العهد السفياني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد السفياني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

العهد السفياني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
دخلت المدينة المنورة في نفوذ معاوية بن أبي سفيان قبل توليه الخلافة سـنة 41هـ / 661م بحمــلة بشــر بن أرطأة التي وجهها معاوية بعد التحكيم لانتزاع الحجاز واليمن من يد ولاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد نجح في ذلك فعندما تولى الخلافة كانت المدينة المنورة تحت نفوذه  .  وقد أبدى معاوية اهتمامًا خاصًا بالمدينة المنورة لأهميتها الدينية ومكانتها الخاصة عند المسلمين، وهي في الوقت نفسه مركز تجمع الصحابة وأبنائهم، لذلك حرص على أن تكون في صفِّه وليست ضده، وكان يفضل أن يكون ذلك باللين والمداراة وليس بالقوة، والحرص على كسب ود أهل المدينة المنورة، وعدم تحريك سكانها ضده، والرضا منهم بالطاعة الظاهرة، وعدم التفتيش عن خوابي الصدور من حب أو كراهية  .  ومعاوية من أقدر الحكام على تنفيذ هذه السياسة لما جبلت عليه طبيعته من الحلم، وما عرف به من الدهاء والحكمة وحسن السياسة، فقد روي عنه قوله: (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها، إذا شدوها أرخيتها وإذا أرخوها شددتها)  ،  وقد عمل على كسب القلوب بالإحسان إلى الزعماء بالأعطيات الجزيلة، وكان يكرم من يفد إليه من أهل المدينة المنورة، ويتغاضى عما يبلغه عنهم أو يسمعه من بعضهم من النقد اللاذع فلا يرد عليه، وقد أثمرت سياسة معاوية هذه ركون المدينة المنورة إلى الهدوء طيلة عهده على الرغم من عدم رضا كثير من أهلها عن خلافته، ويمكن القول إن الأغلبية قبلوا بخلافة معاوية لصحبته ومكانته وحسن سياسته، وعاشت المدينة المنورة في عهده حياة يسودها الهدوء والاستقرار، وعاد إليها كثير من سكانها وبخاصة الأنصار الذين خرجوا مع علي بن أبي طالب إلى العراق، وقصدت إليها أعداد كبيرة من الناس لزيارة المسجد النبوي، وأخذ العلم الشرعي من منابعه، وسجلت المدينة المنورة تفوقًا سكانيًا على كل من مكة المكرمة والطائف، وأصبحت مركز الثقل السكاني في الحجاز كله  
 
وتبرز السياسة الإدارية لمعاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد مدى اهتمامهما بإقليم الحجاز عامة والمدينة المنورة بصفة خاصة، فهي تهدف إلى وضع الإقليم تحت الحكم الأموي المباشر، وإشراف الخليفة بنفسه على الإقليم وفي مقدمته المدينة المنورة، وعدم إطلاق يد الولاة فيه كما هو الحال مع الأقاليم الأخرى مثل العراق وخراسان ومصر، واختيار الولاة في المدينة المنورة من الأسرة الأموية مع مراقبتهم وتغييرهم باستمرار حتى لا تكون لهم قوة ينافسون بها على الخلافة  
 
وعند إمعان النظر في ولاة المدينة المنورة في العهد السفياني نجد أنهم يتركزون في بيتين هما: بيت الحكم من الفرع السفياني، وبيت بني العاص الذين جاء منهم الفرع المرواني، فمن البيت الأول الوليد بن عتبة الذي ولاه معاوية في آخر عهده لكسر احتكار بني العاص الإمارة في المدينة المنورة، إذ كان يتناوب الحكم فيها مروان بن الحكم أول أمرائها وسعيد بن العاص الذي خَلَفَهُ في الإمارة، وكانت سياسة أمراء المدينة المنورة الإدارية تنفيذًا عمليًا لسياسة معاوية وابنه يزيد، فهي تقوم على معاملة الناس باللين ما استطاعوا وإذا لم ينفع اللين لجؤوا إلى شيء من العنف المشوب بالحذر  
 
غير أن سياسة معاوية تجاه المدينة المنورة ما لبثت أن تغيرت في آخر عهده بسبب ولاية العهد لابنه يزيد، فقد عارض زعماء المدينة المنورة ولاية العهد ليزيد، ولم يقدموا البيعة ومنهم: الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ما حمل معاوية على القدوم بنفسه إلى المدينة المنورة ســنة 56هـ / 676م، فلم يتمكن من إقـناع الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير بالمبايعة لابنه يزيد بالخلافة من بعده، ولكنه استطاع بدهائه المعهود أن يقنع الناس بأن المذكورين قد بايعا ليزيد، ولم يستطيعا أن ينكرا ذلك والسيوف على رأسيهما  .  وعلى إثر ذلك أخذ معاوية في التضييق على المدينة المنورة لإضعاف قوة المعارضين ومنع تأثيرها على الناس لأنه يعلم تمام العلم أن خطته لإقناع الناس بمبايعتهما سوف تنكشف بعد عودته إلى الشام، وظل أمر هؤلاء المعارضين شغله الشاغل حتى آخر حياته، إذ ترك لابنه يزيد عندما حضرته الوفاة وصية يوصيه فيها بأهل الحجاز عمومًا والمدينة على وجه الخصوص، وذكر فيها أبرز المعارضين لخلافته، وبخاصة الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وكيفية التعامل مع كل منهما  
 
شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook