الصيد والقنص بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الصيد والقنص بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الصيد والقنص بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
ارتبطت حياة سكان المنطقة الشرقية بالبحر، وبخاصةٍ سكان المدن والقرى الساحلية؛ حيث يعتمدون عليه - بعد الله - بوصفه مصدر رزق لتوفير حاجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره. وقد شكل صيد الأسماك أهمية بالغة في حياتهم اليومية باختلاف طرق ووسائل الصيد مثل: الصيد بالشباك، والأقفاص السلكية أو القراقير، والصيد بالخيط والخطاف الحداق، وغيرها من الوسائل التي تطورت في الفترة الأخيرة بشكل سريع، إلى قوارب الصيد المجهزة بالوسائل الحديثة بالنسبة إلى السكان المشار إليهم، ويعدّ الغوص بحثًا عن اللؤلؤ  من التراث العريق لسكان المناطق الساحلية على امتداد ضفاف الخليج، وهو تراث له مواسمه وطقوسه وتقاليده العريقة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء. ولا شك أن رحلات الغوص في مياه الخليج الدافئة لا تقل مغامرة وتشويقًا عن رحلات الصيد البرية، بل قد تفوقها فيما يمكن أن يتعرض له الغواصون من مخاطر أثناء رحلاتهم  
 
وتعدُّ رحلات صيد المها والظباء والحبارى من أشهر رحلات الصيد البرية في المنطقة الشرقية؛ حيث يتم الإعداد لها منذ وقت مبكر، وتعد لتغطية الرحلة الأسلحة، والذخيرة، والصقور، والكلاب المدربة، والسيارات، والأمتعة وغيرها؛ فقد تستغرق الرحلة أسابيع وربما أشهرًا في بعض الأحيان. وقد ازدادت تلك الرحلات خلال النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي؛ إذ ساعد على ذلك توافر وسائل النقل الحديثة وتنوع الأسلحة؛ ما نتج عنه انقراض سريع للمها والظباء من كل مناطق الربع الخالي والدهناء والمناطق الأخرى التي كانت توجد بها هذه الطرائد بأعداد كبيرة في بداية القرن.
 
كانت الطرائد من الظباء بأنواعها، والمها، والوعول، والأرانب، وعدد من أنواع الطيور متوافرة بشكل كبير في بدايات القرن الماضي الهجري في جميع مناطق المملكة، وفي عدد من نواحي المنطقة الشرقية مثل: الصمان، والدهناء، والربع الخالي، ولكن هذه الأعداد بدأت تتناقص بعيد منتصف القرن الماضي الهجري؛ بسبب الصيد الجائر في جميع المناطق. وقد ساعد في سرعة القضاء عليها استخدام السيارات وبخاصة ذات الدفع الرباعي، وتوافر السلاح متعدد الطلقات، وتفرغت أعداد كبيرة من الناس لهذا النشاط بُعَيْد توحيد المملكة، إضافة إلى عدم وجود جهة تنظم عملية الصيد في ذلك الوقت؛ وقد كانت النتيجة أن انقرضت معظم أنواع الظلفيات مثل: الظباء، والمها العربي، وكذلك الفهد الآسيوي، وقبلها النعام، والحمار البري، ولم تسلم من ذلك سوى أعداد من الوعول التي احتمت في أعالي الجبال في بعض مناطق المملكة الأخرى.
 
ولا تقتصر أهمية الصيد على توفير بعض متطلبات الحياة الأساسية عند أهل الجزيرة العربية؛ فالصيد له أهمية كبيرة تأتي من كونه مصدر متعة ونـزهة وفروسية، ومجالاً رحبًا في التدريب على أساليب الطرد والقتال واستخدام السلاح باختلاف أنواعه، كما أنه مجال للفخر والاعتزاز بين الأقران، وفي مجتمع القبيلة في القوة، والبراعة، والقدرة، وإسعاد الأهل والأقارب بما يصيدونه، وهو أيضًا مجال للتباهي والتفاخر بما يملك الصياد من أنواع السلاح والصقور المدربة غالية الثمن.
 
 وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما علَّمتَ من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك، قلت: وإن قتل، قال: إذا قتل ولم يأكل منه شيئًا فإنما أمسكه عليك  ،  وهناك أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب، كما بيّن الإسلام الأنواع المباحة من الصيد وغير المباحة من حيث النوع والجنس، وحرم الصيد في أمكنة معينة مثل حرمي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأوقات معينة مثل الحج، وحذر من القتل لمجرد الاستمتاع بالقتل والإسراف فيه.
 
وقد ورث الصيادون منذ القدم عادات وتقاليد كثيرة تدل على أخلاقيات ممارسة هذه الرياضة العربية الأصيلة وآدابها، مثل عدم صيد الفريسة التي تلوذ بهم إحساسًا منهم بضعفها وقلة حيلتها وعدم قدرتها على الفرار، وأن تكون للطريدة الفرصة الكاملة في الهرب والاختفاء، فلا يصيدون على موارد المياه، ولم تكن لديهم الأسلحة المتعددة والطلقات مثل: الرشاشات، والبنادق الأتوماتيكية، ولا يستخدمون السموم التي تميت الحيوان، وغير ذلك مما لا يعطي الطريدة الفرصة للخلوص من الصياد.
 
ومن الآداب كذلك تهادي لحم الصيد بين جماعة الصيادين ممثلاً في الإهداء للأقارب والأصدقاء، ومنها اختيار الوقت المناسب للصيد، وعدم تعذيب الحيوان، وعدم إتلاف الممتلكات والزروع التي يمر بها الصياد أثناء تجواله بحثًا عن الصيد.
 
والصيد ليس متعة وفروسية ومفاخرة فقط، بل هو أيضًا قوة تحمل، وفراسة، وشهامة، وكرم، ويتطلب أيضًا معرفة بأحوال الطرائد، وطبائع الحيوان، وأنواعه، وأجناسه، وصفاته، وأشكال أثره على الأرض، ومعرفة بأحوال الطقس، ومتى يفضل الصيد، ومتى يتوقف، كما يجب على الصياد معرفة أنواع الأسلحة المستخدمة، وما يناسب كل صيد، وكذلك معرفة الصقور وأنواعها إن كان يستخدمها، وأنواع الضواري المستخدمة مثل الكلاب السلوقية. وفي الصيد تحمل للظروف التي قد يصادفها أثناء قنصه مثل السير مسافات طويلة، والجوع، والعطش، وربما الضياع في الصحراء فترات طويلة.
 
وقد استخدم الصيادون أنواعًا كثيرة من أدوات الصيد؛ إذ استخدمت الرماح والسهام وغيرها قديمًا، ثم تطورت وشملت البنادق البدائية  مثل: بنادق الفتيل، وأم إصبع، والمقمع وغيرها، وكانت هذه الأسلحة تعطي الفرصة للطريدة كي تهرب، إن لم تُصب في المرة الأولى، غير أن هذا الوضع تغير عندما بدأ الصيادون باستخدام الأسلحة كثيرة الطلقات والرشاشات وأشباهها؛ مما لا يمكّن الحيوان من الهرب إلا نادرًا.
 
واستخدم العرب منذ القدم وما زالوا يستخدمون الصقور بأنواعها  والكلاب المدربة لصيد الطرائد المختلفة وبخاصة الطيور مثل: الحبارى، والكروان، والرهو، والغرانيق، والقطا، والحمام، وأنواع البط وغيرها  .  ومن أشهر أنواع الصقور المستخدمة في الصيد في الجزيرة العربية الصقر الحر، وهو أكثرها شهرة واستخدامًا وأغلاها ثمنًا. ويعدّ الشاهين ثاني أشهر الصقور، وهو طائر قوي سريع الطيران، ويأتي مهاجرًا من وسط آسيا وجنوب المنطقة القطبية.
 
وهناك عدد من الطرائد التي يولع الصيادون بالبحث عنها وصيدها، ويتكبدون في طلبها الغالي من وسائل الصيد من الأسلحة، والجوارح، والمتاع، والنقل وغير ذلك. ومن أشهر هذه الطرائد المها العربي قديمًا؛ حيث كانت تجول في عدد من أجزاء الربع الخالي جنوب المنطقة الشرقية، وقد صيدت آخر الأفراد منها في بداية الستينيات من القرن الميلادي الماضي، وكذلك توجد الظباء بأنواعها، والوعول، والأرانب البرية في أجزاء متعددة من الربع الخالي، والمناطق الواقعة بين حفر الباطن والكويت. وهناك من يصيد الجرابيع، والنيص، والضباع، وغير ذلك من أنواع الثدييات.
 
أما الطيور فأشهرها الحبارى والكروان وأنواع البط مثل: الكندي، وبط السيل، وكذلك الغرانيق، والرهو، وأنواع النحام، والحمام، واليمام، والقمري، والحجل، ودجاج الحبش، والقطا، وكثير من أنواع الطيور المهاجرة أثناء فترة مرورها بالمملكة وبخاصة أوائل الشتاء والخريف، كما أن هناك صيادين مختصين بصيد الصقور المهاجرة مثل: الحر، والشاهين وغيرهما أثناء مرورها بشمال المملكة وغربها وعلى امتداد سواحل المنطقة الغربية. وأكثر ما يُصاد من الزواحف الضب وبخاصة في وسط المملكة وشمالها، وفي عدد من مناطق المنطقة الشرقية مثل: مناطق فلجة، والعليمة، والسعيرة. كما تُصاد السلاحف البحرية في الخليج والبحر الأحمر ويجمع بيضها للأكل، وكذلك سلاحف المياه العذبة في الأحساء والقطيف.
 
شارك المقالة:
67 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook