتزال تحدث جائحات من وقت لآخر يكون خلالها طفلك أكثر عرضة لالتقاط العدوى، وفي حال اعتقدت أن طفلك مصاب بالسعال الديكي، ينبغي في هذه الحالة استشارة طبيب الأطفال في الحال.
تبدو الحالة في البداية وكأن طفلك أصيب بزكام شديد، فقد تصبح عيناه دامعتين ويكون لديه سيلان أنفي وعطاس وحمى خفيفة لمدة أسبوع تقريباً.
بعد ذلك يتطور السعال تدريجياً والذي يبدأ في الليل ويصبح أسوأ نهاراً.
يُصدر الطفل أثناء نوبة السعال صوتاً يشبه "النباح "barking مرات عديدة عندما يُخرج الهواء من صدره، يليه شهيق عميق يؤدي لحدوث "الشهقة "whooping المميزة للسعال الديكي.
يصبح لون وجه الطفل أحمر وقد يتقيأ في نهاية نوبة السعال. تصبح نوب السعال أسوأ خلال الأسبوعين التاليين حيث تزداد شدتها وتكرارها. يُصاب الطفل بالإرهاق عادة نتيجة نوب السعال، ولكنه يكون مرتاحاً بين النوبات.
من الضروري أن تُحضر طفلك فوراً إلى طبيب الأطفال عندما تظن أنه مصاب بالسعال الديكي وذلك من أجل الحصول على المعالجة والنصائح والإرشادات والوقاية من المضاعفات التي قد تكون خطيرة وتسبب الوفاة.
تكون الأعراض عند الرضّع أقل وضوحاً، فلا تشاهد الأطوار الثلاثة للمرض بترتيبها، ولا يشاهد السعال المميز للمرض (الشهيق المصحوب بصوت عالٍ أو ما يدعى الشهقة).
إنّ أهم ما قد يحدث عند الرضع المصابين بالسعال الديكي هو نوبات توقف التنفس والتي تؤدي إلى الزرقة وقد تؤدي للوفاة إن كانت طويلة.
يكون المرض أكثر شدة عند الأطفال الذين أعمارهم دون 6 أشهر، وذلك لأن الجهاز المناعي عند الأطفال بهذا العمر لايزال في مرحلة التطور.
من ناحية أخرى، قد يملك الأطفال بعمر أقل من شهرين أضداداً للسعال الديكي يحصلون عليها من أمهاتهم، وبالتالي قد تكون لديهم حماية من الإصابة بالسعال الديكي نوعاً ما.
ذروة الإصابة بالسعال الديكي هي عند الأطفال بعمر أقل من 5 سنوات، إلا أنّ هذا المرض قد يصيب الكبار، رغم أنّ معظم الكبار ملقحون عادةً في عمر الطفولة، لكنّ المناعة الناتجة عن لقاح السعال الديكي لا تكون دائمة وتامة، بل قد يعاود المرض بعد مدة إن تعرض الشخص لجرثومة السعال الديكي مجدداً.
لا تكون الإصابة خطيرة عادة عند الكبار، وقد تظهر بسعال مديد دون حدوث الشهقة المميزة.
تكمن خطورة السعال الديكي عند الكبار في كونهم مصدراً لنقل العدوى إلى الأطفال.
من الصعب عادة تشخيص السعال الديكي في المرحلة الأولى للمرض حيث يشبه في هذه المرحلة معظم أمراض والعدوى التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي بالفيروسات والجراثيم (حيث تشترك جميع العدوى بحدوث احمرار العينين والدماع والسيلان الأنفي والعطاس وألم الحلق).
يستطيع الطبيب عادة تشخيص السعال الديكي بالسؤال عن الأعراض، لكن قد تكون هناك حاجة لإجراء فحوصات طبية لتأكيد التشخيص. قد تتضمن هذه الفحوص:
العلاج الداعم هو العلاج الأساسي، ويضاف إلى ذلك العلاج بالمضادات الحيوية.
تتضمن أهداف العلاج الداعم ما يلي:
قد يكون من الضروري إدخال المريض إلى المستشفى في حال:
قد يكون من الضروري أحياناً وضع المريض على الأكسجين أو المنفسة (التهوية الآلية) في بعض الحالات الخاصة.
عند الرضع والأطفال ينبغي النظر في إدخال المريض إلى المستشفى في الحالات التي يكون فيها المريض معرضاً للإصابة بمرض شديد أو مضاعفات خطيرة، ومن هذه الحالات:
خلال فترة العناية بالمريض، يجب منع الاقتراب منه دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة لأنّ مفرزات المريض تبقى معدية لمدة 5 أيام بعد البدء بالعلاج الفعال المضاد للجراثيم، وتبقى معدية لمدة 3 أسابيع في حال لم يتلقَ المريض العلاج بالمضادات الحيوية.
خلال فترة مكوث المريض بالمستشفى؛ لا بد من المراقبة المستمرة لضربات القلب، وعدد مرات التنفس بالدقيقة، وإشباع الدم بالأكسجين (عبر مقياس الأكسجة الذي يوضع على الإصبع) وخصوصاً خلال نوب السعال. كما يجب تسجيل عدد مرات نوبات السعال، والحالة الغذائية للمريض، والقيء وتغير الوزن خلال فترة المرض.
يجب الانتباه جيداً لحدوث التجفاف عند الأطفال الصغار، لذا لابد من الإكثار من السوائل، وقد نضطر أحياناً للتغذية عن طريق الوريد لتعويض خسارة السوائل.
لا تُؤثر المضادات الحيوية المعطاة للمرضى خلال المرحلة الاشتدادية (paroxysmal stage) على مدة وشدة المرض، لكنّها قد تسرع التخلص من جرثومة السعال الديكي الموجودة في الجهاز التنفسي، وتخفف من انتشار العدوى، وتقي أيضاً من حدوث الالتهاب الرئوي الثانوي بعوامل ممرضة أخرى خلال فترة المرض.
إنّ الأزيثرومايسين (azithromycin) هو الدواء المختار للمرضى بجميع الأعمار لمدة 14 يوم.
كما يُعطى الأزيثرومايسين لوقاية الأشخاص المخالطين للمريض لمدة 5 أيام. تتوفر مضادات حيوية أخرى فعالة ضد السعال الديكي تُعطى في بعض الحالات مثل الإريترومايسين (erythromycin) والكلاريترومايسين (clarithromyci) وتريميتوبريم-سلفاميتوكسازول (trimethoprim-sulfamethoxazol).
تعرف على العلاجات الطبيعية المختلفة الخاصة بالسعال الديكي:
قد يكون من المفيد اللجوء إلى بعض الأعشاب من أجل علاج أعراض السعال الديكي والتخفيف من حدة المرض، نذكر منها:
من الضروري للوقاية من السعال الديكي الابتعاد عن المصابين بهذا المرض، وعندما لا يكون ذلك ممكناً يمكن تناول جرعات وقائية من المضادات الحيوية يصفها الطبيب.
ينبغي كذلك اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع انتشار القطيرات التنفسية الملوثة بجرثومة السعال الديكي في الهواء.
تكون الوقاية الفعالة من السعال الديكي بلقاح السعال الديكي، والذي قد لا يمنع حدوث المرض لكن يخفف شدته ومدته إن حدث (وذلك لأنّ الجهاز المناعي يكون بذلك قد تعرف على جرثومة السعال الديكي ومن السهل عليه السيطرة عليها).
يتكون لقاح السعال الديكي من أجزاء من الجراثيم المسببة لهذا المرض، حيث إنّ هذه الأجزاء (والتي تدعى المستضدات) تحرض الجهاز المناعي على تشكيل أضداد مهاجمة لجراثيم السعال الديكي (والأضداد هي بروتينات تنتجها الكريات البيض تقوم بمهاجمة الجراثيم والقضاء عليها).
كل الأطفال تحت 7 أعوام يجب أن يتلقوا لقاح السعال الديكي.
هناك نوعين من لقاح السعال الديكي:
يعطى لقاح السعال الديكي على عدة مرات بحسب برنامج اللقاحات في كل بلد، ومن المعتمد أن يكون عدد جرعات اللقاح 3 جرعات خلال السنة الأولى من العمر، مع جرعة داعمة بعد السنة الأولى (بعمر السنة ونصف مثلاً) وجرعة داعمة أخرى بعمر ست سنوات أو بعمر 12 سنة.
كما ذكرنا سابقاً كان السعال الديكي يعد من المسببات الرئيسية للوفاة عند الرضع في عصر ما قبل اللقاح.
تنجم مضاعفات السعال الديكي عن ذات الرئة (الالتهاب الرئوي) الجرثومية الثانوية من جهة، وعن السعال العنيف من جهة أخرى.
من المضاعفات الهامة للسعال الديكي نذكر:
تؤدي نوب السعال العنيفة والمستمرة إلى ارتفاع الضغط داخل الجسم، ولا سيما ضمن الأوعية الدموية (الشرايين والأوردة)، فتنجم مضاعفات عديدة وخطيرة، نذكر منها:
المضاعفات الأقل شيوعاً للسعال الديكي والتي قد تشاهد عند الكبار: