العهد المرواني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد المرواني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

العهد المرواني بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
يطلق معظم المؤرخين العهد المرواني على فترة حكم الأسرة المروانية للدولة الأموية خلال الفترة من سنة 64هـ / 684م بداية من ولاية مروان بن الحكم مؤسس الأسرة إلى سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين بقتل آخر خلفاء هذه الأسرة مروان بن محمد في قرية بوصير بمصر سنة 132هـ / 749م. على أن بعض المؤرخين يجعلون الحكم الحقيقي لهذه الأسرة يبدأ من خلافة عبد الملك بن مروان وبالتحديد عام 73هـ / 692م الذي أنهى فيه عبد الملك ثورة عبد الله بن الزبير، وانفرد بحكم العالم الإسلامي دون منازع، ويطلقون على هذا العام عام الجماعة الثاني لاجتماع المسلمين تحت مظلة خلافة عبد الملك بن مروان، وانتهاء التفرق بين خلافتين، خلافة عبد الله بن الزبير   وخلافة المروانيين، وقد دام حكم الأسرة المروانية 68 عامًا حكم خلالها أحد عشر خليفة
 

الوضع الإداري

 
دخلت المدينة المنورة تحت نفوذ المروانيين بحملة أرسلها عبد الملك بن مروان سنة 72هـ / 691م بقيادة طارق بن عمرو أنهت حكم ابن الزبير فيها، وأعادتها إلى حظيرة الدولة الأموية  .  وقد أبدى جميع خلفاء الدولة الأموية اهتمامًا خاصًا بالمدينة المنورة لأهميتها الدينية، ومكانتها الخاصة في العالم الإسلامي لوجود المسجد النبوي ثاني الحرمين الشريفين، كما أنها مقر تجمع الصحابة وأبنائهم، وهي عاصمة الإسلام الأولى  ،  وتحوي هي ومكة المكرمة الأمكنة المقدسة، والبقاع المباركة، ومهبط الوحي، ومركز الذكريات المرتبطة بمنابع الإسلام الأولى ما يجعل لها مكانة خاصة في نفوس المسلمين، ويدفع الخلفاء إلى الحرص على ضمها لدولتهم وعدم الاستغناء عنها مهما اتسعت رقعة دولتهم، فالسيادة والزعامة على العالم الإسلامي لا تكتمل إلا بضم بلاد الحجاز بما فيها المدينة المنورة تحت نفوذهم ليستمد منها الخليفة السلطة الروحية على جميع بلاد المسلمين  ،  هذا إلى جانب ما تمثله للأسرة المروانية من أهمية سياسية تكمن في المعارضة التي قامت فيها في عهد الأسرة السفيانية، وهذه المعارضة وإن كانت قد سكنت في عهد خلفاء الأسرة المروانية وتخلت عن العنف السياسي، إلا أنها تحولت إلى معارضة لسانية قلبية تظهر في بعض الأحيان  ،  وهذا ما يثير قلق المروانيين من عودة العنف السياسي إلى هذا البلد المؤهل بما فيه من الزعامات كالعلويين وآل الزبير وغيرهم للمعارضة الجديِّة للحكم الأموي، لذلك عمل خلفاؤهم (المروانيون) على تشديد قبضتهم على المدينة المنورة منذ عهد عبد الملك بن مروان الذي اتسمت سياسته بالشدة والحزم الممزوجين باللين، فقد رمى المدينة المنورة بالحجاج بن يوسف الثقفي بعد قضائه على ابن الزبير سنة 73هـ / 691م فقدم إلى المدينة المـنورة، وطبق القبضة الحديدية، وأساء إلى من فيها من الصحابة خلال فترة إمارته التي دامت سنتين، ولم يمنعه من التنكيل بأهل المدينة المنورة إلا ما كان يصله من تعليمات الخليفة عبد الملك الذي على الرغم من خطبه التي انتهج فيها القوة والشدة لإخافة الطامعين والمتطلعين والمتربصين، فإنه كان في مجال التطبيق العملي ومن خلال أُمرائه على المدينة المنورة يميل إلى سياسة الملاينة والرحمة، يدل على ذلك توليته لإبان بن عثمان بن عفان على إمارة المدينة المنورة بعد الحجاج بن يوسف مدة سبع سنوات، وهو رجل فقيه عالم لم يُعرف عنه أنه آذى أحدًا طيلة إمارته  
 
وقد سار خلفاء عبد الملك من بعده على سياسته نفسها في الشدة والحزم الممزوجين باللين، ومن الأساليب التي اتبعها الخلفاء المروانيون في المدينة المنورة بث العيون والجواسيس على الأشخاص الذين يخشون منهم، وبعض الأسر المرموقة مثل آل علي وآل الزبير، وحتى على الأمراء أنفسهم لإبلاغ الخليفة بمختلف الأنشطة في المدينة المنورة فلا يغيب عنه شيء ليتخذ لكل أمر عدته سواء من جهة السكان أو من جهة الأمير، وهذه سياسة ورثوها من مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان، ومما يذكره بعض الباحثين أن من السياسات التي اتبعها المروانيون في المدينة المنورة سياسة الإغراق المالي لأهل هذا البلد بالإكثار من العطاء، وإعادة ما سبق أن قطعه معاوية عن أهل المدينة المنورة في آخر عهده والزيادة عليه لكسب قلوب الناس وإشغالهم بالأمور الاقتصادية عن التفكير في السياسة والتمرد على السلطة  ،  وبذلك نجح المروانيون في إزالة سبب مهم من أسباب التذمر التي أدت إلى ثورة أهل المدينة المنورة في عهد يزيد وهو التضييق الاقتصادي عليهم من قبل معاوية بن أبي سفيان.
 
ومن أساليب المروانيين الناجحة في حكم المدينة المنورة سياسة التودد إلى أهلها التي اتبعها بعض بني مروان مثل عمر بن عبد العزيز عندما كان واليًا على المدينة المنورة في عهد الوليد بن عبد الملك، فقد اختط لنفسه سياسة حرة كسب بها رضا الناس خاصة وعامة، فكان مدة ولايته التي امتدت من سنة 87هـ إلى سنة 94هـ من أحسن الناس معاشرة، وأعدلهم سيرة، معتمدًا على الشورى في تسيير أمور المدينة 
 
وعلى العموم فإن سياسة الخلفاء المروانيين الإدارية في المدينة المنورة لم تختلف كثيرًا عن سياسة السفيانيين التي أرسى قواعدها مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان من حيث تطبيق سياسة الحكم المباشر، وتركيز السلطات في يد الخليفة، وعدم إطلاق يد الولاة في الحكم بحيث يكون الواحد منهم ممثلاً للخليفة منفذًا لتعليماته فقط، إلا إذا استثنينا من ذلك عمر بن عبد العزيز الذي اشترط على الخليفة الوليد بن عبد الملك استقلاله في إدارته لتحقيق أهدافه التي يرمي إليها في المدينة المنورة التي نشأ فيها  .  ومما شابهت فيه الإدارة المروانية الإدارة السفيانية التي سبقتها الاعتماد على ولاة أغلبهم من الأمويين أو القرشيين وبعض العرب من المقربين إلى الخلفاء بصلة قرابة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الأمويين كانوا أولى بثقة الخلفاء وأقدر من غيرهم على فهم سياسة الخلفاء المروانيين وتنفيذها، أما القرشيون فلأنهم الأنسب للحكم في هذا الجزء المهم من الدولة؛ فقبيلة قريش صاحبة الرئاسة والخلافة فلا يتوقع خضوعهم لوالٍ من خارج القبيلة، لذلك نجد أن أكثر من نصف الولاة هم من قريش وأغلبهم أمويون  .  كما شابهت سياسة المروانيين الإدارية سياسة السفيانيين في كثرة تولية الولاة وعزلهم لأسباب مختلفة؛ فالتولية تكون أحيانًا لتنفيذ سياسة معينة يريد الخليفة تطبيقها، وأحيانًا أخرى لإكرام أحد الأقارب وتشريفه بحكم هذا البلد المقدس، وأحيانًا تكون لمجرد الرغبة في تغيير ولاة الخليفة السابق، وقد كثر هذا في المرحلة الأخيرة من حكم الدولة الأموية، أما العزل فيكون أحيانًا لجور الوالي وظلمه، وشكوى الناس منه، وأحيانًا أخرى لعدم قدرته على تنفيذ سياسة الخليفة التي رسمها له.
 
ومما خالف فيه المروانيون سياسة أسلافهم السفيانيين الإدارية في المدينة المنورة تخصيص المدينة المنورة بإمارة مستقلة ووالٍ مستقل بعد أن كانت تجمع مع إمارة مكة المكرمة لوالٍ واحد، وأصبحت المدينة المنورة هي المركز الإداري، ومقر الولاة عندما تجمع المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف لوالٍ واحد مثل عبد الواحد بن بشر النصري الذي ولاه يزيد بن عبد الملك المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وجعل مقره المدينة المنورة، ومثل محمد بن هشام المخزومي الذي ولاه هشام بن عبد الملك المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف سنة 106هـ / 724م ثم عزله عن المدينة المنورة سنة 114هـ / 732م  
 
الصفحة الرئيسة » المدينة المنورة » الباب الثاني: التطور التاريخي » الفصل الثاني: العصر الإسلامي » ثالثًا: العهد الأموي 41 - 132هـ / 661 - 750م » المدينة المنورة في العهد المرواني 64 - 132هـ / 684 - 750م » الوضع السياسي وأهم الأحداث
 

الوضع السياسي وأهم الأحداث

 
لم تشهد المدينة المنورة والمنطقة المحيطة بها أحداثًا مهمة خلال العهد المرواني إلا في آخر عهد الدولة الأموية، فقد نعمت بالهدوء والاستقرار طيلة عهد خلفاء بني مروان، فبعد تلك الأحداث الدامية التي عصفت بها في عهد يزيد بن معاوية   والمتمثلة في ثورة أهل المدينة المنورة وموقعة الحرة، وما خلفته من آثار عظيمة ذهب فيها عدد من الشخصيات البارزة من ذوي الطموح السياسي والتأثير الكبير على مجتمعهم، وما أعقب ذلك من تشديد الأمويين قبضتهم على المدينة المنورة خصوصًا في عهد الخلفاء الأوائل عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، الذين منعوا الحديث في السياسة، والمجاهرة بانتقاد أمرائهم وخلفائهم، ورصدوا تحركات الأمير، ومنعوا لجوء المعارضين من الأقاليم الأخرى إلى المدينة المنورة والإقامة بها، فلم يجرؤ أحد على ممارسة أي نشاط سياسي، وقطعت الدولة الطريق على أي محاولة لاستعادة المدينة المنورة دورها السياسي السابق، وفي الوقت نفسه أغدقت الأموال على الأعيان والكبار، فنشأ من أبنائهم جيل مترف عاش حياة البذخ والرفاهية وألفها ولم يكن لهم ذلك الدور الريادي والطموح الذي كان لأسلافهم ليدفعهم إلى التضحية بما يتمتعون به من حياة الرفاهية في سبيل استعادة أمجاد سالفة  .  وقد أثبتت لهم التجارب السابقة من موقعة الحرة وعدم نجاح ثورة عبد الله بن الزبير ضعف إمكانات بلاد الحجاز وعدم قدرتها على الصمود ومواجهة قوة الأمويين، فرضوا بالواقع واستسلموا له، ونتيجة لذلك ساد الهدوء والاستقرار في المدينة المنورة طيلة عهد المروانيين، ولم تقم فيها حركات مناوئة للدولة.
 
ولعل أهم حدث شهدته المدينة المنورة وبلاد الحجاز كان في آخر عهد الدولة الأموية وهو حملة أبي حمزة الخارجي واسمه المختار بن عوف الأزدي من الخوارج الإباضية، موطنه البصرة، وقدم إلى مكة المكرمة في موسم الحج عدة سنين لنشر مبادئ الأباضية، فالتقى في أحد المواسم برجل قدم من حضرموت يسمى عبد الله بن يحيى من قبيلة كندة، وكان هذا الرجل يدعو إلى الثورة على جور بني أمية، فاتفق رأياهما على ذلك وخرج معه إلى حضرموت وآزر دعوته حتى بايعه في حضرموت على الخلافة ثم تقدم إلى اليمن فاحتلها واستولى على عاصمتها صنعاء.
 
وفي موســم حج سـنة 129هـ / 747م والناس في موقف عرفة لم يرعهم سوى خروج رايات الخوارج عليهم بقيادة أبي حمزة الخارجي، فهادنه أمير الحج عبد الواحد بن بشر النصري أمير الحجاز ومقره في المدينة المنورة، ليكمل الناس شعائر حجهم فأجاب إلى ذلك.
 
وبعد انتهاء موسم الحج توجه عبد الواحد إلى المدينة المنورة لإعداد القوة اللازمة لمحاربة الخوارج واستولى أبوحمزة على مكة المكرمة، ثم توجه إلى المدينة المنورة لاستخلاصها ومد نفوذه على بلاد الحرمين، وكان عبد الواحد قد أعد جيشًا من أهل المدينة المنورة يقدر بنحو ألف وخمسمئة رجل جُمع أكثرهم بالإكراه، وجعل قيادته إلى رجل من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه، هو عبد العزيز بن عبد الله، ولم يخرج معهم، فالتقى الجيش المدني بالخوارج في قديد   وعلى الرغم من تفوق عدد جيش المدينة المنورة على الخوارج إلا أنه كانت تنقصهم الخبرة القتالية والخشونة اللازمة للقتال فأكثرهم من الجيل المترف من الذين لم يتمرسوا على فنون الحرب والقتال، لذلك لم يستطيعوا الصمود أمام الخوارج وانهزموا وقُتل قائدهم ومعه نحو سبعمئة، وعادت فلول الجيش المهزوم إلى المدينة المنورة، وهرب أميرها عبد الواحد إلى الشام لطلب المدد. أما أبوحمزة فقد دخل المدينة المنورة واستولى عليها بغير قتال ومكث بها ثلاثة أشهر  .  وقد أعد مروان بن محمد آخر خلفاء بني مروان جيشًا من أهل الشام بلغ أربعة آلاف رجل وجعل قيادته إلى عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي لطرد الخوارج من المدينة المنورة والحجاز وضربهم في عقر دارهم بحضرموت، وقد نجحت الحملة في هزيمة الخوارج بوادي القرى ثم دخل عبد الملك المدينة المنورة ومكث بها لبعض الوقت، فأخذ يستعد لمطاردة الخوارج ثم لحق بهم إلى مكة المكرمة فدارت معركة بين الجانبين قتل فيها أبوحمزة قائد الخوارج فعادت فلولهم إلى اليمن ثم تبعهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي إلى هناك واستعاد منهم اليمن، وتوجه إلى حضرموت وقتل زعيمهم بها عبد الله بن يحيى (طالب الحق)  
وقد أثبتت حملة الخوارج على مكة المكرمة والمدينة عدم قدرة أهل المدينة المنورة على الدفاع عنها واحتياجهم إلى من يدافع عن مدينتهم  
 
شارك المقالة:
135 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook