العصر الإسلامي بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العصر الإسلامي بالرياض في المملكة العربية السعودية

العصر الإسلامي بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 

المنطقة عشية ظهور الإسلام

 
تشغل منطقة الرياض الحالية بحدودها الإدارية أغلب ما كان يعرف عند كثير من الجغرافيين المسلمين بإقليم اليمامة وعالية نجد  ،  فاليمامة تقع ضمن حدود منطقة الرياض بأكملها. أما عالية نجد - وتقع ما بين اليمامة شرقًا وجبال الحجاز والحرات الغربية غربًا - فإن القسم الأكبر منها داخل حدود منطقة الرياض الحالية، في حين تدخل بعض أطراف العالية في مناطق إدارية أخرى  
 
ومع وجود تباينات كثيرة عند البلدانيين القدماء في تحديد المناطق التي تشملها اليمامة وعالية نجد، إلا أن ما ذكره كل من عبدالله بن خميس وسعد الجنيدل يكفي في تحديد البلاد التي يحويها الإقليمان المذكوران. فابن خميس يذكر أن اليمامة تشمل: العارض وقاعدته الرياض، والخرج والفرع (ومما يشمله حوطة بني تميم والحريق) والأفلاج والسليل ووادي الدواسر والشعيب والمحمل وسدير والزلفي والوشم  .  ويحدد ابن جنيدل ما يتبع عالية نجد مدخلاً فيها وادي الدواسر إلى جانب الدوادمي والقويعية وعفيف والخاصرة  ،  كما تدخل فيها مناطق تتبع إمارة مكة المكرمة وأخرى تتبع إمارة المدينة المنورة.
 
إن الحدود الجغرافية لإقليم ما لا يلزم بالضرورة أن تتوافق مع الحدود الإدارية التي تتغير بحكم تغير الأوضاع السياسية وخضوع عملية تعيين حدود الأقاليم والتوابع الإدارية للمركز الرئيس لرؤية إدارية بحتة. وإن المسيرة التاريخية لإقليمي اليمامة وعالية نجد تأثرت وبشكل كبير ببيئة هاتين المنطقتين، بمناخها ومواسمها المطيرة والجافة، وبما تحويه من مناطق استقرار وصحارى قاحلة وسكان يتوزعون على نمطين معيشيين؛ نمط الترحال وعدم الاستقرار، ونمط التحضر والاستقرار. كما أثر على تاريخ المنطقة زمن ظهور الإسلام العلاقة المضطربة بين قبائل المنطقة والصراعات والحروب بينها.
 
وفي عصر ظهور الإسلام كان جزء كبير من السكان يعيشون حياة التنقل والترحال، واستقر الجزء الآخر في مواطن ثابتة.
 
لقد ضمت اليمامة وعالية نجد بعض الأمكنة الجاذبة للاستيطان بحكم وجود موارد المياه من أودية وعيون وآبار إلى جانب خصوبة التربة، وقيام نشاط تجاري في بعض بلدان اليمامة. ولعل من أبرز تلك الأمكنة والبلدات اليمامية الجاذبة التي يتمركز فيها السكان المستقرون، وادي حنيفة (العرض) حيث انتشرت القرى على ضفاف ذلك الوادي وبالقرب من روافده. وعلى مقربة من ذلك الوادي وعند منتصفه تقبع مدينة حجر   إحدى المراكز الرئيسة لحنيفة وهي (مدينة اليمامة وأم قراها)  .  وبجانب شهرتها بوصفها مدينة زراعية عرفت بسوقها التجاري الذي يقصده العرب كبقية الأسواق الأخرى  ،  وتشكل (الخضرمة) قاعدة رئيسة في المنطقة تنافس حجر في الأهمية والمكانة  .  وفي شمالي اليمامة نشأت تجمعات بشرية في الفقي (سدير) والوشم وقرقري (البطين) نـزلت بها فصائل من تميم  .  أما جنوب اليمامة فقد تركز الاستقرار فيها في فلج وعقيق اليمامة أو عقيق عقيل  
 
وثمة قرى ومستوطنات بشرية أخرى في سواد باهلة   والريب (الرين)   وغيرها. وهناك مواضع كثيرة وواسعة كان يتحرك فيها أهل البادية في حركة موسمية بحثًا عن مصادر المياه ومواطن الكلأ والعشب، ولعل من أهم تلك المناطق: الدهناء والصمان وهي من مفالي تميم  ،  وبوادي عالية نجد وأهمها أرض الشُّريف التي تقع في القسم الشمالي من عالية نجد 
 
لقد كانت حنيفة البكرية الوائلية أبرز القبائل المستقرة في وسط اليمامة. ويقدر حمد الجاسر نـزولها هناك بما يقارب قرنين من الزمان قبل ظهور الإسلام  .  وقد شهدت حاضرة اليمامة الرئيسة (حَجْر) ازدهارًا في عهد ريادة هذه القبيلة على وسط اليمامة التي اختطها عبيد بن ثعلبة، وكانت (الحجر) أكبر مدن اليمامة، وكانت كالكوفة والبصرة لكل قوم فيها خطة، إلا أن الأكثرية كانوا من بني حنيفة، والبلدان التي سكنها بنو عبيد بن ثعلبة هي الوتر ووادي لبن والوالجة وغيرها  .  وكان من المناطق الأساسية التي انتشرت فيها فصائل حنيفة، جو الخضارم وعقرباء  .  وبجانب القرى المنتشرة على طول وادي العرض (وادي حنيفة)، جاورت حنيفة فروعًا بكرية أخرى، مثل: بني قيس بن ثعلبة (رهط الشاعر الأعشى) في منفوحة وبني سدوس بن ذهل بن شيبان في قرية (سدوس)  .  وشهدت مواطن حنيفة إجمالاً قيام نهضة زراعية، فكان إنتاجها من الحنطة والحبوب يصل إلى مكة وغيرها من حواضر العرب  ،  ووصف بنو حنيفة من قبل بعض الشعراء بأنهم (أبناء نخل وحيطان ومزرعة)  .  ولم تكن الزراعة هي النمط الإنتاجي الوحيد الذي اعتمدت عليه حنيفة، فقد شكلت التجارة أحد مقومات اقتصاد حنيفة بحكم أن ديارها تقع عند ملتقى الطرق التجارية البرية الآتية من الحجاز واليمن إلى شرق الجزيرة العربية والعراق وفارس  
 
وانتشرت فصائل من تميم في شمالي اليمامة في الوشم والفقي والزليفات وقرقري   وغيرها من الأمكنة، كما انتشرت فصائل أخرى منها خارج منطقة الدراسة. كذلك انتشرت قبائل بني كعب بن عامر في فلج (الأفلاج)، ومنها بنو جعدة وقسم من قشير والحريش  .  أما بنو عقيل بن ربيعة، فكان من منازلهم عقيق اليمامة أو عقيق عقيل (وادي الدواسر).
 
ومن فروع عامر بن صعصعة هناك بنو نمير  .  قال ياقوت: أكثر منازل نمير بالشريف بنجد، وتمتد بادية نمير إلى القسم الشمالي من عالية نجد وبني كلاب بن ربيعة، وفي شمالي عالية نجد، ويغلب عليها حياة البادية والتجوال في صحارى نجد  .  ومن أكثر القبائل المستقرة في عالية نجد باهلة القيسية المضرية، ومن مراكزها سواد باهلة. وقد أشار ياقوت إلى مجموعة من المستوطنات البشرية التي تنـزلها هذه القبيلة، وهي مناطق عرفت بإنتاجها المعدني والزراعي  .  وهناك بنو هزان - وهم من ربيعة - في المجازة وما حولها، وهي قاعدة بلادهم وتجاورها (جرم القحطانية) 
وبعد استعراض أبرز منازل التجمعات السكانية في منطقة الرياض، تبرز الملحوظات الآتية:
 غلبة القبائل العدنانية على التركيب القبلي في المنطقة، إذ إن قبائل المنطقة جميعها تنتمي إلى (العدنانيين) فيما عدا جرم القحطانية.
 
 ليس بالضرورة أن تعكس منازل بعض القبائل كما دوَّنها بلدانيون جاؤوا في القرن الثالث وما بعده ما كان سائدًا وقت ظهور الإسلام لعدة اعتبارات؛ منها ما حدث من متغيرات كبيرة على الخريطة السكانية في المنطقة بعد أحداث الردة وحركة الفتوحات الإسلامية، ثم إن القبائل غير المستقرة من الصعب تأطيرها في أمكنة محددة، إذ إن علاقتها بالأمكنة ترتبط بوجود الماء والمرعى مع أن حركتهما تتم ضمن مجال محدد في الغالب. يذكر الأزهري (ت 370هـ / 980م)، صاحب معجم (تهذيب اللغة) الذي عاش حياة البادية: (إن البادية إذا وقع ربيع بالأرض توزعتهم النجع وتتبعوا مساقط الغيث يرعون الكلأ والعشب، ثم يحضر البدو إلى الماء العد الذي لا انقطاع له شهور القيظ لحاجة النعم إلى الورود)  .  وإن العلاقة بالمكان مرتبطة بعطائه، وهو على كل ليس القاعدة في الانتماء إلى القبيلة بل النسب وما يستتبع ذلك من حلف وجوار وولاء.
 
والمعادلة السكانية في المنطقة اشتملت على نمطين رئيسين: بادية وحاضرة، فلا جدال في أنه ليس بين الفئتين ذلك التقاطع الحاد، فبعض القبائل، مثل: تميم وبني نمير منها ما يعيش حياة التنقل والترحال، ومنها ما كان مستقرًا في بعض المنازل والديار، مع أن تنقل أولئك السكان بين المرعى ومراكز الاستقرار وموارد المياه يخضع لظروف مناخية واقتصادية. كما أن الروح القبلية ظلت سائدة في البادية والحاضرة على السواء. وربما تعمقت الأعراف القبلية والتقاليد المرتبطة بها في الحواضر بصورة أكبر بحكم أن الاستقرار يؤصل تلك الأعراف ويراكم تجارب القبلية والنسق القيمي الذي ترجع إليه.
 
ولقد كانت أكثر القبائل تعيش في حالة صراع وعداء مع قبائل أخرى، إذ دارت المعارك الطاحنة وساد العلاقات بين القبائل التوتر والاحتراب، فما أكثر المعارك والحروب بين القبائل التي ذكرها عدد من المؤرخين  ،  إذ أصبحت الأيام والحروب ظاهرة ثابتة في تاريخ المنطقة، في حين صارت حالات السلم والتهادن خلال المواسم التجارية، والأشهر الحرم حالات استثنائية وسط ركام هذه الأيام والحروب التي كونت مجتمعات متأهبة للدفاع عن ساحتها من خلال السيف والرمح. يقول الشاعر الحنفي موسى بن جابر:  
 
وجدنــا  أبانــا كـان حـلَّ ببلـدةٍ     سوى  بين قيس, قيس عيلان والفزرِ  
فلمـا  نَـأَتْ عنـا العشـيرة كلهـا      أقمنـا  فحالفنـا السـيوف على الدهر
فمــا  أسـلمتنا عنـد يـوم كريهـة     ولا  نحن أغضينـا الجفون على وِترٍ  
جعلت تلك الصراعات مصير المنطقة قبل وصول المؤثرات الإسلامية إليها رهنًا لدورات من العنف والقتال، وأعاقت قيام مصالحات وتحالفات تقوم على حماية التجارة في الإقليم وضبط الأوضاع الأمنية فيه. ومن الظواهر الأخرى لتاريخ المنطقة نجاح بعض الزعامات في بناء علاقات ناجحة مع قوى أخرى خارج المنطقة.
وبما أن مكة المكرمة تمثل مركزًا رئيسًا في جزيرة العرب له خصائصه الدينية والسياسية ومبعث حركة اقتصادية منظمة تمثلت فيما عُرف بالإيلاف القرشي التي كان لبعض قبائل المنطقة ارتباط واضح بها، فقد استقطبت قريش فصائل وزعماء من تميم وأشركتهم في نظام الحُمس الديني  .  وأسندت إلى زعماء تميم وظيفتين؛ قضائية ودينية هما الحكم في عكاظ  ،  والإجازة بالناس في الحج  ،  فتزايدت الروابط الاجتماعية من خلال المصاهرات التي ربطت بين القبيلتين  .  كما حرصت قريش على أن تضمن سلامة مرور قوافلها على ديار التميميين الواسعة التي تشمل منازل خارج هذه المنطقة، كذلك حرصت الحيرة على بناء علاقات ودية مع بعض الفصائل التميمية لئلا يهددوا طرق القوافل التابعة للحيرة  ،  وقوافل الفرس. ولأن إمارة الحيرة داخلة ضمن نفوذ الفرس، منح ملوك الحيرة بعضًا من زعماء تميم امتياز الردافة التي تعطى عادة لأحد شيوخ القبائل ليكون عونًا للحاكم. وقد اشتهرت تميم بالردافة أكثر من غيرها  .  ولا تنفرد تميم بهذه العلاقات مع قريش وغيرها، وإن كان انتشارها في نجد عامة وشرقي الجزيرة العربية، وثقلها البشري الواسع، أوجد علاقات واسعة مع أطراف متعددة. فحجر والخضرمة كانتا تزودان مكة بالحبوب والغلات، وكان تجار مكة يدركون أهمية أن يشمل نشاطهم التجاري تسويق إنتاج اليمامة. لهذا حرصوا على أن تكون علاقاتهم بحنيفة - القبيلة البكرية الرئيسة في وادي حنيفة وحجر والخضرمة - خالية من العداوات والتوترات 
 
ومن جانب آخر كان لبعض أعيان حنيفة في الخضرمة، مكانة عند ملوك الفرس، ومنهم: هوذة بن علي. كذلك ارتبطت مجموعة القبائل العامرية بقريش من خلال الدخول في نظام الحُمس الديني  ،  وهو مستوى من التدين خَصَّت به قريش نفسها، ثم أدخلت معها عددًا من القبائل. ولا شك في أن انتهاء حرب الفجار بالصلح، وقد اشتركت فيه فصائل من عامر إلى جانب هوازن ضد قريش وكنانة، هذه النهاية السلمية التوافقية للحرب، جعلت الفريقين ينطلقان من جديد في سبيل بناء علاقات سلمية
 
شارك المقالة:
57 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook