العمران بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العمران بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

 العمران بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعد منطقة مكة المكرمة من أقدم مناطق شبه الجزيرة العربية عمرانًا، والعمران في المنطقة وثيق الارتباط بمكة المكرمة من خلال وظائفها الدينية؛ لوجود المسجد الحرام  ، ولوظيفتها التجارية بحكم أنها تتخذ مركزًا وسطًا بين جنوبي شبه الجزيرة العربية) اليمن)، وشماليها (بلاد الشام)، وحتى مدن المنطقة الأخرى وقراها الرئيسة مثل: جدة والطائف والليث والقنفذة وعكاظ ومجاز وذي المجنة والشعيبة ومر الظهران وسواها
وقد تميزت مكة المكرمة بطابعها الحضاري ونشاطها التجاري ومكانتها وأهميتها الدينية، وتعدد لغاتها، وثقافتها، وعملاتها، وأوزانها، وتنوع الصناعات بها من فارسية وبيزنطية ويمنية، بالإضافة إلى وجود طوائف من العرب
أما سهل تهامة فقد كان مسكونًا منذ أزمنة مبكرة، ففيه تمارس التجارة مع العالم الخارجي عن طريق النقل البحري، بالإضافة إلى التجارة باستخدام القوافل وكان صيد الأسماك والزراعة -وإن كانا محدودين -كفيلين بتوفير الأساس الاقتصادي الذي يسمح بقيام مراكز عمرانية على طول الساحل التهامي للمنطقة، وقد أشار المؤرخون والرحالة إلى كثير من ذلك. وبظهور الإسلام أضيف عنصر جديد دافع للحركة العمرانية القائمة وقتئذٍ، وذلك بتوسع ما كان موجودًا من مدن وقرى، فقد استقرت قبائل عربية كثيرة، ودخلت تطورات جوهرية على تصاميم المساكن ومواد بنائها بسبب الأفكار الجديدة التي حصل عليها مواطنو المنطقة نتيجة احتكاكهم بالمسلمين من خارجها من خلال الفتوحات، والحج، والتجارة
 

 أنماط العمران 

 
أ - مراكز العمران الريفي:
يتبين من توزيع القرى في منطقة مكة المكرمة أن أقل أعداد القرى يتبع لمدينة مكة المكرمة (مقر إمارة المنطقة) ومحافظتي جدة وتربة، بينما تكثر أعدادها في محافظة الطائف، ويمكن أن يعزى السبب في قلة أعداد القرى في محافظة جدة ومدينة مكة المكرمة إلى أن أعلى معدلات التحضر يرتفع فيهما، أما قلة عدد القرى في محافظة تربة فربما يعزى إلى صغر مساحتها، وقربها من هوامش الصحراء، وضعف مواردها الاقتصادية، مما يقلل فرصة استيعابها أعدادًا كبيرة من المستوطنات السكانية
وتعد محافظة الطائف أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة من حيث عدد القرى، إذ يبلغ عددها 956 قرية، أي ما يقارب ثلث عدد القرى في المنطقة كلها، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها كبر مساحة المحافظة48100كم  ، مع توافر إمكانية جيدة لممارسة نشاط زراعي ورعوي فعال، فضلاً عن الظروف المناخية (الاعتدال صيفًا).
ولم يعد كثير من سكان القرى يمارس الزراعة بنفسه، وإنما يستعين بالعمالة الوافدة منخفضة الأجور، وتستفيد عملية تسويق المنتجات الزراعية والرعوية التي تجد طريقها إلى حواضر المنطقة الكبرى (جدة، مكة المكرمة، والطائف) من شبكة نقل متميزة، بما في ذلك وصلاتها الترابية والزراعية 
كما أن ارتفاع معدلات الطلب على الخضراوات والألبان والفواكه ضمن لهذه القرى أسواقًا دائمة ذات قوة شرائية مرتفعة، ومن الملاحظ كذلك أن محافظتي القنفذة والليث فيهما عددٌ كبير من القرى أيضًا، وقد يعود ذلك إلى أنهما محافظتان ساحليتان يمر في نطاقيهما عدد من الأودية التي ينتشر على جوانبها عدد من القرى، كما أن لمحافظة الليث ظهيرًا جبليًّا تلاليًّا ينتشر به عدد من القرى
وهناك أنشطة أخرى تتصل بالبحر بما في ذلك التجارة الساحلية، هذا من حيث العدد المطلق للقرى، بيد أن إدخال متغير آخر بوصفه منطقة نفوذ لكل قرية يعطي ترتيبًا مختلفًا لمحافظات المنطقة، ويوضح (جدول 49) أن أكبر مناطق النفوذ في المتوسط كان لقرى المقر الإداري لمكة المكرمة، وأصغرها لمحافظة الكامل، وقد جاء ترتيب المحافظات من حيث مناطق نفوذ القرى مختلفًا عن ترتيبها من حيث العدد المطلق للقرى في كل محافظة عام 1423هـ / 2002م
 
ب - مراكز العمران الحضري:
في عام 1413هـ / 1992م كان عدد المدن في منطقة مكة المكرمة 19 مدينة، أي ما يعادل نحو 11% من المراكز العمرانية مدنًا وقتها  ،  وفي عام 1425هـ / 2004م بلغ عدد المدن 23 مدينة، منها 9 مدن يراوح عدد سكانها بين 5000 و 10000 نسمة، يليها خمس مدن من فئة 20- 25 ألف نسمة، ثم ثلاث مدن من فئة 15 - 20 ألف نسمة، ومدينة واحدة فقط من كل فئة من الفئات الآتية: 25 - 50 ألف نسمة، 100 - 250 ألف نسمة، و 500 ألف -مليون نسمة، هذا فضلاً عن مدينتين مليونيتين
وقد بقيت جدة ومكة المكرمة والطائف متصدرة المراكز الحضرية في المنطقة عام 1425هـ / 2004م، كما كان عليه الحال في تعدادي 1394 و 1413هـ / 1974 – 1992م، وجاءت مدينة الحوية في المركز الرابع بعدد سكان بلغ 132078 نسمة، بينما كانت أعداد سكان المدن المتبقية كلها دون الـ 100000 نسمة وفقًا للنتائج الأولية لتعداد 1425هـ / 2004م مثل القنفذة والليث وتربة ورنية والخرمة ورابغ والكامل وخليص والجموم، أي مقار المحافظات الموضحة 
وغلبت ظاهرة التحضر التي هي سمة لكل المملكة 86% عام 1425هـ / 2004م   على المنطقة بحيث إن 97% من سكان محافظة جدة يقيمون في مدينة جدة، وتتوزع النسبة المتبقية نحو 3% على المراكز التي تتبع إداريًّا للمحافظة، أما بالنسبة إلى مقر المنطقة الإداري (مدينة مكة المكرمة)، فيقيم بها -وحدها - نحو 97% من السكان، في حين يتوزع البقية (أي 3%) في المراكز العمرانية الأخرى التابعة لمدينة مكة المكرمة، ولأن محافظة جدة ومدينة مكة المكرمة هما من أقدم مراكز العمران في المنطقة، ولأنهما مدينتان مليونيتان حسب تعداد 1425هـ / 2004م، فإنهما - وحدهما - تستأثران بما يقارب 70% من إجمالي سكان المنطقة
أما مدينة الطائف فتختلف قليلاً عن جدة ومكة المكرمة؛ فهي ليست مليونية كما أن 59% فقط من سكان المحافظة يقيمون فيها حسب البيانات الأولية لتعداد 1425هـ / 2004م، ويتوزع ما تبقى على مراكزها الإدارية التي يصل عددها إلى 37 مركزًا. ويتبع لمحافظة الطائف مدينتا الحوية وظلم، فضلاً عن أن معظم مقار المحافظات الإدارية تُعد مدنًاحسب تصنيف مصلحة الإحصاءات العامة الذي يصنف كل مركز عمراني مدينة إذا زاد سكانه على 5000 نسمة، ويوضح (جدول 50) عدد سكان المدن الخمس الرئيسة في المنطقة، ونسبة سكان كل مدينة إلى إجمالي سكان المنطقة
أن عدد سكان المدينتين الرئيستين -مكة المكرمة وجدة - قد زاد بشكل كبير، فقد تضاعف عدد سكان مدينة جدة خمس مرات، في حين تضاعف عدد سكان مدينة مكة المكرمة ثلاث مرات تقريبًا، وذلك خلال الفترة 1394 – 1425هـ / 2004 -1974م، وهذا يعني نسبة زيادة سكانية تناهز 502% في حالة جدة، و 353% في حالة مكة المكرمة خلال الفترة نفسها، ومن المتوقع أن تنمو المدينتان في المستقبل لتسجل أعدادًا كبيرة
ومن جهة أخرى تشير تعدادات 1394، 1413، 1425هـ / 1974، 1992، 2004م إلى أن ما يزيد على ربع سكان المملكة يقيمون في منطقة مكة المكرمة، وتضم المنطقة مدينتين من بين أكبر خمس مدن في المملكة العربية السعودية، هما: جدة ومكة المكرمة ويتركز نحو نصف سكان المنطقة في مدينة جدة وحدها، وهو أمرٌ متوقع لأنها المركز التجاري الأول والميناء الأكبر، وتعد ميناء مكة المكرمة للحج والعمرة، فضلاً عن مزاياها السياحية والحضارية، كل هذا جعل القاعدة الاقتصادية لجدة قوية ومتنوعة، إضافة إلى كونها مدينة مهيمنة (Primate City) على مستوى المنطقة، كما أن وجود قنصليات كثير من الدول فيها، وانتقال بعض الفعاليات السياسية للدولة إليها خلال فترة من العام يزيد من قوتها بوصفها قطبًا حضريًّا كبيرًا جاذبًا للسكان من داخل المنطقة وخارجها
وبلغ معدل نمو مدينتي جدة ومكة المكرمة 7% خلال الفترة 1394 - 1413هـ / 1992 -1974م؛ أي نحو ضعف معدل نمو السكان في المملكة، مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية لأن عدد سكان المدينتين سوف يتضاعف خلال 10 – 12 سنة، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان جدة إلى 8 ملايين بحلول العام 1440هـ / 2019م، وسكان مكة المكرمة إلى نحو ثلاثة ملايين إذا ما استمرت معدلات النمو السنوي على مستوياتها الحالية، (جدول 51) . إن مثل هذه الزيادة تحتاج إلى مواكبتها من حيث ضرورة إيجاد فرص عمل جديدة للأعداد السكانية المتزايدة إلى جانب توفير التعليم والإسكان والصحة والبنى التحتية والمرافق العامة، وتشير دراسات الإستراتيجية العمرانية الوطنية التي أعدتها وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى توطن 80 - 85% من المؤسست الوطنية الصناعية في المدن الخمس الرئيسة ومن بينها جدة ومكة المكرمة
 
وكانت منطقة مكة المكرمة تضم 6 مدن عام 1394هـ / 1974م، ثم قفز عدد المدن بالمنطقة إلى 10 مدن في عام 1406هـ / 1986م، وإلى 19 مدينة من بين 177 مدينة في المملكة عام 1413هـ / 1992م، وارتفع هذا العدد إلى 23 مدينة في عام 1425هـ / 2004م من بين 212 مدينة في المملكة، وظهرت مدينتان مليونيتان هما جدة ومكة المكرمة
شارك المقالة:
75 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook