العصر الحجري الحديث في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العصر الحجري الحديث في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

العصر الحجري الحديث في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
يعد هذا العصر نقطة تحول في حياة الإنسان؛ فبعد أن استطاع إتقان الصناعات والتدقيق في عمل الأدوات مع اختلاف وظائفها وتنوع أشكالها، نجح في تربية بعض الحيوانات، وتوطين بعض النباتات، وبالتالي حقق أولى الخطوات نحو الاستقرار والمدنية  
 
أما عن أبرز المواقع التي تمثل هذه المرحلة فهي: آبار خطمة، جلدة، المندفن، شرورة، عرق البئر، جنوب المتبطحات نواحي الربع الخالي  ،  وكذلك المضيق غرب نجران، وآبار حمى التي تعد من أبرز الأمكنة التي شهدت فترة استيطان خلال المرحلة المطيرة من هذا العصر 6000 - -000 ق.م  
 
ومن أبرز الأدوات التي عثر عليها في مواقع الربع الخالي: المكاشط ذوات الشفرات الأمامية، والمكاشط ذوات الجوانب البسيطة، ومكاشط ثانوية متنوعة، والمثاقب ثلاثية الأسطح، والأدوات ذات الوجهين، والرقائق المشحوذة، وأنصال غير مشحوذة، وعدد من الفؤوس، والأدوات القاطعة المشحوذة، والأدوات قرصية الشكل. كما عثر على بعض رؤوس سهام ورماح،  وحجر طحن (رحى) صنع من الحجر الرملي، وأدوات جرش حجرية، وأدوات مصنوعة من مادة السبج، وبعض الأدوات البسيطة  
 
ولعل ما يميز أدوات هذا العصر هو: دقة الصنع وجودة النوعية، بالإضافة إلى وجود منشآت عمرانية من نوع المستوطنات الانتقالية، فضلاً عن المستوطنات الدائمة كتلك التي وُجدت في موقع جلدة، وموقع المتبطحات  
 
ولقد مر الإنسان بعدد من المراحل الانتقالية نحو تطوير حياته ومسكنه ومأكله خلال هذا العصر، فبدأ بالتحول إلى الإنتاجية انطلاقًا من صنع الأواني الفخارية. ومن هنا بدأت تظهر مراحل جديدة من حياة الإنسان تمثلت في ميله نحو الاستقرار خصوصًا بعد الثورة الزراعية والرعوية التي أحدثت تغيرًا كبيرًا في نمط حياة السكان في هذه المنطقة تمثل في ظهور التجمعات البشرية، حيث جذبت الزراعة الناس إلى الاستقرار، ثم خلقت بينهم روح التعاون مما أدى إلى زيادة الإنتاج، وظهور الحرف، ومن ثَمَّ التجارة، وكانت هذه العوامل هي الخطوات الأولى نحو نشأة المدن، كما كان لاستئناس بعض الحيوانات الأثر البالغ في ظهور الرعاة الذين يمثلون النواة الأولى لمجتمعات المنطقة  
 
جاء استئناس الجمل في جنوبي الجزيرة العربية مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد متزامنًا مع الظروف التي أدت إلى تشكيل المجتمعات البشرية في المنطقة، وقد أتاح ذلك لمجتمعات الرعاة الأوائل التنقل إلى مسافات أطول، وكان أيضًا سببًا رئيسًا في نشاط الطرق التجارية البرية؛ مما أدى إلى نشأة عدد من المدن التجارية في جنوبي الجزيرة العربية ووسطها وشماليها، وازدهارها خلال ما يعرف بعصر التجارة البرية الذي بدأ مع نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وكانت نجران واحدة من أبرز المدن التجارية المهمة في جنوبي الجزيرة العربية خلال هذا العصر  
 
وقد زاد من تلك الأهمية وفرة المياه وخصوبة الأرض بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي، حيث أصبحت نقطة اتصال مركزية بين شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها خلال الألف الأول قبل الميلاد حتى ظهور الإسلام  
 
لقد أسفرت جهود بعض الرحالة، أمثال: جون فيلبي وريكمانـز وغيرهما، عن فك بعض الرموز والكتابات التي تركتها لنا حضارات هذه المنطقة  ،  والتي نستخلص منها أن الاستقرار البشري في نجران موغل في القدم، ويرتبط من الناحية البيئية بأصل الحضارة العربية الجنوبية  
 
وتشير المصادر إلى أن قبيلة مذحج استوطنت نجران منذ القدم، ومنهم: بنو الحارث بن كعب الذين كانت لهم الريادة في نجران، وقد ذاع صيتهم واتخذوا من مدينة نجران حاضرة لهم منذ العصر الجاهلي. إلا أنه بعد سيل العَرِم وانهيار سد مأرب، بدأت القبائل الأخرى بالهجرة، فاستقر بعضهم في نجران ومنهم: الأزد، ووادعة، وذهل، وعمران وغيرهم. كذلك استقرت يام؛ وهي أحد فروع همدان الشهيرة في نجران، وأصبحت نجران موطنهم حيث ارتبطوا بها وارتبطت بهم، واندمجت معهم القبائل الأخرى الصغيرة التي كانت تستوطن نجران  
 
وتشير الدلائل المستحدثة من النقوش السبئية المبكرة إلى أن نجران أصبحت تتسم بأهمية كبيرة بحلول منتصف الألف الأول قبل الميلاد بعد أن فتحها السبئيون   وأن اسم نجران كان يطلق آنذاك على منطقة في مملكة مهأمر أو محمئر، وهي مملكة صغيرة لقب أمراؤها أنفسهم بلقب (ملك)، ومقرها - حسب ما يظهر في الكتابات - مدينة رجمت، وكان لها مجرى ماء منبعه في نجران. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن رجمت هي في الواقع مدينة من مدن نجران، وأن نجران لم تكن في الأصل مدينة معينة، وإنما هي أرض تضم جملة مدن منها هذه المدينة  
 
ويبدو أن نجران بدأت تظهر بصفتها مدينة مهمة مع بداية الألف الأول قبل الميلاد ولا شك أن قيام الملك كرب إل وتر 660 - 640ق.م بغزوها لم يأتِ من فراغ، حيث يدل ذلك على أهميتها، ويعتقد أن تلك الأهمية بالدرجة الأولى زراعية واقتصادية، حيث أصبحت نجران ابتداءً من 500 ق.م عنصرًا مهمًا في مجموعة الدول التي كانت تشكل الحضارة المزدهرة في جنوبي الجزيرة العربية (معين - سبأ - قتبان - حضرموت) مستفيدة من موقعها الإستراتيجي الذي أضحت تتفاعل من خلاله مع قبائل غربي الجزيرة العربية ووسطها، في الوقت الذي ازدهرت فيه الحركة التجارية بين شمالي الجزيرة وجنوبيها. ومن أهم السلع التجارية آنذاك (البخور والتوابل). وكانت نجران واحدة من أبرز المدن الواقعة على الخط التجاري الذي يربط جنوبي الجزيرة بشمالها وغربها ووسطها وأكبرها أهمية. 
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook