العصر الإسلامي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العصر الإسلامي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

العصر الإسلامي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
يظهر من القواميس اللغوية أن كلمة (الباحة) من التبحبح، والمقصود بذلك السعة في النفقة، أو في الأرض، أو في المنـزل  .  ويقال: القوم في ابتحاح أي في سعة وخصب من أرضهم، والبحبوحة وسط المحلة، أو وسط الدار. قال جرير:
 
قـومي  تميـم هـمُ القـوم الذين همُ     ينفـون  تغلـب  عـن بحبوحة الدارِ
وفي الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد"، قال أبو عبيدة: أراد ببحبوحة الجنة وسطها. قال: وبحبوحة كل شيء وسطه وخياره  .  ويقال: قد تبحبحت في الدار إذا توسطتها وتمكنتُ منها. والتبحبح: التمكن في الحلول والمقام، وقد بحبح وتبحبح إذا تمكن وتوسط المنـزل والمقام، قال: ومن حديث غناء الأنصارية:
وأهدى لها أَكْبُشًا
تبحبح في المربد  
 
أي متمكنة في المربد، وهو الموضع أو المكان. وفي حديث خزيمة: "تفطر اللحاء وتبحبح الحياء أي اتسع الغيث وتمكن من الأرض"  
 
وإذا نظرنا إلى منطقة الباحة وجدناها أرضًا تحيط بها الهضاب والجبال من كل جانب، فليست هي تلك الأرض الواسعة الفسيحة، وإنما تتوسط البلاد التي تقع بها، وتحيط بها القرى والجبال والمزروعات المختلفة من كل جانب.
 
وتتميز منطقة الباحة تاريخيًا بموقع إستراتيجي، إذ تتصل حدودها ببلاد الحجاز شمالاً، وبلاد عسير (جرش قديمًا)   جنوبًا، يحيط بها عدد من الحواضر الرئيسة، كالطائف من الشمال، وبيشة وأبها من الشرق والجنوب، والليث والقنفذة من الغرب والجنوب الغربي على ساحل البحر الأحمر  
 
وتجاورها قبائل بلحارث (بنو الحارث) وبنو مالك شمالاً. وجنوبًا بنو عيسى، وبنو زبيد، وبنو بحير، وبنو سهيم، والعوامر، وبنو ميمون، وهي من قبائل بلقرن، وبلعريان وخثعم. وشرقًا بعض بادية بني ميمون وأكلب وقبائل البقوم وشمران. ومن الشمال الشرقي سبيع، وغربًا الليث، ومن الجنوب الغربي القنفذة  
 
تعيش في منطقة الباحة قبيلتان كبيرتان هما غامد وزهران الأزديتان  ،  فإذا أطلقنا مصطلح بلاد الباحة بمفهومها الإداري الواسع فذلك يعني بلاد غامد وزهران، وسوف يرد معنا هذا المصطلح (غامد وزهران) وأحيانًا (دوس) في صفحات البحث؛ لأن اسم الباحة بوصفه مصطلحًا إداريًا، وحاضرة رئيسة لبلاد غامد وزهران لم يعرف إلا في العصر الحديث، وفي مدة زمنية لا تزيد على القرنين ونصف تقريبًا. 
 
وغامد وزهران قبيلتان أزديتان من أصول قحطانية يصل نسبهما إلى الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان  .  وأخذت قبيلة غامد اسمها من جدها غامد، وهو عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد  ،  وسمي غامدًا لأنه كان وقع بين قومه شيء فأصلحه، وتغمدهم بذلك فقال:
 
تحملت للصلح الثاء من عشيرتي
فأسماني القيل الحضوري غامدا  
 
كذلك سميت زهران باسم جدها زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر الأزد  ،  وإذا كان غامد هو عبد الله فهو شقيق لزهران، مع أن بعض كتب الأنساب تشير إلى أن غامد هو ولد لعبد الله  ،  ومن ثَمَّ فزهران يصبح عمًا لغامد  .  وكانت قبيلتا غامد وزهران ضمن قبائل الأزد التي نـزحت من اليمن على أثر دمار سد مأرب، وتفرقت مع غيرها في أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية  .  ويذكر أن قبائل الأزد افترقت إلى عشرين قبيلة ونيف توزعت داخل الجزيرة العربية وخارجها  .  ومنها قبيلتا غامد وزهران اللتان نـزلتا مرتفعات السروات وعرفت باسم (أزد السراة)، وأحيانًا بـ (السرو)  ،  وسار بعض أولاد دوس بن عدثان بن زهران إلى أرض تهامة فأقاموا بها  .  كما خرجت مجموعات من رجال غامد وزهران إلى خارج حدود منطقتهم (منطقة الباحة اليوم)، فمثلاً: بعض من قبيلة دوس من زهران انتشروا في شرقي شبه الجزيرة العربيّة حيث كونوا إمارة عربية في عمان قبل الإسلام واستمرت حتى ظهور الإسلام، ولاتزال فروع من الأزد أكثرهم من دوس يقيمون هناك  .  ويلاحظ في كتب التراث أن لفظ (دوس) قد طغى إلى حد كبير على لفظ زهران وأحيانًا غامد في الجاهلية وصدر الإسلام. وهذا ما جعل بعض المؤرخين يكتفون بذكر دوس بدلاً من زهران، في حين ظن آخرون أن دوسًا قبيلة مستقلة تمامًا عن غامد وزهران، وهذا خطأ. فدوس قبيلة من قبائل زهران، وجزء لا يتجزأ منها  .  وأفضل قول لغلبة اسم دوس هو ما ذكره   حمد الجاسر عندما ذكر أن رجال قبيلة دوس انتشروا خارج بلادهم، وتمكن بعضهم من تأسيس إمارتين عربيتين في عمان والحيرة  .  كما أن بعض الدوسيين سارعوا في قبول الدعوة الإسلامية، كما سيأتي معنا، فنالوا مكانة سامية في صدر الإسلام. هذا فضلاً عما عُرف عن رجال دوس من إخلاص وصدق في تلقي الدعوة  ،  وما أظهروه من شجاعة وإقدام في الفتوحات الإسلامية، مما زاد في رفع منـزلة القبيلة واشتهارها. وعلى هذا الأساس إذا قيل فلان الدوسي، فهو في الأصل من زهران  ؛  ومن ثَمَّ فجميع سكان منطقة الباحة قديمًا وحديثًا، (سراة وتهامة) هم من أصول غامدية وزهرانية أزدية قحطانية  
 
شارك المقالة:
60 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook