العهد المرواني بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد المرواني بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

العهد المرواني بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
في هذه الفترة من عهد الدولة الأموية حكمت الأسرة المروانية وعدد خلفائها 11 خليفة، أولهم مروان بن الحكم وآخرهم مروان بن محمد  ،  وتمتد هذه الفترة من سقوط خلافة عبدالله بن الزبير سنة 73هـ / 692م إلى سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ / 750م
عاشت مكة المكرمة خلال هذه الفترة مدة تناهز الستين عامًا يغلب عليها الهدوء والاستقرار في ظل الطاعة للحكومة المركزية في دمشق، ورجعت مكة المكرمة إلى سابق عهدها قبل خلافة عبدالله بن الزبير مجرد ولاية تابعة للدولة الأموية، وفقد أهل الحجاز عمومًا وأهل مكة المكرمة خصوصًا كل أمل في إعادة المكانة السياسية إلى هذا الإقليم لإضافتها إلى المكانة الدينية التي يتمتع بها
 
ومع بداية هذه الفترة سنة 73هـ / 692م كانت بلاد الحجاز ومكة المكرمة بالذات قد فقدت أبرز الطامحين إلى الخلافة من أبناء الصحابة الذين كانوا ينازعون بني أمية مثل الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي قتل في كربلاء وهو في طريقه إلى الكوفة سنة 61هـ / 680م، ثم عبدالله بن الزبير الذي قتل في مكة المكرمة وهو يدافع عن خلافته في منتصف جمادى الأولى سنة 73هـ / 692م، أما من بقي في الحجاز غير هذين من أبناء الصحابة فهم بين منصرف إلى العبادة منشغل بآخرته عن أمور دنياه كعبدالله بن عمر، وبين منصرف إلى طلب العلم وتعليمه منشغل بذلك عن طلب الخلافة وشؤون الحكم مثل عبدالله بن عباس  .  ومنهم جماعة من العلويين اكتفوا بما قدمه أسلافهم من تضحيات في سبيل الخلافة ولم يحصلوا منها على طائل، فقدموا الطاعة للأمويين مثل محمد بن الحنفية، أما بقية الموجودين بمكة المكرمة من قريش وثقيف من الطائف فأغلبهم من المؤيدين للأمويين
 
وهكذا انتهى عصر جيل من أهل مكة المكرمة الذين عاصروا قيام الدولة الأموية، وبدأ عصر جيل جديد من الذين عاشوا منذ نعومة أظافرهم حياة الترف، ولم يعرفوا شظف العيش، وهؤلاء كانوا حريصين على الحياة التي أَلِفوها، ولم يكونوا على استعداد للتضحية بذلك في سبيل الحكم ومنازعة بني أمية على الخلافة، لذلك ساد الهدوء والاستقرار في مكة المكرمة في معظم فترات حكم الأسرة المروانية إلى ما قبل نهاية حكم الدولة الأموية سنة 132هـ / 750م بثلاث سنوات كما سيأتي الحديث عن ذلك
أما سياسة الخلفاء الأمويين تجاه الحجاز عمومًا ومكة المكرمة خصوصًا في مرحلة الهدوء هذه، فإنها تبرز اهتمامًا واضحًا بهذا البلد لأهميته الدينية من جهة، وتدعيم شرعية خلافتهم في نظر المسلمين من جهة أخرى، وتحسبًا من ظهور نابتة جديدة من أبناء هذا البلد صاحب الماضي العتيد في المعارضة
 
ويتمثل ذلك الاهتمام في اختيار أمراء مكة المكرمة من بني أمية غالبًا لأنهم أقرب لثقة الخلفاء، ومنهم: مسلمة بن عبدالملك، ويحيى بن الحكم بن أبي العاص، وأبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه في عهد عبدالملك بن مروان، وعمر بن عبدالعزيز في عهد الوليد بن عبدالملك، وقد جمع له بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، وعبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز أمير مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف في عهد يزيد بن الوليد ومروان بن محمد، ثم وليها لمروان بن محمد آخر حكام الدولة الأموية كل من عبدالواحد بن سليمان بن عبدالملك، ثم محمد بن عبدالملك  .  وإلى جانب هؤلاء الأمراء من بني أمية الذين يمثلون السياسة المعتادة لخلفاء بني أمية تذكر المصادر أسماء عدد من الأمراء من قريش وغيرها من القبائل اشتهر بعضهم بأنهم من أصحاب القبضة الحديدية، يلجأ إليهم الأمويون عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، أمثال الحجاج بن يوسف الذي ولي مكة المكرمة وسائر إقليم الحجاز فترة قصيرة بعد انتهاء خلافة عبدالله بن الزبير ما بين سنتي 73 و 75هـ / 692 و 694م ثم نقل إلى العراق، ومثل خالد بن عبدالله القسري الذي ولاه الخليفة الوليد بن عبدالملك بمشورة الحجاج بن يوسف الثقفي عندما كثر هروب المعارضين للدولة من العراق إلى مكة المكرمة للقضاء على هذه الظاهرة  .  ويعطي خلفاء بني أمية من الفرع المرواني مزيدًا من الاهتمام بهذا الإقليم من خلال حرصهم على الحضور بأنفسهم إلى مكة المكرمة وقيادة مواسم الحج، ومنهم: عبدالملك بن مروان الذي حج سنة 75هـ / 694م، وألقى خطبته البتراء المشهورة المملوءة بالتهديد والوعيد لأهل مكة المكرمة  ،  والوليد بن عبدالملك الذي حج سنتي 88 و 91هـ / 706 و 708م  ،  وسليمان بن عبدالملك الذي حج سنة 97هـ / 715م  ،  وهشام بن عبدالملك الذي حج سنة 106هـ / 724م  ،  وهو آخر من حج من خلفاء بني أمية
 
وإلى جانب هذه السياسة التي يتضح منها اهتمام الخلفاء الأمويين بمكة المكرمة مع إبراز شيء من القوة والقبضة الحديدية، نجد نوعًا آخر من السياسة انتهجها عبدالملك بن مروان وأبناؤه من بعده دعموا بها السياسة السابقة، وكان لها أثر واضح في حالة الهدوء والاستقرار الذي شهدته مكة المكرمة طيلة العهد الأموي تقريبًا. ونستطيع أن نلاحظ ملامح هذه السياسة في عدد من الجوانب منها
 
 بذل الأعطيات من قبل خلفاء بني أمية لبيوت أهل مكة المكرمة وزعمائهم بمن فيهم العلويون لشغل الناس عن الاهتمام بشؤون الحكم، والميل إلى حياة الدعة والهدوء، وتجنب ما يسخط الحكام ويؤدي إلى قطع أعطياتهم 
التودد إلى بني هاشم لإضعاف المعارضة التقليدية من العلويين، وقد تجلى ذلك في معاملة عبدالملك بن مروان لعلي بن عبدالله بن عباس، إذ قربه إليه وأجرى عليه طول حياته، ومحمد بن الحنفية الذي حماه عبدالملك من جبروت الحجاج وبطشه إبان إمارته على الحجاز، وكذلك موقف الخليفة عمر بن عبدالعزيز وإنصافه للهاشميين، إذ أعاد إليهم حقوقهم التي طالما تخطتهم
اتخاذ سياسة الاحتواء والتطويع واستخدام لغة الحوار بدل المواجهة مع أهل الحجاز عامة وأهل مكة المكرمة بصفة خاصة
 
وقد أثمرت تلك السياسة الأموية بنوعيها في تجنيب مكة المكرمة شرور الثورات والفتن منذ نهاية حكم ابن الزبير إلى ما قبل نهاية الدولة الأموية بثلاث سنين، فقد هبت عليها رياح ثورة قادمة من الخارج من جهة اليمن متمثلة في غزوة أبي حمزة الخارجي إلى مكة المكرمة فدخلها يوم عرفة عام 129هـ / 746م وبعد انقضاء الحج هرب أمير مكة المكرمة والمدينة المنورة عبدالواحد بن سليمان بن عبدالملك إلى المدينة، وأعد حملة لمحاربة الخارجي بمكة المكرمة، ومنعه من التوجه إلى المدينة المنورة  .  ولكن الحملة هزمت فتقدم أبوحمزة إلى المدينة المنورة واستولى عليها، وتوجه عبدالواحد إلى دمشق فجهز مروان بن محمد جيشًا من الشام منتخبًا من عسكره قوامه أربعة آلاف جندي، وجعل قيادته إلى عبدالملك بن عطية السعدي وولاه الحرمين واليمن، فتوجه إلى المدينة المنورة، وطردهم منها، ولحق بهم إلى مكة المكرمة، حيث قتل أبا حمزة الخارجي في الأبطح بمكة المكرمة وانهزم أصحابه إلى اليمن فتتبعهم إلى هناك، حيث قتل زعيم الخوارج عبدالله بن يحيى الكندي الملقب بطالب الحق، وحمل رأسه إلى مروان بالشام
 
شارك المقالة:
64 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook