العزاء في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العزاء في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

العزاء في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
كان الناس قديمًا يلازمون المريض ويسهرون بجواره، فإذا فاضت روحه أرسلوا الأطفال لتبليغ الناس في القرية والقرى المجاورة للحضور للصلاة عليه. وغالبًا ما يكون القبر مُعدًّا مسبقًا لأن الشق في الأرض كان يستغرق وقتًا طويلاً. وبعد غسل الميت والصلاة عليه يُوارى التراب، وقد يُفتح قبر قديم لأحد أقربائه ويتم إدخاله فيه، وتحيط بالقبر مجموعة من الأحجار الواقفة على أطرافها لمنع التراب من التفرق، ولمنع الحيوانات من نبش القبر والوصول إلى جثة الميت.
 
وكان أهل الميت في الماضي يقومون بصنع الوجبة الأولى من الطعام لمن يأتي للعزاء، وكان أهل القرية - أو معظمهم - يجلسون في مجلس العزاء وتلقي التعازي من الآخرين، ويقوم أقرباء الميت بإعداد الوجبات لأهل الميت ولمن يأتي للعزاء الذي يستمر ثلاثة أيام، ولكن لا يمنع ذلك من أن يأتي أناس للعزاء بعد أسبوع أو نحوه وربما شهر، وبخاصة الأصدقاء في الأمكنة البعيدة الذين يصلهم الخبر متأخرًا، ويذكر بعض كبار السن أنهم ذهبوا للعزاء بعد سنة من وفاة الميت لأن الخبر لم يبلغهم لضعف الاتصالات والمواصلات. وفي البادية كانوا يتلقون العزاء في اليوم الذي يموت فيه الميت، وبعد أن يواروه التراب يرحلون من المكان إلى مكان آخر، وقد يأتيهم في المكان الجديد من يقدم لهم العزاء في أوقات متأخرة نسبيًّا بعد الوفاة، وسبب رحيل سكان البادية من المكان الذي يموت فيه أحدهم يعود إلى خوفهم من أن يوجد مرض في هذا المكان وقد يصيبهم، ثم إنهم يريدون أن يبتعدوا عن المكان الذي يذكِّرهم بالفقيد.
 
مظاهر الثبات والتغير
 
اختفت في العقود الأخيرة (المدريها) ومراسم الاحتفاء بعودة الحجاج؛ وذلك لسهولة الحج ولكونه أصبح أمرًا مألوفًا ومكررًا، واختفت عادة الإعلان عن دخول رمضان بالمشاعل والرصاص؛ فقد حلت وسائل الإعلام الحديثة محلها. ولا يزال الناس إلى اليوم في معظم القرى - إن لم يكن في جميعها - يزورون المنازل في العيدين ولكن بأعداد أقل، ويتناولون ما تيسر من التمر والسمن، بالإضافة إلى أشياء لم تكن موجودة من قبل مثل المكسرات، والعصيرات، وبعض الحلويات... ونحوها، ولكن لا تزال الخبزة والمرقة هما الوجبة الغالبة في معظم المنازل. وقد تعمد بعض الأسر إلى الذهاب في رحلة بعد صلاة العيد، وإذا كان الجو باردًا في السراة فإنهم ينطلقون إلى تهامة، حيث الدفء والأجواء المناسبة للاحتفاء بالعيد في أجواء أسرية حميمة. وبالنسبة إلى عيد الأضحى فقد اختفت عادة الذهاب لمشاهدة الأضاحي، كما اختفت الحَمَّالة والطرق القديمة للاحتفاظ باللحم.
 
وظلت طريقة الاحتفال بالزواج قائمة إلى منتصف التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري/السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، إذ بدأت مستويات المعيشة ترتفع، وبدأت منتجات الحياة المعاصرة تتوافد على المواطنين مثل الخيام الجاهزة والمولدات الكهربائية، ولذلك كانت تُقام الحفلات للرجال في مخيمات كبيرة تُضاء فيها الكهرباء بوساطة مولدات كهربائية متنقلة ومُعدَّة للإيجار لهذا الغرض، ويوجد طباخون يحضرون بجميع أدواتهم ويقومون بذبح الدواب وطبخها. وصاحَبَ ذلك توسع في استخدام الأرز، ورويدًا رويدًا اختفت الخبزة من معظم الحفلات، ولا يزال بعضهم يقدم بعض الخبز والمرق حول صحون الأرز واللحم، ويُقدَّم ذلك دفعة واحدة.
 
وفي أواسط العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري/الحادي والعشرين الميلادي بدأت تنتشر قصور الأفراح في منطقة الباحة، وفيها الآن أكثر من خمسين قصرًا للاحتفالات، وكثير من الناس يقيم فيها مناسباته الاجتماعية الصغيرة مثل الختان، والخطوبة، ونحو ذلك. وأصبحت الوجبات الرئيسة في الزواج تتمثل في طعام العشاء فقط، ويتم تقديمه بعد صلاة المغرب مباشرة، وتتكون الوجبة غالبًا من الأرز واللحم، وبعض الفاكهة، والإدام المشكَّل. وفي بعض القرى وضعوا (شَدَّة) وتعني نظامًا يلزم الجميع التقيد به، ومن بنوده عدم تقديم الفاكهة، وعدم تقديم الإدام، وأن يكون الحفل مبسطًا قدر الإمكان، كما تُحدِّد تلك الشدَّات (جمع شَدَّة) قيمة المهر للبكر وللثيب، وتحدِّد عدد الذبائح في الخطوبة، وتضع أنظمة لحفلات النساء مثل عدم خروج العريس أمام النساء، ومنع الأغاني والمطربات، ومنع الملابس غير المحتشمة ونحو ذلك، ويوقِّع على (الشَّدَّة) شيخ القبيلة وعريف القرية وأفرادها فردًا فردًا ثم تُصدَّق من الجهات الرسمية. وقد اختفت عادة تقديم الكسوة من معظم احتفالات الزواج، وبقيت الهدايا التي تُقدَّم من السميَّ لسميِّه، وغالبًا ما تُقدَّم أثناء العرضة، وتُعلَن في مكبرات الصوت، وتكون غالبًا سيفًا أو بندقية، أو مبلغًا من المال.
 
وقد قلَّ إعطاء (العلوم) في الزواج في العقود الأخيرة، ولكن هذه العادة لا تزال تُمارَس باختصار شديد في الزواج والخطبة، ويحاول بعضهم الحرص عليه وغرسه في الجيل الجديد.
 
وانتشر في العقود الأخيرة (الرفد) من معظم الناس للمتزوج، ويختلف من شخص إلى آخر ومن قرية إلى أخرى، ففي بعض القرى لا يتجاوز مئتي ريال، وفي بعضها يصل إلى خمسمائة ريال. وبعضهم يعد (الرفد) نوعًا من الدَّين، فلا بد أن يسجله ويقوم بردِّه عندما يتزوج مَن قَدَّمَهُ أو يزوج أحد أبنائه، ولهذا عمد بعضهم في العقد الثالث من القرن الخامس عشر الهجري/العقد الأول من القرن الحادي العشرين إلى منع (الرفد) سواء أكان عينيًّا مثل الأغنام أو الجمال الصغيرة (القعدان، جمع قعود)، أو نقدًا، وينص على منعها في رقعة الدعوة التي يقوم بتوزيعها، والهدف من ذلك أن يحرر نفسه من الالتزام بردِّها وحضور جميع مناسبات مَن قدَّموا له رفدًا، وبعض تلك المناسبات يتم في يوم واحد وفي مدن متفرقة ولهذا يستحيل حضورها جميعًا، وإذا كانت في قصور أفراح في المدينة نفسها فإنه يمر بها ويبارك، ويقدم ظَرفًا فيه مبلغ من المال يعادل ما تلقاه سابقًا، ثم ينتقل من قصر إلى آخر حتى ينهي المهمة. ومن جهة أخرى يعمد بعضهم إلى تقديم العون في ظرف دون أن يكتب اسمه عليه وفي هذا إشارة إلى عدم رغبته في ردِّه، وفي عدم رغبته في أن يعلم مَن يتلقاه بمصدره.
 
وبالنسبة إلى مراسم العزاء فإن معظم المعزين أصبحوا يقدمون العزاء وهم واقفون، ويدعون للميت بالرحمة، ولذويه بالصبر والسلوان، ثم ينصرفون، وبعضهم يجلس ويتناول شيئًا من القهوة أو الشاي. ويقوم الأقرباء وأهل القرية بصنع الطعام لأهل الميت، ويشاركونهم في أكله، ويحرصون على أن يكونوا موجودين مع أهل الميت في الأيام الثلاثة الأولى لتسليتهم ومواساتهم، وإشعارهم بأن الجميع مصابون بفقد الميت.
 
وقد اختفت عادة إطلاق الرصاص عند ولادة المولود. وكثير من الناس يكتفي بالاحتفال بالطفل الأول، وقد يتوسع فيه ويقيمه في قصر أفراح، أو في استراحة كبيرة.
 
وبالنسبة إلى الختان فقد أصبح يتم في اليوم السابع غالبًا، واختفى الختان المتأخر والختان الجماعي، وتم الحفاظ على عقيقة المولود بأن تُذبح ذبيحتان للذكر وذبيحة للأنثى يُدعى إليها الأقرباء والأصحاب والجيران والشخص الذي سُمِّي الطفل باسمه (السميّ). وبعضهم يعمد إلى تقسيم اللحم وتوزيعه على المستحقين من أفراد القرية والقرى المجاورة؛ كي ينال الدعاء من النساء والشيوخ والصغار والكبار.
 
شارك المقالة:
62 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook