العلاج الشعبي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العلاج الشعبي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

العلاج الشعبي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
عرف سكان منطقة مكة المكرمة - سواء الحضرية منها أم الأجزاء الأخرى - أنماطًا متعددة من الطب الشعبي، وسيتم تناول أبرز الطرق في العلاج الشعبي في كل من مدن المنطقة وقراها وباديتها على النحو الآتي
 

 العلاج الشعبي في المدن

 
كان العطارون في مدن المنطقة يقومون بدور الطبيب والصيدلي معًا، فيشخصون الداء ويصفون الدواء، وقد حرص العطارون على كسب ثقة زبائنهم، إذ كانوا يبذلون قصارى جهدهم لمنح كامل وقتهم لمرضاهم، كما كانوا يحرصون على التماس الشفاء لمرضاهم أكثر من حرصهم على تحقيق الربح، لذلك فإن وصفات العطارين كانت لا تتجاوز قيمتها ريالاً واحدًا مهما بلغت تكلفتها أو ندرتها أو مهما بذل في جمعها وتركيبها
وكان العطارون يحرصون على اختيار مساعدين لهم يكونون موضع ثقتهم ويتحلون بالأمانة وعشق المهنة، وكانوا يسافرون من مكان إلى آخر للبحث عن أعشاب جديدة أو وصفات أخرى في عدد من البلدان المعروفة آنذاك بالطب الشعبي أو الأعشاب الطبية، مثل الهند وغيرها. وقد كان العطار يَعِد مرضاه بالبحث لهم عن وصفات جديدة في سفره يعود بها إليهم لمعالجة بعض الأمراض التي لم يجد لها علاجًا ضمن ما لديه من أعشاب أو وصفات، كما كان العطارون يتبادلون فيما بينهم الوصفات التي عرفوها أو تعلموها في سفراتهم، مما يزيد من خبراتهم العلاجية ويوجِد بينهم نوعًا من الروابط القوية والمصالح المشتركة التي تساعد على تبني وصفات محددة معروفة ومقننة لكل مرض
وتختلف الوصفات التي يصفونها من مرض إلى آخر، كما أنها تمتد لتشمل الأصحاء أيضًا ممن لا يعانون من أي مرض وإنما يريدون زيادة القوة أو ما يعرف بـ (الفتوة)، لذا كان الذين يميلون إلى الفتوة في المدن بمنطقة مكة المكرمة يحرصون على سؤال العطار عن أبرز الوصفات التي تزيد من تماسك العضلات، وتحفظ قوتها وتناميها. وكثيرًا ما كان العطار يزودهم بعدد من الوصفات التي تفتح الشهية للطعام مثل (العطرون، والدقة) وهي وصفة يقوم العطار بجمعها من ثمانية أصناف هي: الملح الأسود، وملح الليمون، والليمون الناشف، والفلفل الأسود، والكمون، والزعتر، والشمر، والنانخا. إذ يقوم (الفتوة) باللحس منها قليلاً قبل البدء في الأكل بلحظات فتفتح شهيته ونهمه للأكل. أما الشخص الهزيل فقد كانوا يصفون له وصفة خزف البقر المكونة من اللوز الحجازي، وعين الجمل، والقعقع، والفستق، والبندق، والزبيب
أما من يبحث عن الرشاقة فقد كانوا ينصحونه باستخدام رِجل الأسد (وهو نوع من مواد العطارة) أو لف السبع، ويضاف إلى أحدهما قليل من البابونج، مما يساعد على إنقاص الوزن وإذابة الشحوم ولا يسمح بزيادة الوزن
 
وكما كان العطارون يقومون بمعالجة الناس في مدن المنطقة فقد كانوا أيضًا يقومون بدور الأطباء البيطريين الشعبيين لمعالجة الحيوانات، ويلجأ إليهم مربو الحيوانات وخصوصًا الأبقار لأهمية لبنها. ويحرص اللبَّانون - وهم باعة الحليب - على التواصل مع العطارين، إذ يحصلون منهم على وصفات من شأنها أن تزيد من قوة البقرة وتزيد من كمية الحليب التي تنتجها يوميًا، كما كانوا يقومون بعلاج البقر. وكان اللبانون يترددون على العطارين للحصول على وصفات تطرد عن أبقارهم الحشرات والزواحف، أو تمنع إصابة الأبقار بالأمراض نتيجة نقل تلك الحشرات لها. وغالبًا لا تخرج تلك الوصفات عن البصل الحولي، وقشر الثوم، وورق العنب، والحلتيت، وقرن أي حيوان، إذ يخلط اللبَّان هذه الأصناف وتبخر بها حظيرة البقر
 
أما حين تنفر البقرة من صاحبها وترفض السماح له بحلبها فإنهم غالبًا ما يعزون ذلك إلى العين، ومن ثم يذهبون إلى العطار الذي ينصحهم بوصفة تتكون من (شوك القنفذ، وعين العفريت، والشذاب، والفطيمون، والفاسوخ، والكلخ) وجميعها تشكل وصفات يعرفها العطارون، وحين حصول اللبَّان على تلك الوصفة من العطار يذهب غالبًا إلى الدباغ الذي يقوم بصنع حرز من الجلد توضع به تلك الأصناف، ثم يخاط بإحكام ويعلق في رقبة البقرة
 
ويلجأ اللبانون في بعض الأحيان إلى تلك الوصفات من باب الوقاية، فيعمدون إلى تعليقها على بقراتهم لحفظها من العين والحسد، وعند ولادة البقرة يلجؤون إلى العطار لإعطائهم وصفة تتكون من الصبر الناشف، كما يقومون بتبخير البقرة ومولودها والركن الذي اختارته لتبقى به مع مولودها خلال الأيام الأولى من الولادة، وذلك لمنع أي عين حاسدة قد تصيب بقرتهم أو وليدها
 
ويقوم العطار بعلاج بعض الأمراض التي تصيب البقر فعند انتفاخ بطن البقرة واضطرابها يصف لها العطار (الشيح)  ، أما إذا أصابها الإسهال فإنه يعطيها البن المذاب في الماء، وحينما تصاب بالسعال الديكي يقوم بكيِّها في الرقبة والصدر والكتف، وفي حالة إصابتها بأورام على الظهر يقوم بدهنها بـ (طين الأرمل)
 
أما حين تظهر حساسية على لسان البقرة فإنهم يصفون لها (العطرون)، إذ يتم دقُّه، ثم يتعاون اثنان: أحدهما يقوم بفتح فم البقرة بينما يقوم الآخر بدعك لسانها بشدة بالعطرون حتى يزيل المرض. أما إذا رفضت البقرة التزاوج مع الثيران ونفرت منهم فإنهم غالبًا ما يصفون لها (العصرب)، إذ يرون أنه يزيد من رغبة البقرة في التزاوج، فيقوم اللبان بدهنها بالعصرب ثم يعرضها على الثيران
 
كما أن لدى العطارين وصفات يعتقدون أنها تعيد إلى البقرة شبابها ولياقتها عند تقدم العمر بها، ومن تلك الوصفات (الطخ والكشري)، إذ يقومون بدقهما وتخميرهما مع الماء وإطعامهما للبقرة باستمرار مما يجعلها أكثر نشاطًا وإنتاجًا للحليب
 

العلاج الشعبي في القرى والبادية

 
عرف سكان القرى والبادية عددًا من أساليب الطب الشعبي لمعالجة الإنسان والحيوان والنبات. ويسمى الطبيب الشعبي (الطبيب العربي)، وقد كان الطبيب العربي يفحص المريض ويحدد مكان الألم ثم يقترح العلاج المناسب الذي إما أن يكون الكي، أو أنواعًا محددة من العسل، أو الأعشاب، أو الحمية، أو الحجبة وهي (العزل بوضع المريض في مكان معزول لا يرى فيه النور أو الناس)، أو المشي، أو الرقية، وقد يجمع الطبيب بين أكثر من طريقة لمعالجة المرض الواحد. كما برع الأطباء الشعبيون في تجبير الكسور، بل إن بعضهم كان يمارس بعض أنواع الجراحة الصغرى، وكان بعضهم يجمع إلى جانب الطب الحكمة. كما كانت الأسر ذاتها تقوم بأنماط متعددة من العلاج الشعبي في حياتها اليومية، مما يساعد على سلامة أفرادها وصحتهم
 
وقد عرف الأطباء الشعبيون في قرى المنطقة وباديتها عددًا من الأمراض التي تصيب الناس وأسبابها كما عرفوا علاجها، ومن ذلك الحمى التي كانوا يسمونها (السخونة)، وهي الحمى الشديدة الناتجة عن التعرض للبرد، أو من ضربة الشمس، وقد عالجوها بالماء البارد يُشربونه للمريض ويستحم به بعد المغرب وقبيل الشروق، وعادة تكون الحمى مع قدوم الصيف وكثرة المياه ووفرة اللبن المخضوض أو المخيض
 
كما عالجوا الدم الفاسد الذي كانوا يشخصونه بأعراض منها: الدوخة والكسل، وآلام الأرجل، ودمامل تصيب البعض في سن 15 - 35 سنة، وقد عالجوا ذلك بالحجامة  ، أو جَرح الجيوب الأنفية من الداخل حتى تسيل منها الدماء. أما الدمامل فقد كانوا ينسبونها إلى الدم الزائد، ويشخصونها بالصداع والآلام في مكان الدمل وكسل بالمفاصل، وكانوا يعالجونها بالحجامة  . كما يعالج الأطباء الشعبيون مرض عرق النسا الذي يصيب الكبار في الأرجل وبخاصة الرجل اليسرى، إذ يرجعونه إلى العين والحسد، وقد عالجوه بالكي. أما مرض الوجه فقد أرجعوه إلى العين وعدم ذكر الله، أو إلى أثر وقوع مصيبة وفاجعة على النفس، والحزن الشديد، وهو مرض يصيب نصف الوجه فتشل حركة العين وتأخذ في الانقباض والانكماش، ويتجعد الخد ونصف الفم وتثقل حركة اللسان، وقد يؤدي إلى شلل دائم بنصف الوجه وعالجوا هذا المرض بالكي خلف الرأس، وقد يحبسون المريض في مكان مظلم لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أسابيع، وهي (الحجبة) التي سبق ذكرها
 
وقد نسبوا الجنون والعين والفجعة إلى السحر والأرواح الشيطانية ويعالجونها بالقرآن، أو عن طريق بعض المشعوذين الذين يدعون العلم بالغيبيات. كذلك عرفوا أمراض الصدر من كحة وسعال وسل ويسمونه الجنبة (أبوجنب) أو (الجنب) ونسبوا ذلك إلى البرد الشديد وسوء الهواء، وعالجوا السل بالكي
 
أما الكسور والفك والفتاق فقد برع منهم كثيرون في طب الجبارة فاستخدموا الخشب والأعواد وغراء الطّبّاق وهو شجرة جبلية لها أوراق طويلة ودقيقة خضراء تفرز ما يشبه الصمغ. ويوصون المكسور بشرب الحليب مع صفار البيض والعسل والثفاء (حب الرشاد)  . أما الفتاق والفك فيعالجونهما بالضماد والدهان وأكل البيض والتمر مدة أسبوعين
 
كما عرفوا أيضًا مرض الوخم ويسمونه (الوباء) ويظهر هذا المرض في المناطق الحارة التي تكثر فيها الأمطار المتوالية في فصل الصيف، وقد عالجوا هذا المرض بالعسل والبعد عن الأرض الموبوءة
 
وفيما يأتي سيتم استعراض بعض الوصفات الطبية الشعبية الشائعة في قرى المنطقة وباديتها وفقًا للتصنيفات الطبية العامة؛ حتى يسهل تحديد الأمراض وشرح الطرق الشعبية لمعالجتها
 
شارك المقالة:
315 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook