العصر الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العصر الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية

العصر الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
من الصعب الحديث عن تاريخ منطقة الرياض حسب حدودها الإدارية، بمعزل عما حولها من المناطق الأخرى، إذ إن أحداث التاريخ لا تقف عند حد جغرافي أو إداري معين، فهي مرتبطة بمنطقتها الأم، ألا وهي منطقة نجد، وتتربع منطقة الرياض على هضبة نجد 
 
تتميز منطقة الرياض بموقع إستراتيجي متميز، فهي تحتل قلب إقليم نجد الذي يحتل هو بدوره قلب الجزيرة العربية، وتشكل الصحارى المحيطة بها من كل الاتجاهات جدارًا قويًا للدفاع عنها ضد هجمات الأعداء، ومما زاد في أهمية هذه المنطقة في العصر الحديث أنها كانت المنطلق الذي بدأت منه حركات التوحيد السياسي لمعظم أرجاء الجزيرة العربية، متمثلاً في الأدوار الثلاثة للتاريخ السعودي، ومثلما أن هذه المنطقة كانت مسرحًا لكثير من الأحداث التاريخية المصيرية، فإنها كانت مقر عواصم تلك الدول الثلاث، إذ كانت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، والرياض عاصمة لكل من الدولة السعودية الثانية والمملكة العربية السعودية، وسيرد الحديث عن ذلك لاحقًا. أما في الوقت الحاضر، فقد أصبحت الرياض عاصمة للبلاد ومركزًا للحكم والإدارة، بل أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية وأكثرها نشاطًا وحيويةً ونموًا.
 

بداية العصر الحديث

 
كانت منطقة الرياض في بداية العصر الحديث؛ أي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، كما في منطقة نجد كلها، يعمُّها الجهل والفقر والحروب المتواصلة والفتن، وكل ذلك بسبب الفراغ السياسي، وتعاني من الفرقة والتشرذم السياسي، فكل قرية أو بلدة تحكمها أسرة تمكنت من الوصول إلى الإمارة أو السلطة، إما بحكم التأسيس والتوارث، أو عن طريق القوة باغتصابها من حكامها السابقين، أما السمة الغالبة للعلاقات بين هذه البلدان فهي الجفاء والحروب، وكل إمارة مستقلة عن غيرها ولها حاميتها التي تستخدمها في الدفاع عن نفسها أو في الهجوم على خصومها، ومما زاد الأمور تعقيدًا، أن مجتمع البادية الذي كان يشكل نسبة كبيرة من المجتمع النجدي بشكل عام، كان في حال مشابهة لما عليه مجتمع الحاضرة من فوضى وتناحر ليس بين مختلف أجزائه فحسب، بل ومع الحاضرة.
 
أما الوضع على المستوى الإقليمي، فقد شهد القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي قدوم العثمانيين إلى المنطقة العربية، فبسطوا سيطرتهم عليها واستمروا في حكمهم لها مدة أربعة قرون تقريبًا، وإن حكام الدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية بذلوا جهودًا كثيرة حتى تمكنوا من السيطرة على سواحلها أو أطرافها، ولكنهم لم يبذلوا جهودًا مماثلة للسيطرة على داخلها، وإن إقليم نجد بما فيه منطقة الرياض لم يخضع لحكم الدولة العثمانية، ولم يكن لهذه الدولة أي نوع من أنواع التمثيل مثلما هي الحال في الحجاز والأحساء، لم يغامر العثمانيون في الفترة الأولى من حكمهم للمنطقة بالتدخل في شؤون نجد، فلم يشهد الإقليم تعيين ولاة عثمانيين ولا تسيير حملات عسكرية إليه، وربما يعود ذلك إلى أن الدولة العثمانية لم يكن يعنيها كثيرًا أن تسيطر على هذه المنطقة التي ستجلب لها كثيرًا من الخسائر، ولن تعود عليها بفائدة مادية أو إستراتيجية  
 
وهكذا تُرك مجتمع وسط الجزيرة العربية بمنأى عن الحكم والسيطرة الخارجية، ويدير شؤونه بنفسه في ظل التمزق والفرقة الدائمة بين مختلف بلدانه وفئاته، حتى إن بعض المؤرخين أطلق على الفترة التي سبقت قيام الدولة السعودية الأولى بثلاثة قرون تقريبًا "عهد الإمارات المتناحرة"  .  ويبدو أن هذا الوضع شجع بعض القوى المجاورة لمنطقة الرياض، كالأشراف في الحجاز، ثم بني خالد من بعدهم في شرق الجزيرة العربية، على القيام ببعض الحملات العسكرية لإيصال نفوذهم إلى وسط الجزيرة العربية بما فيه منطقة الرياض.
 
كان أشراف مكة أسبق من غيرهم في تسيير الحملات على منطقة نجد بشكل عام، ومنطقة الرياض بشكل خاص، إذ أرسلوا حملتين إلى هذه المنطقة، كانت الأولى بقيادة الشريف حسن بن أبا نمي سنة 986هـ / 1588م، ووصفتها المصادر بأنها حملة مهمة وكبيرة يزيد عدد أفراد جيشها على خمسين ألفًا، وكانت وجهتها إلى معكال  .  وبعد طول حصار اقتحم جيش الشريف حسن البلدة واستولى عليها وغنم كثيرًا من الغنائم ثم عاد إلى مكة ومعه بعض من رؤسائها، وقد مكثوا في الأسر مدة عام ثم أفرج عنهم وعيَّن عليهم أميرًا من قبله. كما سيَّر أشراف مكة حملة أخرى سنة 989هـ / 1591م، وكانت وجهتها في هذه المرة جنوب منطقة الرياض، فهاجمت البديع في محافظة الأفلاج والخرج والسلمية واليمامة في محافظة الخرج  .  استمر أشراف مكة في حملاتهم على نجد في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي، وما يلاحظ على تلك الحملات أنها كانت في معظمها موجهة إلى المناطق الحضرية أكثر منها إلى البادية.
 
ومع محاولات فرض النفوذ المتمثلة في هذه الحملات العسكرية، إلا أن الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في وسط نجد - أو ما يسمى إداريًا بمنطقة الرياض - استمرت مثلما كانت عليه في السابق. وما زاد الأوضاع سوءًا عدم انتظام سقوط الأمطار وتأخرها في كثير من السنوات، وتعرض المنطقة لفترات من الجفاف والجدب والقحط وغيرها من الكوارث كالعواصف والبَرَد وأسراب الجراد، وبما أن بيئة هذه المنطقة بيئة صحراوية فهي سرعان ما تتأثر بهذه التقلبات المناخية فتقل مواردها، ومن ثَمَّ تؤثر كثيرًا في حياة الناس عندما يزداد التنافس على تلك الموارد المحدودة، وبخاصة على المراعي والمياه.
 
ويلاحظ من خلال كتب الحوليات أن مجتمع البادية أول من يتأثر بمثل هذه الكوارث نظرًا إلى نمط معيشته الذي يعتمد أساسًا على تربية الماشية من الإبل والغنم، ولهذا فإن نمط معيشة البادية سرعان ما يتأثر بانقطاع المطر والجفاف، فتهلك الثروات الحيوانية، ويزداد التزاحم والتصارع على ما تبقى من مراعٍ صالحة للرعي، وقد تضطر بعض فئات البادية إلى هجر مناطق رعيها التقليدية إلى مناطق أو بلدان أخرى أو حتى إلى هجر حياة البداوة والنـزول في البلدان، أما الحاضرة فتستطيع تحمل الكوارث لبعض الوقت، نظرًا إلى أنها تعتمد في معيشتها على الزراعة والتجارة، ولكنها سرعان ما تنهار إذا استمر الجفاف سنوات عدة وغارت المياه من الآبار، أو كانت الكارثة قويةً كالعواصف والبَرَد والجراد، ويكون الأثر أسرع لدى فئات المجتمع الفقيرة
 
ومثلما يحرص كتاب الحوليات على الاهتمام بأخبار السنوات الرغيدة التي تكثر فيها الأمطار ويعم الرخاء، فهم يحرصون كذلك على الاهتمام بأخبار السنوات العجاف والكوارث، لأنها تقضي على المحصولات والدواب، وتؤثر في حياة الناس بشكل عميق، ولذلك يسمون كل واحدة منها بتسمية خاصة؛ وقد أورد أحد المؤرخين النجديين وصفًا لإحدى هذه الكوارث التي أُطلق عليها اسم (سحي) أو (محي)، وقد استمرت سنوات عدة وكان لها أضرار بالغة في حياة بادية نجد وحاضرتها  
 
وهذه الرواية للتدليل على مدى تأثير الكوارث في حياة الناس، فقد كانت بداية قحط سحي في سنة 1135هـ / 1722م، ولكن شدته كانت في السنة اللاحقة، إذ عمَّ البادية والحاضرة من الشام إلى اليمن، وماتت الأغنام والإبل، واضطر كثير من البادية بعد أن هلكت مواشيهم إلى البقاء في البلدان، أما على مستوى الحاضرة فقد غارت آبار المياه في إقليم سدير، ولم يبقَ في بلدتي العطار والعودة من آبار المياه إلا ركيتان (الركية بئر صغيرة ينضح منها الماء)، وفي هذه السنة والتي بعدها رحل كثير من أهل نجد إلى العراق والأحساء، وقد لخص أحد أدباء منطقة سدير ضائقة الناس وتشتتهم في بيتين من الشعر:
 
غـدا  النـاس أثلاثًـا فثلـث شـريدة     يلاوي صليـب البيـن عـار وجـائع
وثلـث  إلـى  بطـن الثرى دفن ميت     وثلث  إلـى الأريـاف جـال وناجع  
في أواخر القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) لوحظ تناقص حملات أشراف مكة على نجد، وبخاصة بعد أن تمكن بنو خالد من انتزاع السلطة من الدولة العثمانية في الأحساء، وتأسيس دولة لهم في شرق الجزيرة العربية، لم ينتظر بنو خالد طويلاً، فبعد أن استقرت الأمور لبراك بن غرير في الأحساء، قام بأولى حملاته على نجد سنة 1081هـ / 1670م وتوغل في منطقة العارض، وهي قلب منطقة الرياض كما تعرف إداريًا في وقتنا الحاضر، وهاجم قبيلة الظفير ثم تقدم وهاجم آل نبهان قرب سدوس  
تواصلت الحملات الخالدية على نجد، وقد كانت في معظمها موجهة ضد البادية، ففي صيف سنة 1090هـ / 1679م هاجم براك بن غرير بعض القبائل النجدية مبتدئًا بقبيلة السهول على مورد ماء رماح، ثم اتجه إلى مورد ماء الحرملية بالقرب من القويعية حيث تقطن بعض فئات من قبيلة قحطان، ولكنهم أنذروا بقدومه فانسحبوا وتبعهم بقواته إلى وادي الخنقة (وادٍ مشهور يقع في محافظة القويعية)، ودارت بين الطرفين معركة شرسة كانت الخسائر فيها كبيرةً من كلا الطرفين  .  وبعد وفاة براك خلفه أخوه محمد، وكانت أولى حملاته على منطقة الرياض سنة 1094هـ / 1683م، وتحديدًا بلدة اليمامة بإقليم الخرج  .  ويبدو أن هذه الحملة الموجهة إلى مناطق حضرية لم يكن هدفها الكسب فحسب، بل كانت من أجل التوسع والضم المباشر، فالخرج منطقة غنية زراعيًا، وقريبة من الأحسا
 
وهكذا نرى أن نفوذ بني خالد أخذ بالازدياد في نجد بشكل عام، ومنطقة الرياض بشكل خاص، ولكن هذا لا يعني انقطاع حملات الأشراف، فقد استمرت الحملات من كلا الجانبين إلى ما بعد قيام الدولة السعودية الأولى، وعلى الرغم من هذه الحملات الخارجية، إلا أن الوضع الداخلي في هذه المنطقة ظل مضطربًا، فلم تتمكن أي من هاتين القوتين المتنافستين من فرض سيادتها على المنطقة
 
شارك المقالة:
61 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook