العهد العباسي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد العباسي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

العهد العباسي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
ترتب على قيام الدولة العباسية سنة 132هـ / 750م انتقال مركز الخلافة من دمشق بالشام إلى بغداد بالعراق، العاصمة الجديدة للخلافة العباسية التي أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة 145هـ / 762م.
 
والواقع أن انتقال مركز الثقل السياسي من الشام إلى العراق أدى إلى تضاؤل أهمية الأجزاء الشمالية الغربية من الجزيرة العربية؛ حيث لا تذكر المصادر المتاحة معلومات عن الحياة السياسية والإدارية في تبوك. غير أنها في هذه الفترة كانت تعد طريقًا للحُجاج القادمين من الشام؛ وذلك بسبب توافر المياه بها وموقعها المتوسط بالنسبة إلى مدن الحجاز الشمالي  .  ولهذا كانت محطة مهمة على درب الحاج الشامي لتوسطها بين دمشق والمدينة المنورة  
 
ويذكر الرحالة المسلمون الذين عاشوا في العصر العباسي 132 - 656هـ / 750 - 1258م بمعلومات عن تبوك منذ القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي وما بعده. وهي معلومات قليلة تقتصر على ذكر تبوك وأهم معالمها، ومن هؤلاء الرحالة؛ الحربي (ت 285هـ = 898م) الذي يشير إلى تبوك بوصفها محطة لحجاج أهل الشام، ويذكر الطريق الذي يبدأ من دمشق ويمر بتبوك فيقول: "... ومن سرغ إلى تبوك، ومن تبوك إلى المحدثة، ومن المحدثة إلى الأقرع، ومن الأقرع إلى الجنينة، ومن الجنينة إلى الحِجر، ومن الحِجر إلى وادي القرى، ومن وادي القرى إلى السقيا... "  
 
ويذكر ابن رستة (ت 290هـ = 902م) تبوك في حديثه عن الطريق من دمشق إلى الشام فيقول: " من دمشق إلى منـزل، ثم إلى منـزل آخر، ثم إلى ذات المنازل، ثم إلى سرغ، ثم إلى تبوك... ثم إلى المدينة"  
 
وكذلك يشير إلى تبوك ابن خرداذبة (ت 300هـ = 912م) في ذكره الطريق من دمشق إلى الشام. ويكرر ما ذكره ابن رستة، فيقول:" من دمشق إلى منـزل، ثم إلى منـزل آخر، ثم إلى ذات المنازل، ثم إلى سرغ، ثم إلى تبوك...، ثم إلى المدينة"  
 
أما الرحالة الإصطخري (ت 340هـ = 951م) ففصل قليلاً عند ذكره تبوك، وذكر معلومات تاريخية قليلة. حيث يقول: " تبوك بين الحجر وبين أول الشام على أربع مراحل نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخيل وحائط ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم... "  
ويتفق ابن حوقل (ت 367هـ = 977م) مع الإصطخري في وصفه تبوك فيورد المعلومات نفسها عنها 
 
أما الرحالة الإدريسي (ت 560هـ = 1164م) فيشير إلى تبوك حيث يقول: " ومدينة تبوك بين الحِجر وبين أول الشام، وأول الشام منها على أربع مراحل في نحو نصف طريق الشام، وبها حصن يطيف بها وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير... "  .  ويشير الإدريسي في رحلته إلى القبائل المستوطنة في المنطقة بين أيلة وتبوك إلى وادي القرى، وهي: لخم، وجذام، وجهينة، وبلي. ويذكر أن " بلادهم بلاد إبل وألبان وأسمان، وهم ينتجعون مراعي هذه الأرضين، ولهم كرم وبذل لما في أيديهم ". ثم يشير الإدريسي إلى مساكنهم وأنواعها ويصف تنقلهم بحثًا عن الكلأ فيقول: " وهم يسكنون بيوت الشعر وينتقلون من موضع إلى موضع، لا يقيمون بمكان، ولهم مصايف ومرابع يدورون عليها وينتقلون إليها مع الدهر، وهم مترددون إليها "  
 
وبالإضافة إلى الرحالة الجغرافيين يذكر أصحاب معاجم البلدان في العصر العباسي معلومات قليلة عن تبوك، وهي معلومات مكررة ولا تضيف شيئًا جديدًا. فالبكري (ت 487هـ = 1094م) يذكر تبوك أنها: " أقصى أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي من أدنى أرض الشام... "  كما يورد البكري خبر إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل.
 
أما الحموي (ت 626هـ = 1128م) فيذكر أن: " تبوك موضع بين وادي القرى والشام، وقيل بركة لأبناء سعد من بني عُذرة "  .  ثم يفصل ياقوت في موقع تبوك فيروي أن تبوك: "بين الحِجر وأول الشام، على أربع مراحل من الحِجر نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي، صلى الله عليه وسلم،... "  .  ويحدد موقع تبوك جغرافيًا فيقول: " وتبوك بين جبل حِسمى وجبل شرورى وحِسمى غربيها وشرورى شرقيها... "  
 
ويُستنتج مما ذكره الرحالة وكُتَّاب معاجم البلدان أن تبوك كانت مدينة عامرة في العصر العباسي وطريقًا لحجاج الشام الذين يجدون فيها ما يلزمهم لإكمال الطريق إلى المدينة المنورة ومنها إلى مكة المكرمة.
 
لم يكن طريق الحاج الشامي المار بتبوك سالكًا طوال العصر العباسي، فخلال سيطرة الصليبيين على بلاد الشام 491 - 583هـ / 1098 - 1187م تعرض طريق الحج المار بتبوك للانقطاع نتيجة غارات الصليبيين ولا سيما في الأردن، حيث وصل الاحتلال الصليبي إلى الكرك (العقبة)، وغزوة أميرها الصليبي رونو دوشاتيون لتيماء سنة 577هـ / 1181م، وهدد قوافل الحج والتجارة، فكان حجاج الشام يبتعدون في مسارهم إلى الداخل، بل إن كثيرًا منهم يضطر إلى مرافقة موكب الحُجَّاج العراقيين  .  وبعد استعادة صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ = 1193م) القدس ومدن الشام من أيدي الصليبيين سنة 583هـ / 1187م  ،  بدأ طريق الحج الشامي المار بتبوك يكتسب أهميته من جديد؛ حيث قامت الدولة الأيوبية ممثلة في أسرة صلاح الدين الأيوبي بالاهتمام بطريق تبوك، وأولته العناية والرعاية، فحفرت الآبار، ومنها بركة المعظم نسبة إلى الملك المعظم (ت 624هـ = 1227م) أحد أبناء الملك العادل الأيوبي.
 
ويشير المؤرخ ابن كثير (ت 774هـ = 1372م) إلى حجة الملك المعظم بن العادل، وما قام به من أعمال خلال حجته، فيذكر أنه في سنة 611هـ / 1214م، حج الملك المعظم بن العادل، حيث تجهز من الكرك على الإبل في الحادي عشر من ذي القعدة، ومعه ابن سوسك مملوك أبيه، وعز الدين أستاذ داره، ومجموعة من المسلمين، فسار على طريق تبوك والعلا.
 
وخلال مسيرة العادل إلى المدينة اهتم بالمدن على الطريق إليها، فبنى بركة منسوبة إليه، ومصانع أخرى. ويعلق ابن كثير على إنجازات الملك المعظم خلال حجته فيقول: " وقد أثر المعظم في حجته هذه آثارًا حسنة بطريق الحجاز، أثابه الله "  
 
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook