العمران في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العمران في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

العمران في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.

 

تاريخ العمران

تدل الشواهد الكثيرة والمتنوعة والآثار الباقية في منطقة الجوف على قِدَم تاريخ الاستيطان والعمران البشري فيها، وأنها كانت قبل الإسلام على اتصال بالحضارات المجاورة في بلاد الرافدين وبلاد الشام، كما تدلُّ على أنها أثرت في عدد من الأحداث التي مرت بالمنطقة وتأثرت بها.
 
وفي منطقة الجوف يوجد أقدم موقع أثري معروف بالمملكة والجزيرة العربية، وأحد أقدم مراكز الاستيطان البشري في العالم، فقد عُثر في موقع الشويحطية 35كم شمال مدينة سكاكا على أدوات حجرية تعود إلى ما قبل مليون سنة، كما عُثر على شواهد أثرية وعمرانية أخرى تعود إلى العصر البرونـزي وما بعده  .  هذا إلى جانب عدد من الشواهد والمعالم الأثرية الأحدث التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وإلى العصور الإسلامية الأولى، وكلها تؤكد قِدَم عمران المنطقة 
 
ومن هذه الشواهد والآثار القائمة حاليًا: قصر (حصن) مارد  ، وجزء من السور القديم، ومسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكلها توجد بمدينة دومة الجندل، وهناك القصور والقلاع الأثرية قرب مدينة سكاكا مثل: قصر (قلعة) زعبل، وتل الساعي، وبئر سيسرا، وقلعة الطوير، وقلعة قارا، وأعمدة الرجاجيل التي تقع على بُعد 10كم إلى الجنوب الغربي من مدينة سكاكا. وفي محافظة القريات تظهر شواهد العمران القديمة في قرى كاف، وأثرة منوى (منوة)، وغيرها.
 
لقد كان لموقع المنطقة الحيوي على الأطراف الشمالية لصحراء النفود الكبير  ،  وعلى مفترق الطرق المؤدية إلى مناطق الحضارات القديمة شمال الجزيرة العربية، أن جعلها تمثل بوابة الصحراء ومركزًا وطريقًا مهمًا لتحركات القبائل منذ القدم، ونقطة عبور لطرق التجارة والقوافل بين غرب الجزيرة العربية وبلاد الشام ووسطها وجنوبها وبين بلاد الرافدين.
 
ويمثل منخفضا الجوف ووادي السرحان أهم المعالم الطبيعية في المنطقة، وأكثرها تأثيرًا في نشأة مراكز العمران، وتوزيعها، وحجمها. وفيهما نجد قاعدة التركز السكاني في المنطقة وأهم مراكز العمران.
 
ويتمتع منخفض الجوف - حيث توجد أقدم مراكز الاستيطان والعمران - بموقع جغرافي مميز، وحماية طبيعية، وبوفرة المياه، وخصوبة التربة. وبالإضافة إلى مدينة دومة الجندل، يقع في حوض الجوف وعلى أطرافه عدد من مراكز الاستقرار القديمة والحديثة أهمها مدينة سكاكا (مقر إمارة منطقة الجوف) وبلدان: قارا، وسكاكا، وهديب، واللقايط، والفياض. وعلى أطرافه الشمالية الشرقية هناك بلدتا صوير وزلوم، يقابلهما في الطرف الجنوبي الشرقي وفي لغف النفود الكبير بلدة خوعاء  
 
لقد مثلت دومة الجندل بحصنها الشهير (مارد) بوابة شمالية للجزيرة العربية على مداخل الصحراء، وأدت دورًا مهمًا في تاريخ الجزيرة العربية. ولموقعها الجغرافي وتوسطها بين عدد من الحواضر القديمة وخصوبة أراضيها ووفرة المياه العذبة فيها، اكتسبت دومة الجندل أهمية كبيرة في فترات سابقة للميلاد. ولوجود عدد من القبائل العربية في المناطق المجاورة لها عُدّت دومة الجندل من أُمَّات القرى في بلاد العرب التي احتضنت ثقافات شتى، وكانت تُقام بها في الجاهلية سوق من أقدم أسواق العرب وأهمها، كما كانت أيضًا عاصمة لعدد من الممالك العربية.
 
واهتم بها المسلمون والخلفاء والولاة خلال الفتوحات الإسلامية المبكرة؛ حيث كانت معبرًا لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقًا وشمالاً، وشيد فيها مسجد سُمّي فيما بعد مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه  
 
أما وادي السرحان الذي يمتد داخل حدود المملكة إلى مسافة تقارب 300كم من أقصى حدودها الشمالية عند منفذ الحديثة باتجاه جنوبي - شرقي حتى مرتفعات الأضارع غرب دومة الجندل، فهو بخصائصه الطبيعية كان أحد أبرز العوامل المؤثرة في عمران المنطقة. ويتميز وادي السرحان بوفرة المياه السطحية والجوفية؛ ما أدى إلى قيام مراكز الاستقرار والزراعة منذ القدم، وعلى طول امتداده توجد الآبار وموارد المياه الغنية، كما يكثر فيه الملح أيضًا، وتمتاز ممالحه بوفرة الإنتاج وجودة النوعية.
 
ويقع على امتداد الوادي عدد من الموارد والقرى والمدن المأهولة والمزارع. وينخفض وادي السرحان عما يحيط به، لهذا كان يستخدم طريقًا تجاريًا مهمًا بين الشام ووسط الجزيرة العربية. وقد أنشئ طريق معبد قرب مسار طريق القوافل القديم. ومن أهم المدن والقرى والموارد الواقعة عليه مرتبة بدءًا من الشمال: الحديثة، والقريات، وغطي، والناصفة، وجماجم، والبديع، والرديفة، والمحيضر، وقليب خضر، والأمغر، والعيساوية، وصديع، والقدير، والمعاصر، والفياض، وأويسط، وطبرجل، والميسري، والنباج، وآبار شيبة، والنبك أبو قصر، وعين الجراوي، وصبيحة.
 
وإلى الغرب من وادي السرحان يمتد سهل البسيطاء (بسيطاء) الزراعي الواسع، الخصب والغني بالمياه الجوفية، وقد تحول هذا السهل الذي كان من أبرز مناطق الرعي شمال المملكة إلى إحدى أهم المناطق الزراعية في المملكة، فقامت فيه خلال العقدين الماضيين عشرات المشروعات الزراعية الكبيرة الخاصة بزراعة الحبوب والفاكهة إلى جانب مشروعات تربية الماشية  
 
وإلى جانب مراكز العمران القديمة في منخفض الجوف أو في وادي السرحان، فقد كان للزراعة الحديثة وبرنامج توطين البدو وبخاصة في وادي السرحان دور مهم في توسع مراكز العمران القديمة ونموها، وقيام مراكز جديدة أو تحول عدد من موارد المياه إلى قرى ومدن. ويمثل مشروع توطين بادية وادي السرحان الذي بُدئ في تنفيذه عام 1378هـ / 1958م أحد أبرز برامج توطين البادية في المملكة. لقد تحولت مدينة طبرجل التي اختيرت لتكون المركز الرئيس لتوطين بادية وادي السرحان خلال سنوات قليلة إلى مدينة على درجة كبيرة من الأهمية، وتفوقت في عدد سكانها على مدن أخرى سبقتها في النشأة، بل أصبحت تحتل المرتبة الثالثة في الحجم السكاني بعد مدينتي سكاكا والقريات. 
 
وأسهمت شبكة الطرق الحديثة وانتشار وسائل النقل في استقرار الرحل ونمو مراكز العمران. وتدين بعض مراكز العمران الحديثة النشأة بقيامها ونموها إلى مواقعها على الطرق الرئيسة الدولية، خصوصًا المراكز الحدودية مع المملكة الأردنية. ويعدُّ منفذ الحديثة التابع لمحافظة القريات من أهم المنافذ البرية في المملكة؛ إذ يمثل بوابة المملكة ودول مجلس التعاون إلى بلاد الشام. وبجواره قامت مدينة الحديثة الجديدة التي تحتل المرتبة السادسة بين مدن منطقة الجوف التي كان يقطنها عام 1425هـ / 2004م أكثر من ستة آلاف نسمة.
 

مراكز العمران الريفي والحضري  

 
تختلف مراكز العمران في منطقة الجوف من حيث تاريخ نشأتها ومواقعها وأحجامها ونمط تخطيطها والعوامل المؤثرة في نموها. ولقد شهدت منطقة الجوف منذ توحيد المملكة تزايدًا مطردًا في عدد مراكز العمران الريفي والحضري. ويعكس تزايد عدد مراكز العمران الريفي ونمو حجم المدن توجه السكان الرُّحَّل في المنطقة إلى الاستقرار في المدن والهجر أو القرى؛ لأن منطقة الجوف - كما بينت نتائج تعداد 1394هـ / 1974م - كانت ثاني أعلى مناطق المملكة في نسبة السكان الرُّحَّل الذين كانوا يمثلون نحو نصف سكان المنطقة آنذاك  
 
وحسب نتائج تعداد السكان عام 1425هـ / 2004م يوجد في منطقة الجوف ست مدن يبلغ عدد سكان كل واحدة منها خمسة 4آلاف نسمة فأكثر، وهناك 28 تجمعًا سكانيًا آخر يقطن كلاً منها أقل من خمسة آلاف نسمة. ويبلغ مجموع سكان المدن 302.892 نسمة يمثلون نحو 84% من إجمالي سكان المنطقة، أما التجمعات الريفية، فيبلغ عدد سكانها 58.784 نسمة يمثلون نحو 16% من سكان المنطقة. ويبين (جدول 21) تطور عدد مراكز العمران الحضري والريفي وعدد سكانها في منطقة الجوف، بين عامي 1394 و 1425هـ / 1974 و 2004م.
 

مراكز العمران الريفي

 
بلغ عدد مراكز العمران الريفي حسب نتائج تعداد عام 1425هـ / 2004م 28 مركزًا، وكما في (جدول 23) يبلغ متوسط سكان المركز 2.099 نسمة، وهناك ثمانية مراكز عدد سكان كل منها أقل من 1.000 نسمة، وعشرة مراكز يراوح سكان كل منها بين 1.000 وأقل من 2.000 نسمة، وخمسة مراكز بين 2.000 وأقل من 3.000 نسمة، ومركز واحد بين 3.000 وأقل من 4.000 نسمة، وأربعة مراكز أكثر من 4.000 نسمة. وتتوزع هذه المراكز على النحو الآتي:  
 
1 - مدينة سكاكا وتوابعها:
 
يوجد فيها أكبر عدد من مراكز العمران الريفي 14 مركزًا، تمثل نصف عددها في المنطقة، ويبلغ مجموع سكانها 26.282 نسمة يمثلون نحو 13% من إجمالي سكان مدينة سكاكا وتوابعها، وبمتوسط 1.877 نسمة للمركز. ومن مراكز العمران الريفي التابعة لمدينة سكاكا: زلوم، النبك أبو قصر، البسيطاء، هديب، الرفيعة، خوعاء، الفياض، الشويحطية.
 
وبالإضافة إلى مراكز العمران الريفي الواقعة في محيط مدينة سكاكا وإلى الشمال منها على طريق سكاكا - عرعر، مثل: الفياض، وزلوم، وطلعت عمار، أو تلك الواقعة على الأطراف الشمالية للنفود الكبير وإلى الشرق والجنوب من مدينة سكاكا، مثل: هديب، وخوعاء، وعذفاء، يرتبط بمدينة سكاكا عدد من مراكز العمران في الجزء الغربي من منطقة الجوف على وادي السرحان وقرب مدينة طبرجل على طريق دومة الجندل - القريات منها: النبك، أبو قصر، والبسيطاء.
 
2 - محافظة القريات:
 
يوجد فيها سبعة من مراكز العمران الريفي في منطقة الجوف، ويبلغ مجموع سكانها 18598 نسمة، يمثلون نحو 15% من سكان المحافظة، بمتوسط 2.657 نسمة للمركز. والمراكز التابعة للمحافظة هي: الوادي، العيساوية، الناصفة، قليب خضر، الحماد، عين حواس، الحديثة.
 
وتقع مراكز المحافظة على طول امتداد منخفض وادي السرحان، حيث تتوافر المياه، وبعضها مراكز قديمة العمران وبخاصة تلك القريبة من مدينة القريات، كما أن بعضها كانت موارد مياه ومحطات لطريق القوافل والتجارة القديمة بين بلاد الشام والجوف ووسط الجزيرة العربية، وقد نشأت أو توسعت بعض مراكز العمران بعد دخول وسائل الزراعة الحديثة للمنطقة؛ حيث تتوافر المياه في الطبقات الجوفية العميقة إلى جانب خصوبة التربة.
 
3 - محافظة دومة الجندل:
 
يوجد فيها سبعة من مراكز العمران الريفي في منطقة الجوف، مجموع سكانها 13904 نسمات، يمثلون نحو 35% من إجمالي سكان المحافظة، وبمتوسط 1.986 نسمة للمركز. والمراكز التابعة للمحافظة هي: ميقوع، وأبو عجرم، والأضارع، والرديفة، والشقيق، وصفان، والثنية أم نخيلة.
 
تتركز مراكز العمران التابعة لمحافظة دومة الجندل في الناحية الغربية على الطريق بين منطقتي الجوف وتبوك، أو في الجهة الجنوبية من مدينة دومة الجندل على الأطراف الشمالية للنفود الكبير، وبعضها يقع داخل النفود الكبير، وكانت بداية نشأة عدد من هذه المراكز بوصفها محطات وموارد مياه لطرق القوافل والتجارة القديمة.
 
ويوضح (جدول 22) توزيع مراكز العمران الحضري والريفي وعدد سكانها ونسبتهم في منطقة الجوف حسب المحافظات لعام 1425هـ / 2004م.
 
ب - مراكز العمران الحضري:
 
حسب نتائج تعداد السكان عام 1425هـ / 2004م يوجد في منطقة الجوف ست مدن، يعيش فيها نحو 84% من إجمالي سكان منطقة الجوف، مقارنة مع سبع مدن عام 1413هـ / 1992م كان فيها نحو 78% من السكان، ومع أن عدد المدن نقص واحدة، إلا أن نسبة سكانها لسكان المنطقة قد ارتفعت  .  في حين أنه في عام 1394هـ / 1974م كان في منطقة الجوف ثلاث مدن هي: مدينة سكاكا مقر إمارة المنطقة، وكانت تضم نحو 15 ألف نسمة يمثلون نحو 17.6% من إجمالي سكان منطقة الجوف آنذاك، ومدينة القريات وكان فيها نحو 12 ألف نسمة يمثلون نحو 13.5%، ومدينة دومة الجندل، وكان بها نحو ستة آلاف نسمة. وما سبق يوضح أن منطقة الجوف قد شهدت زيادة سريعة في التركز الحضري خصوصًا في مدينتي سكاكا والقريات.
 
وفي الوقت الحاضر تتوزع مدن المنطقة على النحو الآتي: مدينة سكاكا، مقر إمارة منطقة الجوف، وأكبر مراكزها الحضرية. وبالإضافة إلى مدينة سكاكا يرتبط بإمارة المنطقة مباشرة مدينتان هما: مدينة طبرجل، ومدينة صوير. وتقع مدينة صوير على مسافة نحو 25كم إلى الشمال الشرقي من مدينة سكاكا، ويبلغ عدد سكانها 8.340 نسمة، في المرتبة الخامسة بين مدن منطقة الجوف، والمرتبة 146 بين مدن المملكة. وتصنف صوير إداريًا بكونها مركز فئة (أ)، كما يوجد فيها بلدية فئة (د).
 
وفي محافظة القريات مدينتان: مدينة القريات، ومدينة الحديثة. وتعد مدينة الحديثة أصغر مدن المنطقة، يبلغ عدد سكانها 6.056 نسمة، وتأتي في المرتبة السادسة بين مدن منطقة الجوف، والمرتبة 186 بين مدن المملكة. تقع (الحديثة) على بُعد نحو 20كم إلى الشمال من مدينة القريات قرب حدود المملكة مع الأردن، وفيها مركز حدودي بين البلدين، وتصنف الحديثة إداريًا بكونها مركز فئة (أ). وهناك مدينة واحدة فقط في محافظة دومة الجندل هي مدينة دومة الجندل مقر المحافظة.
 
وعند تصنيف مراكز العمران الحضري حسب حجم السكان عام 1425هـ / 2004م (جدول 24) يتضح أن التباين بينها ليس كبيرًا خصوصًا بين المدينة الأولى (سكاكا) والثانية (القريات)، أو بين المدينة الثالثة (طبرجل) والرابعة (دومة الجندل)، وبين المدينة الخامسة (صوير) والسادسة (الحديثة). وهذا على خلاف ما هو موجود في مدن المناطق الأخرى المجاورة، مثل: حائل، وتبوك، والحدود الشمالية؛ حيث تنفرد المدينة الأولى بحجم كبير وبفارق واسع بينها وبين المدن التالية لها. فسكان مدينة سكاكا (أكبر المراكز الحضرية) يبلغ عددهم 122686 ألف نسمة، وسكان مدينة القريات، ثاني مدن المنطقة من حيث الحجم أكثر قليلاً من 100 ألف نسمة، ثم تأتي مدينة طبرجل في المرتبة الثالثة بنحو 39 ألف نسمة، ثم مدينة دومة الجندل في المرتبة الرابعة بنحو 26 ألف نسمة، ثم مدينة صوير المجاورة لمدينة سكاكا في المرتبة الخامسة بنحو ثمانية آلاف نسمة، ثم مدينة الحديثة التابعة لمحافظة القريات في المرتبة السادسة والأخيرة بنحو ستة آلاف نسمة.
 
 
شارك المقالة:
65 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook