العهد العثماني الثاني في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العهد العثماني الثاني في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

 العهد العثماني الثاني في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
خلال فترة عهد الدولة السعودية الثانية لم تكن منطقة الحجاز خاضعة للنفوذ السعودي، وعادت في تبعيتها لحكم محمد علي والي مصر، وظل الأشراف يتولّون إمارتها إلى جانب قائد العسكر التركي سنجق   مدينة جدّة الذي أصبح يُسمّى والي جدة، وبدأت القبائل في شمالي الحجاز لا تهتم بالخروج على الدولة العثمانية والاعتداء على طرق الحج بقدر اهتمامها بالحفاظ على عوائدهم المقررة لهم سنويًا، وبقيت موانئ شمالي الحجاز: الوجه، وضباء، والمويلح، والعقبة تحت حكم أسرة محمد علي في مصر حتى بعد قرار معاهدة لندن سنة 1256هـ / 1840م القاضي بانسحاب جيوش محمد علي من الأراضي التابعة للدولة العثمانية جميعها. وبعد أن سيطر الإنجليز على مصر في سنة 1299هـ / 1882م بدأت حكومة الحجاز تتذمّر من تبعية موانئ الحجاز الشمالية لوالي مصر، خصوصًا بعد أن علم والي الحجاز عثمان نوري باشا أن الإدارة المصرية عزّزت تدخلها في تلك الموانئ ببناء عدد من القلاع الجديدة في بلدة الوجه وغيرها، وبادر بإرسال المذكرة تلو الأخرى إلى الباب العالي، موضحًا عدم أحقية والي مصر في السيطرة على موانئ الحجاز الشمالية، ومطالبًا في الوقت نفسه بأن تهتم الدولة العثمانية برسم الحدود بين مصر والحجاز بشكل نهائي  
 
واستجابت الدولة العثمانية لهذا التحذير، وبادرت في سنة 1301هـ / 1884م بإرسال قوّة عثمانية من الحجاز إلى الوجه، ثم أرسلت بعد ذلك مجموعة من الموظفين العثمانيين على رأسهم قائم مقام لإدارة الوجه، وفي سنة 1307هـ / 1890م طلب والي الحجاز من الدولة العثمانية إجلاء المصريين من موانئ المويلح وضباء والعقبة، واستجابت الدولة العثمانية بعد سنوات لهذا النداء، وسيّرت في سنة 1310هـ / 1892م قوّة باتجاه المويلح وضباء بقيادة مسؤول الوجه، وبعد وصولها طُلب من المسؤول عن ميناءي المويلح وضباء سيد رفعت أفندي الانسحاب وتسليم الميناءين، ولكنه رفض التسليم إلاّ بموافقة مرجعه في القاهرة، ثم أعقب ذلك مفاوضات مطولة بين كل من مصر والدولة العثمانية وبريطانيا انتهت بموافقة خديوي مصر على الانسحاب من الميناءين، وأصبحت بذلك موانئ شمالي الحجاز تخضع فعليًا لحاكم الحجاز بدلاً من خضوعها لحاكم مصر 
 
أما بالنسبة إلى بلدة تبوك فقد كانت محطة صغيرة على ممرّ طريق قافلة الحج الشامي، ويحكمها شيوخ قبائل بني عطية التابعة إداريًا لحائل؛ حيث كان أمير حائل في سنة 1301هـ / 1883م يطلق عليه اسم (حاكم الجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية)  ،  وفي السنة نفسها وصل إلى حائل كبير شيوخ بني عطية مع أربعة من مرافقيه، يطلبون من أميرها المساعدة ضدّ قبيلة الحويطات من جهة شمال تبوك  وفي سنة 1302هـ / 1884م كان قائد قلعة تبوك ضابطًا عثمانيًا اسمه حسن أغا ومعه خمسة رجال، ولم يكن - في تبوك في ذلك الوقت - سوى خمسين بيتًا غير آهلة بالسكان  
 
وكانت بلدة تيماء، إحدى مناطق تبوك حاليًا، خلال عهد الدولة السعودية الثانية، تابعة لآل رشيد في حائل، أشار إلى ذلك الرحالة غورماني حيث وصل إليها سنة 1282هـ / 1864م ومعه رسالة من طلال بن رشيد حاكم حائل إلى ابن رمان حاكم تيماء، يطلب فيها مساعدة الرحالة وتسهيل مهمته  ،  إضافة إلى ذلك أن الرحالة جوليوس أوتينج زار تيماء سنة 1302هـ / 1884م والتقى شيخها عبدالعزيز بن رمان ووجد ممثل ابن رشيد هناك واسمه عبدالعزيز العنقري  
 
وفي أواخر عهد الدولة العثمانية عاشت منطقة تبوك ويلات الحرب العالمية الأولى والثورة العربية، وكانت أراضيها مسرحًا لكثير من العمليات، ولكن شاءت قُدرة المولى عَزّ وجل أن يصل التطور التاريخي لمنطقة تبوك إلى عهد يسوده الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، بعد أن بدأ الملك عبدالعزيز   مسيرة الوحدة والبناء في المملكة العربية السعودية، فوحّد معظم مناطق الجزيرة العربية واحدة تلو الأخرى، وكان من ضمنها منطقة تبوك، فنعمت بالأمن والأمان، وابتعدت عن الحياة القبلية والاضطرابات السياسية التي عانتها كثيرًا في الماضي، وبعد أن كانت أجزاء من منطقة تبوك الحالية تتبع جهات أخرى.
 
 المملكة العربية السعودية
 
بدأت فترة الدولة السعودية الحديثة منذ عام 1319هـ / 1902م، وهو العام الذي تمكن فيه الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود - يرحمه الله - من استرداد مدينة الرياض في ملحمة بطولية قلّ أن يحدث مثلها في التاريخ الحديث  ،  تمكن بعدها من مدّ نفوذ دولته تدريجيًا لتشتمل فيما بعد على معظم أقاليم الجزيرة العربية، وتصبح دولة واحدة أُطلق عليها سنة 1351هـ / 1932م اسم المملكة العربية السعودية  
 
وكانت تيماء وما حولها خلال السنوات الأولى من عهد المملكة العربية السعودية تتبع نفوذ آل رشيد في حائل، في حين كانت موانئ شمالي الحجاز (أملج، والوجه، وضباء، والمويلح، وحقل) تابعة لحكم الشريف حسين بن علي في مكة المكرمة، وكانت تبوك لا تزال تابعة لإمارة حائل، ثم حدث أن اندلعت الحرب العالمية الأولى في سنة 1331هـ / 1914م، وأصبحت القبائل العربية في شمالي الحجاز خارجة عن سيطرة الدولة العثمانية  
 
وخلال الثورة العربية ضدّ الدولة العثمانية، أصبحت معظم منطقة تبوك مسرحًا لكثير من أحداث هذه الثورة، وبخاصة بلدة الوجه؛ حيث كانت تُمثِّل الانطلاق نحو الشمال، واتجه إليها فيصل بن الحسين على رأس خمس وثلاثين فرقة  ،  وتمكّن خلال إقامته هُناك من إقناع القبائل وإغرائهم بالمال؛ لتناسي خلافاتهم والوقوف في وجه العثمانيين. ومن الشيوخ الذين وقفوا مع فيصل بن الحسين عودة أبو تايه شيخ التياها وهم بطن من الحويطات، وهو الذي زيّن لفيصل بن الحسين مهاجمة العثمانيين في العقبة  .  وفي الجانب الآخر وقف بعض شيوخ تبوك مع الدولة العثمانية؛ حيث ورد في مذكرة رسمية رفعها وزير الداخلية العثماني إلى الصدر الأعظم   يطلب فيها أن يقوم السلطان العثماني بمنح الشيخين محمد بن حرب شيخ شيوخ عربان بني عطية وسليم أبو دين أحد شيوخ تبوك وسامين مجيديين من الدرجة الخامسة؛ نظير موقفهما المؤيد والداعم للجيش العثماني  
 
وكان لاستيلاء جيش الشريف حسين بن علي على بلدة الوجه أثره الفاعل في تغيير موازين المواجهة، فقد سبق أن تأثرت الدولة العثمانية من موقف الشريف الحسين، وعيّنت مكانه علي حيدر باشا، وعندما وصل الأخير إلى المدينة سمع بنبأ سقوط بلدة الوجه في يد فيصل بن الحسين وإخفاق القوات العثمانية في استردادها، فما كان منه إلاّ أن غيّر وجهته نحو لبنان بدلاً من الاتجاه إلى مكة المكرمة، وبقي في لبنان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 
 
وفي سنة 1335هـ / 1917م شهدت بلدة تبوك تحطم الحامية العثمانية واحتجاز أفرادها وعددهم خمسة آلاف نسمة، ثم تعرّضت السكة الحديدية في تبوك إلى تدمير من قِبل الأعراب؛ حيث قاموا بانتزاع جميع الأخشاب التي استخدمت في بنايات المحطة، واستُخدمت كذلك بعض مباني المحطة كثكنات عسكرية، وبعضها استخدم مقرًا لأجهزة اللاسلكي وسكنًا لبعض الموظفين  .  وعلى مقربة من تيماء وقعت في سنة 1335هـ / 1918م معركة بين قوات الشريف عبدالله بن الحسين وقوّة عثمانية انتهت بهزيمة العثمانيين  
 
أما عن انضمام مناطق تبوك إلى المملكة العربية السعودية، فقد ارتبط ذلك بمراحل توحيد المملكة العربية السعودية، فبعد أن ثبت للملك عبدالعزيز مركزه في نجد وضمّ منطقة الأحساء والقطيف بنهاية سنة 1331هـ / 1913م إلى دولته الناشئة، رأى ضرورة مدّ نفوذه إلى جبل شمّر (حائل)، خصوصًا بعد أن قامت الدولة العثمانية بدعم خصمه ابن رشيد بالمال والسلاح وتشجيعه على محاربته؛ مكافأة لابن رشيد نظير موقفه المؤيد للدولة العثمانية  .  إضافة إلى قيام شريف مكة المكرمة بعقد اتفاق مع ابن رشيد وتسليمه بعض الأسلحة وخمسين ألف ليرة عثمانية  ،  وتحريض قبائل العجمان وشيوخ شمّر ضده  .  وبحلول عام 1339هـ / 1921م تمكّن الأمير عبدالعزيز - يرحمه الله - من ضرب الحصار على مدينة حائل؛ ما أدّى في النهاية إلى استسلامها واستسلام حاكمها في عام 1340هـ / 1922م   ثم أعقب ذلك انضمام بقية المناطق المحيطة بها. وكانت بريطانيا تعارض المبادرة السعودية بضمّ المناطق الشمالية إليها، فأرسلت في سنة 1340هـ / 1922م بعثة إلى أمير الجوف نوري الشعلان؛ لإقناعه بضمّ أراضي قبيلة الرولة بما في ذلك الجوف وسكاكا إلى إمارة شرق الأردن، وفي مقابل ذلك تتولّى حكومة شرق الأردن حمايته من أي عدوان. وكان الملك عبدالعزيز يخالف بريطانيا في هذا التوجه؛ لأنه كان يرى أن وادي السرحان والجوف ما هما إلاّ امتداد طبيعي لأرض شمال الحجاز، وأن أي مساس بهما من قِبل بريطانيا أو فرنسا يضرّ بمصالح شعبه، وبالإضافة إلى ذلك كان الملك عبدالعزيز يرى أنه الوريث الوحيد لما كان تحت نفوذ الدولة السعودية الأولى التي كانت تتبعهم. وفوجئت بريطانيا بإعلان القبائل في شمالي الحجاز ولاءها لابن سعود، يضاف إلى ذلك أن القوات السعودية باغتت الخُطط البريطانية، وضمت سكاكا والجوف وتيماء وكاف  ،  ثم إن زعيم بلدة تيماء عبدالكريم بن رمّان توجه في عام 1342هـ / 1923م إلى الرياض والتقى الملك عبدالعزيز وأعلن ولاءه له  .  وفي سنة 1369هـ / 1949م قام فارس بن عبدالله بن ثويني بن رمان بطعن ابن عمه عبدالكريم بن رمّان أثناء خروجه من المسجد بعد صلاة الجمعة فأرداه قتيلاً، وعندما سمع الملك عبدالعزيز نبأ القتل أصدر أوامره بالقصاص من القاتل على الفور، ولكن القاتل كان بطبيعة الحال قد مات على أيدي موظفي القصر  
 
وقد سبّب قتل ابن رمان بعض الاضطرابات الأمنية في تيماء، ما جعل الملك عبدالعزيز يُصدر أمره إلى حاكم تبوك خالد بن أحمد السديري بأن يتوجه على رأس قوّة إلى تيماء لتهدئة الأوضاع هُناك، وكان من المفروض أن يتولى زمام الحكم في تيماء ابن عم القتيل واسمه برجس بن محمد بن ثويني، ولكنه لم يُفضّل ذلك بل رغب في تسليم البلدة إلى مُمثّل الملك عبدالعزيز والتوجّه مع أسرته إلى الرياض للإقامة فيها، ولا سيما أن الملك عبدالعزيز وجّه إليه الدعوة بذلك  
 
أما موانئ شمالي الحجاز، مثل: الوجه، وضباء، والمويلح فقد كانت محل اهتمام الملك عبدالعزيز منذ أن بدأ منازلة الأشراف في مكة المكرمة وجدّة، وكان الشيخ إبراهيم بن رفادة كبير شيوخ بلي في الوجه قد خرج على الشريف علي بن الحسين، وأعلن تبعيته وجماعته لابن سعود، فأرسلت حكومة جدّة إلى قائم مقام بلدة الوجه الشريف حامد ثُلّة من الجنود النظاميين وبعض الرشاشات لتأديب ابن رفادة وجماعته  .  وبنهاية سنة 1343هـ / 1925م وأثناء محاصرة القوات السعودية مدينة جدّة، أرسل الملك عبدالعزيز فرقة عسكرية إلى الوجه فحاصرتها، وتمكنت من إخضاعها مع بقية البلدان الواقعة شمالها  
 
أما بلدة تبوك فقد دخلت تحت النفوذ السعودي بعد انضمام حائل سنة 1340هـ / 1922م، وكان أميرها آنذاك إبراهيم النشمي  .  ففي رسالة من الملك عبدالعزيز إلى قنصل بريطانيا في جدة المستر جوردن مؤرخة في 18 جمادى الآخرة سنة 1344هـ الموافق 1925م ذكر فيها أنه متوجّه إلى مكة المكرمة، وأنه يرجو من القنصل البريطاني أن تكون مرجعية القوات التي نُقلت من تبوك إلى معان لأمير تبوك التابع للدولة السعودية  .  وهذا دليل واضح على تبعية تبوك للدولة بعد انضمام حائل.
 
وبعد أن أصبحت بلدة تبوك تابعة للملك عبدالعزيز، خشيت بريطانيا من امتداد نفوذ الدولة السعودية باتجاه الشمال نحو إمارة شرق الأردن، فأوفدت موظفها جلبرت كلايتون   في سنة 1344هـ / 1925م للتفاوض مع الملك عبدالعزيز والتوقيع على معاهدة خاصّة بالحدود بين نجد وشرق الأردن، وقد تم التفاوض والتوقيع على المعاهدة المعروفة بمعاهدة (حدا) التي تم فيها تحديد الحدود بين الطرفين، واعتراف كل طرف بالآخر، وإلزام العشائر بتحمل المسؤولية عما يحدث في أراضيها  
 
ويروي صلاح الدين المختار بوصفه شاهد عيان أن إمارة شرق الأردن لم تلتزم بالمعاهدة، فقامت بتحريض العشائر وبعض زعماء القبائل ضدّ العشائر النجدية، وكان من هؤلاء داغش أبو تايه من بطن التياها من الحويطات، وكان دائم التجوال في الأراضي الواقعة بين تبوك والوجه  .  وقد أُصيب ذات يوم بجرح خطير أثناء مواجهته رجال الملك عبدالعزيز، فخصّص له أمير شرق الأردن عبدالله بن الحسين طبيبًا خاصًا للعناية به، وبعد خمسة وعشرين يومًا تماثل للشفاء، واتجه ومعه ثلاثون رجلاً من عسكره نحو تبوك، وكان أميرها من قِبل الملك عبدالعزيز، الشيخ إبراهيم النشمي، وفي موقع يُقال له حُفرة الدم بالقرب من جبل الطُّبيق، التحم الفريقان وجهًا لوجه، وانتهى النـزال بهزيمة أبي تايه ورجاله  
 
يذكر أمين الريحاني أن عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن كان كثيرًا ما يُجزل العطاء لعربان الحويطات وبني صخر؛ من أجل الإغارة على أهل نجد ونهب ممتلكاتهم  .  وفي المقابل كان الملك عبدالعزيز يُرسل الخطاب تلو الآخر إلى ممثلي بريطانيا في الخليج العربي وجدّة يحدوه الأمل بأن تلتزم حكومة شرق الأردن بحسن الجوار وحفظ الأمن، ويوضح لهما معاناة بلده ورجاله من تلك التصرفات السلبية التي تمارسها حكومة شرق الأردن، ويطالب في الوقت نفسه بإعادة المنهوبات التي أُخذت بوساطة مَنْ تقف وراءهم حكومة شرق الأردن  .  وبالإضافة إلى ذلك كان الملك عبدالعزيز يكره أن يعتدي أتباعه على الآخرين، فعندما خاطبه نائب القنصل البريطاني في جدّة منكرًا إغارة بعض قبائل شرق الأردن على رعايا الملك عبدالعزيز. ناسبًا ذلك الاعتداء إلى رجل يُدعى فرج بن شويل من سكان تبوك، أفاده الملك عبدالعزيز بخطاب ذكر فيه أن الدولة السعودية ستقاضي شويل بن شويل إذا كان هو المتسبب في ذلك، وأنه سينال جزاءه المستحق  .  وفي رسالة أخرى لنائب القنصل البريطاني في جدّة بخصوص اعتداء سرية تبوك على كل من يحيى بن غالب كريشان وخلف بن عبدالله واستيلائها على مئة رأس من الغنم وبندقية واحدة، أصدر الملك عبدالعزيز أمره إلى أمير تبوك باتخاذ اللازم نحو إعادة المنهوبات كاملة إلى أصحابها  .  وفي سنة 1345هـ الموافق 26 أكتوبر 1926م، بعث نائب القنصل البريطاني في جدة رسالة إلى الملك عبدالعزيز يُخبره فيها بشروع حاكم تبوك في احتلال القلعة الموجودة في المدورة بمقاطعة شرق الأردن  .  فردّ عليه الملك عبدالعزيز برسالة أكد له فيها أن هذا الخبر لا أصل له من الصحة  ،  وزيادة في الاحتياط أفاده بأنه قد كتب إلى إدارة تبوك أن تعمل ما في وسعها، وتضاعف سهرها محافظة على الأمن والاستقرار في تلك الأرجاء  
 
وبفضل سياسة الملك عبدالعزيز الحكيمة بدأت منطقة تبوك تشعر بالأمن والاستقرار، وأصبحت القرى تتحول إلى مدن، ثُمّ فوجئت الدولة السعودية في سنة 1347هـ / 1928م بعد ضمّ الحجاز بحركة تمرّد في بلدة الوجه يتزعمها حامد بن رفادة  ،  أحد شيوخ قبيلة بلي القاطنة في جهات تهامة الحجاز بين العلا ومدائن صالح والوجه وضباء، فتمكّنت القوات السعودية من القضاء على هذه الحركة، ما جعل ابن رفادة يفرّ هاربًا نحو مصر، وهناك وجد ضالته حيث دعمه عباس حلمي   حاكم مصر الأسبق الذي كان يحلم بعرش عربي في الحجاز أو بلاد الشام بالمال والسلاح  .  أضف إلى ذلك أن ابن رفادة حظي بتأييد الشريف عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن ودعمه، وأمده بالمال والسلاح والغذاء  .  وفي أواخر سنة 1350هـ / 1932م توجه ابن رفادة إلى قبائله في شمالي الحجاز، وأغراهم بالمال حتى بلغ أتباعه أكثر من أربعمئة مُقاتل، ثم اتجه بقواته إلى مكان يُدعى الشريح جنوب العقبة. لكنه لم يحظ بتأييد القبائل في الحجاز عمومًا وقبيلة الثائر نفسها؛ حيث تبرأت من هذه الحركة وطالبت الملك عبدالعزيز بالسماح لهم بمحاربته والقضاء عليه  .  ولكنّ الملك عبدالعزيز تمكن بحكمته وحنكته السياسية من أن يُعالج القضية وفق خطة إستراتيجية مؤثرة في الحدث، فأوعز إلى رجال قبيلتي بلي (قبيلة المتمرد) وجهينة أن يكتبوا إليه بخصوص استعدادهم لمؤازرته وأن يقدم إليهم، وفي الوقت نفسه أمر بتجهيز قوة كبيرة مزودة بكل المعدات الحديثة تسير باتجاهين: قوة برية تسير عن طريق تبوك ومنها إلى حقل والبدع، وقوّة بحرية تسير باتجاه ضباء عن طريق الساحل  
 
ولم يكن ابن رفادة يتوقع موقف قبيلته، فاتجه إلى أراضي حقل ثم البدع والخريبة ونـزل في تِرْ يَمْ، وعندما علم بزحف القوات السعودية تراجع إلى جبل شار على مقربة من ضباء واستقر عند سفحه، وفي يوم السبت السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1351هـ / 1932م، أحاطت القوات السعودية بابن رفادة وجماعته من كل جانب، وحدثت المعركة بين الطرفين، وانتهت بمقتل ابن رفادة وأعوانه جميعًا  
 
وبعد القضاء على حركة ابن رفادة، استقرّت الأوضاع الأمنية في شمالي الحجاز، وواصل الملك عبدالعزيز جهوده في حركة التوحيد والبناء بخطى جبارة، وارتأى المخلصون من علماء البلاد ووجهائها ضرورة استبدال اسم (المملكة الحجازية النجدية) باسم (المملكة العربية السعودية) وصدر بذلك مرسوم ملكي في السابع عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق 18 سبتمبر 1932م أُقرَّ فيه الاسم الجديد والعمل به ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ / 1932م   وبهذا الإنجاز والتطوّر التاريخي ابتعدت الدولة عن الارتباط بأسماء المناطق أو العشائر، وتهيأ المناخ الملائم لترابط السكان وائتلافهم. وقضى المرسوم الملكي الخاص بتوحيد أجزاء المملكة بوضع نظام تشكيلات الحكومة، وكان عدد المقاطعات التي تتألف منها المملكة العربية السعودية تسع مقاطعات هي: نجد، القصيم، الحسا، جبل شمّر (حائل)، عسير، وادي السرحان، الحجاز، تهامة، نجران. وكانت مقاطعة الحجاز تتألف من ثماني عشرة إمارة تشكل البلدان التابعة لمنطقة تبوك خمس منها هي: إمارة تبوك ويتبعها من القبائل بنو عطية والحويطات وأميرها سعود بن هذلول، وإمارة الوجه تتبعها قبائل بلي كافة وأميرها علي بن مبارك، وتقع شمال الوجه إمارة ضباء وتتبعها قرى المويلح وحقل والخريبة وأميرها عبدالعزيز بن ماضي، وإمارة أملج ويتبعها بعض أفخاذ قبيلة جُهينة وأميرها عبدالله الحواس  .  أما إمارة تيماء فكما ذُكر سابقًا كانت تابعة لحائل حتى عام 1355هـ / 1936م، ثم أصبحت تابعة لمقاطعة وادي السرحان بعد أن صنّفت مقاطعة مستقلة  
 
وكان لكل أمير مجلس يتكوّن من رؤساء الدوائر الحكومية ومن بعض أعيان المنطقة، ومن مهمات الأمير الإشراف على كل ما يتعلق بشؤون البلد ومصالحه العامة إدارة وتنظيمًا وتخطيطًا  .  وكان على الأمير مراقبة الله في عمله والعمل بمقتضى الأوامر والأنظمة، وفي حدود الصلاحيات المخوّلة له، والمحافظة على حقوق الناس وحقوق الدولة، والعمل على تطوير منطقته  
 
وقبل عام 1369هـ / 1950م كانت بلدة تبوك عاصمة مقاطعة الشمال، ويتبعها الجوف ودومة الجندل وقريات الملح، وعدد من القرى الأخرى  
 
وفي عام 1383هـ / 1963م قسمت المملكة إلى أربع عشرة مقاطعة خمس منها رئيسة وهي: الشمالية (تبوك)  الوسطى (الرياض) الشرقية (الهفوف) الغربية (مكة المكرمة) الجنوبية (عسير)  .
 
وفي عام 1402هـ / 1982م رُبطت تبوك بوزارة الداخلية مباشرة وتم تخصيص ميزانية مختصة بها  .  وقد شهدت أنظمة المملكة العربية السعودية تطورات ملحوظة، وكان من أهمها صدور نظام المناطق في عام 1412هـ / 1992م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي جدد تحديد منطقة تبوك جغرافيًا، واشتملت على مدينتي: تبوك وتيماء، وموانئ شمال الحجاز، وصُنِّفت منطقةً مستقلة، قاعدتها مدينة تبوك مرتبطة بوزارة الداخلية مباشرة، وحظيت باهتمام الدولة ورعايتها، وبلغت درجة كبيرة من التقدم والعمران في مختلف المجالات.
 
وفي شهر شعبان سنة 1412هـ / 1992م صدر نظام المناطق الجديد، وكان الهدف من صدوره كما نصّت المادة الأولى منه هو رفع مستوى العمل الإداري والتنمية في مناطق المملكة، والمحافظة على الأمن والنظام، وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم في إطار الشريعة الإسلامية  .  ووفقًا لهذا النظام الجديد أصبحت تبوك المدينة الأساسية في شمالي الحجاز، وحملت اسم المنطقة، وانتقلت إدارة بلدة تيماء إلى منطقة تبوك بعد أن كانت تابعة لمنطقة حائل، وأصبحت منطقة تبوك تشتمل على عدد كبير من المدن والقرى أهمها: أملج، البدع، تيماء، حقل، ضباء، الوجه.
 
وقد شهدت منطقة تبوك في العقود الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مختلف مجالات الحياة، فبعد أن كانت شبه قرى خالية كما وصفها الرحالة الذين عبروا من خلالها، أصبحت مدنًا تعج بالحركة والتطور الملموس، وحظيت برعاية المسؤولين في الدولة واهتمامهم منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى الوقت الحاضر، حيث تعاقب على إمارة منطقة تبوك رجال أكفاء  ،  أدّوا الأمانة وأخلصوا النيّة، وعملوا بكل جهد في سبيل تطوير المنطقة، فشهدت منطقة تبوك نهضة تنمويّة شاملة في مختلف المجالات؛ حيث شُقَّت الطرق بين المدن وعُبِّدت، وأُنشئت المرافق الحكومية في كل مدينة وقرية، وشهدت المنطقة نهضة عمرانية من أهمها تأسيس المدينة العسكرية وإسكان قوى الأمن الداخلي، كما شهدت إنشاء عدد من المشروعات الزراعية الكبرى المعتمدة على التقنية الحديثة.
 
- الأمراء الذين تولوا إمارة منطقة تبوك منذ عهد الملك عبدالعزيز وتواريخ توليهم:  
 
1- محمد بن عبدالعزيز بن شهيل (1344هـ).
 
2- عبدالله بن سعد القنب (1349هـ - 1350هـ).
 
3- عبدالله بن سعد السديري (1351هـ).
 
4- سعود بن هذلول آل سعود (1355هـ).
 
5- سليمان بن سلطان (1357هـ).
 
6- سليمان بن فهد بن عبدالمحسن بن خرينق (1360هـ).
 
7- عبدالرحمن بن محارب (1364هـ).
 
8- خالد بن أحمد السديري (1366هـ).
 
9- مساعد بن أحمد السديري (1374هـ).
 
10- سليمان بن تركي السديري (وكيل الإمارة مكلف بالإمارة) (1392هـ).
 
11- الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود (1400هـ).
 
12- الأمير ممدوح بن عبدالعزيز آل سعود (1406هـ).
 
13- الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود (1407هـ، حتى تاريخه).
شارك المقالة:
1115 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook