الطلاب الوافدون وأثرهم في الدعوة

الكاتب: المدير -
الطلاب الوافدون وأثرهم في الدعوة
"الطلاب الوافدون وأثرهم في الدعوة




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:

فإن الرحلة في طلب العلم من سنن الإسلام منذ البعثة النبوية، واستمرت من غير انقطاع في التاريخ الإسلامي المديد.

ولا عجب في ذلك؛ فقد جاء النصُّ عليها في الذكر الحكيم في قوله تعالى: ? وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ? [التوبة: 122].

 

وقد دأبت المؤسسات العلميَّة على ابتعاث وفود من أبنائها إلى مؤسسات مماثلة داخل الدولة أو خارجها، لتلقِّي العلوم وتبادل الخبرات في التخصصات المختلفة، كما أنها تستقبل وفودًا من مؤسسات علميَّة أخرى داخل الدولة وخارجها، لتزويدهم بالعلم والمعرفة والخبرات التي يحتاجون إليها.

 

وكان التبادل الثقافي - وما زال - من أعظم الوسائل لنقل العلوم والمعرفة بين الأمم والشعوب، وما زال الأخذ من الأمم المتقدمة حضاريًّا وتقنيًّا سبيلَ تقدُّم الأمم المتخلِّفة عن ركب الحضارة والتكنولوجيا.

 

وما من شك في أن البعثات الوافدة إلى دولة ما يتلقون في الأساس العلوم التي وفدوا من أجلها، ولكنَّ هؤلاء الوافدين هم أناس لهم مشاعرهم وأعرافهم وتقاليدهم ومعتقداتهم، فخلال معايشتهم لأهل الدولة المستضيفة يتأثرون بالبيئة التي يختلطون بها، كما يُؤثرون، وربما كان التفاعل بينهم وبين مَن حولَهم قويًّا؛ حيث يتحولون إلى معتقدات أولئك، ويَتبنَّوْن مبادئهم، ويتقمَّصون شخصياتهم، فيعودون إلى بلدانهم، فيكونون دعاة إلى حضارتهم، وقد يحدث العكس من ذلك بأن يؤثر هؤلاء الوافدون فيمَن حولَهم من أهل البلد، فيعتنق كثيرٌ منهم عقائد هذا الوافد، ويَحمل مبادئه ويلتزم بسلوكياته، فيَنشرها فيمن حوله.

 

وهناك عواملُ تساعد في التفاعل بين الطرفين، منها ما يتعلق بالمبدأ أو العقيدة وقوتها ووضوحها، والالتزام بها في واقع الحياة التي يعيشها المجتمع أو الوافد، ومنها ما يتعلق بالبيئة المحيطة وعوامل التوجيه والتأثير والدعاية للمبدأ، وتاريخ البشرية يَعِجُّ بالنماذج من هذا القبيل، فكم من وفودٍ ذهبت إلى بلدان لتلَقِّي العلم فيها، فكانوا رُسَلَ دعوةٍ ومشاعلَ هداية لأهل تلك البلدان، ونشروا فيها عقائدهم ومبادئهم، على الرغم من تفوُّق تلك البلدان في الصناعة والعلوم الطبيعيَّة والفلكيَّة والإداريَّة والاقتصاديَّة وغيرها، وخير مَثَلٍ وفودُ الطلبة من العالم الإسلامي إلى العالم الغربي (دول أوروبا وأمريكا)، فقد أسلَم على أيديهم مئات الألوف من أهل تلك الديار، يشهد لذلك الجاليات الإسلامية والمراكز الإسلامية في هذه البلدان التي تستقبل الألوف كلَّ عام من سكان هذه الدول، يدخلون في دين الله أفواجًا.

 

وكم من مؤسسة علميَّة في العالم الإسلامي استقبلت وفودًا من غير المسلمين، فتأثروا بحياة المسلمين فاعتنقوا الإسلام، ورجعوا إلى قومهم ودولهم دعاةً إلى الله مبشرين ومنذرين، فكتب الفلاح والسعادة على أيديهم لفئات وأناس كثيرين، وخيرُ مَثَلٍ على هذا النوع ما كانت تقدِّمُه المؤسسات التعليمية في الأندلس، وما تقدمه لبعثات دول أوروبا يومَ كان المسلمون في مقدمة الركب الحضاري، يحملون مشاعل النور والتقدم؛ ليقدموا للإنسانية الأنموذج الربانيَّ للحضارة الإنسانية، وما زالت جامعات العالم الإسلامي - على الرغم من تخلُّف المسلمين الاقتصادي والسياسي والصناعي - تُقدِّم الكثير في هذا المجال، وذلك بفضل الإسلام وحيويته، وانسجامه مع الفطرة الإنسانيَّة.

 

ونحن نتناول في هذا البحث الجانبَ الدعويَّ للطالب الوافد إعدادًا في مرحلة التلقي:

1 - المادة العلمية، الجانب السلوكي، والتدريب على وسائل الدعوة.

 

2 - إعداده لمرحلة التطبيق والتنفيذ[1]، والتخطيط السابق ودراسة مجال الدعوة، ووضوح الرؤية حول الناس المقيمين في المكان؛ من حيث اللغة، المعتقد، العادات والأعراف، الأعداء في الساحة، الأصدقاء، معوقات وعقبات: أنظمة الدولة، المؤسسات المعادية: الأحزاب، الجمعيات. والمؤسسات الصديقة المتفاوتة: الأحزاب، الجمعيات...

 

3 - الخطواتُ التنفيذية: تأسيس العمل الجماعي، الحلقات العلمية، ثم التطوير إلى مؤسسات علمية إن أمكن، الأنشطة الاجتماعية والإسهام في المناسبات المحليَّة التي لا تتعارض وأحكام الشريعة، الالتزام السلوكي للمنتمين إلى جماعة الدعوة.

 

4 - الجانبُ المالي: إيجاد موارد للعمل من المنتمين للدعوة، إقامة مشاريع اقتصادية محليَّة تُدِرُّ الدخل على العمل؛ شريطة ألا تشغل العاملين عن الدعوة، وألا يكون النشاطُ الاقتصادي السمة البارزة والواجهة اللافتة للنظر للعمل الدعوي.

 

5 - تَبنِّي قضايا أهل البلد العادلة التي يسعون إليها، التحرُّر من الاستعمار ومن هيمنة المؤسسات الرِّبَويَّة، والشركات المحتكرة، التمييز العنصري، سيادة اللغة المحليَّة[2]، رفع الظلم بين الطبقات، قهر المرأة والضعيف، المنبوذون، طبقة الفقراء والعمال والمزارعين.

 

6 - المؤتمرات: مؤتمر كل ثلاثة أشهر للدعاة في الدولة الواحدة، مؤتمر كل ستة أشهر للأقاليم المتقاربة، مؤتمر سنوي في موسم الحج للدعاة في العالم.

 

الموضوعات المشتركة بين المؤتمرات:

أ - تقرير عن سير الدعوة.

ب - المعوقات وسبل تذليلها.

ج - التخطيط للمستقبل.

د - التجارب الرائدة في مجال الدعوة وتزويد الآخرين بها.

 

أولًا: مرحلة الإعداد:

أ - تلقِّي العلم:

أغلب الطلاب الوافدين إلى المؤسَّسَات التعليميَّة في العالم الإسلامي، يكونون من أبناء المسلمين من الجاليات الإسلامية، أو من المسلمين الذين تَرضَخ بلادهم تحت سيطرة غير المسلمين؛ كالمسلمين في القارة الإفريقية وكثير من دول آسيا.

 

وفي الغالب يكون الطالبُ الوافدُ قد تلقَّى شيئًا من التعليم في بلده الأصلي - كالمرحلة الابتدائية - وربما أنهى بعضُهم المرحلة الثانوية، ثم يتقدم للدراسات الجامعية الدنيا والعليا في العالم الإسلامي كالبلاد العربية مثلًا.




[1] هذان الجانبان مأخوذان من الآية الكريمة التي نَصَّتْ عليهما، وهي قوله تعالى: ? لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ? [التوبة: 122].

[2] كثير من دول إفريقيا ما زالت اللغة الرسمية فيها إما الفرنسية وإما الإنكليزية، وتحاول الدول المستعمرة الاحتفاظ بنفوذها من خلال اللغة، فبريطانيا تدعو إلى «الكومنولث»، وفرنسا تدعو إلى «الفرنكفورتية»، من خلال روابط سياسية، وربط هذه الدول بمصالح اقتصادية... والإسلام على الرغم من أن لغته الرسميَّة هي لغة القرآن اللغة العربية، فإنه لا يمنع من أن يتعلم كل قوم الإسلام بلغتهم، ولذلك تُترجم العلوم الإسلامية إلى اللغات جميعًا في العالم، وعلى رأس هذه الترجمات ترجمة معاني القرآن الكريم والسنة النبوية.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook