جاءت التربيةُ الإسلامية ممثلةً في كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآثار سلف الأمة، ذامَّةً ترك العمل بالعلم، قلَّ العلم أو كثر.
قال الله تعالى ذامًّا اليهود الذين علِموا ولم يعملوا: ? مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ? [الجمعة: 5]، فحظُّ مَن لم يعمل بعلمه كحظ الحمار من الكتب التي أثقلت ظهره.
قال ابن القيم رحمه الله عن هذه الآية: فقاس مَن حمَّله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب؛ فقراءتُه بغير تدبُّر ولا تفهُّم ولا اتباع ولا تحكيم له وعمل بموجبه - كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا؛ فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره[1].
ومما ورد في ذمِّ ترك العمل بالعلم قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ? [الصف: 2، 3]، جاء في تفسيرها عند القرطبي قال: وخرَّج أبو نعيمٍ الحافظ من حديث مالك بن دينار عن ثمامة أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتيت ليلة أسري بي على قوم تُقرَض شِفاهُهم بمقاريضَ من نار، كلما قُرِضت وَفَتْ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون))، وعن بعض السلف أنه قيل له: حدثنا، فسكت، ثم قيل له: حدثنا، فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مَقْتَ الله[2].
عن أبي بَرزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن عِلمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟))[3].
إذا العلم لم يعمل به كان حجةً عليك، ولم تُعذَرْ بما أنت حامل
وقد أشار ابن مفلح المقدسي - رحمه الله - إلى هذا الأدب، وتطبيق العلم الذي تعلمه: وقال الخلال: ثنا المروذي قال: قال لي أحمد: ما كتبت حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به، حتى مر بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طَيْبةَ دينارًا، فأعطيت الحجَّام دينارًا حين احتجمت[4].
[1] ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، شمس الدين، ابن قيم الجوزية. إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق: محمد عبدالسلام إبراهيم. دار الكتب العلمية - بيروت. ط1. 1411هـ - 1991م. ج1. ص127.
[2] القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين. الجامع لأحكام القرآن: تفسير القرطبي. (مرجع سابق). ج18. ص 80.
[3] الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك.سنن الترمذي. (مرجع سابق). ج4. ص612. رقم الحديث (2417).
[4] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص97.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.