العهد المملوكي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد المملوكي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

العهد المملوكي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
كانت تبوك أثناء حكم المماليك في مصر والشام ممرًا لحجاج الشام، وذلك بعد استقرار الأوضاع في بلاد الشام نتيجة لانتهاء الحروب الصليبية  ،  وكانت قوافل الحج القادمة من الأقاليم الإسلامية إلى الحجاز تتكون من أربع قوافل تأتي من العراق ومصر واليمن والشام  ،  وكانت قافلة الحج الشامي تضم حجاج بلاد الشام، وتتخذ الطريق القديم نفسه المار بتبوك إلى الديار المقدسة، وقد حرص المماليك على تأمين الحماية لقوافل الحج التي كان تأمينها من أهم المسؤوليات التي يكلف بها شريف مكة؛ إذ كانت تلك الحماية تقوم على علاقة شريف مكة بالقبائل التي كانت منازلها تقع على طريق قوافل الحج  
 
وعلى الرغم من اهتمام المماليك بقوافل الحج ومنها قافلة الحج الشامية، إلا أن هذه القافلة كانت تتعرض إلى اعتداءات القبائل؛ ففي عام 713هـ / 1319م تعرض بنو لام من عرب الحجاز إلى قافلة للحج في تبوك عند عودتها من الحج ولكنهم هزموا  
 
ويذكر كُتَّاب الرحلات معلومات عن أوضاع تبوك خلال العصر المملوكي 648 - 923هـ / 1250 - 1517م. ومن هؤلاء محمد بن عمر بن رشيد الأندلسي (ت 721هـ = 1321م) الذي زار تبوك سنة 684هـ / 1285م، وذكر بعض منازل درب الحج الشامي ومنها تبوك التي وصفها بقوله:
 
" هي أدنى أرض الشام إلى المدينة، وهي أقصى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين دنونا منها بأميال خمسة أو ستة عبأ الناس الجيش، وتزينوا بالأسلحة ورتبت الرجال والفرسان وخلفهم الرواحل، ونـزل كثير من الناس عن رواحلهم، وساروا بها يسوقونها وعبؤوها بجزل الحطب، حتى كأنها مراكب بحرية موسقة وذلك لتعذر الحطب بأرض تبوك إلا على بعد منها، ويذكر الناس أنهم إنما يعبئون الجيش عند دخولها عادة لهم، يزعمون فيها الاقتداء لأنه صلى الله عليه وسلم دخلها كذلك، والله أعلم ولا شك أنه انتهى إليها وأقام بها ولم يتجاوزها.. 
 
ثم يصف الأندلسي عين تبوك فيقول: "... رأينا هذا الموضع قد ملئ جنانًا من نخيل وبينها يسير زرع للأعراب، وهذه العين صهريج كبير مطوي بالحجر، يجتمع فيه ماء كثير، ويخرج منه إلى جفر آخر كبير، يجتمع فيه ما يسيل من ذلك، وماؤها كثير عذب، فاغتسلنا من هذه العين المباركة، وتضلعنا من مائها الطيب المبارك... "  
 
كما تحدث الرحالة ابن بطوطة (ت 779هـ = 1377م) عن تبوك خلال رحلته لتأدية فريضة الحج مع الركب الحجازي من دمشق قاصدًا الحجاز سنة 726هـ / 1326م، فوصف منازل درب الحاج ومنها تبوك  .  يقول ابن بطوطة في وصفه تبوك: " وهو الموضع الذي غزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها عين ماء كانت تبض بشيء من الماء، فلما نـزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ منها جادت بالماء المعين، ولم يزل إلى هذا العهد ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم "  
 
ويصف ابن بطوطة عين تبوك فيقول: " وينـزل الركب العظيم على هذه العين فيروى منها جميعهم، ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال، واستعداد الماء للبرية المخوفة التي بين العُلا وتبوك. "  .  ثم يقول: " ومن عادة السقَّائين أنهم ينـزلون على جوانب هذه العين، ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس مثل الصهاريج الضخام يسقون منها الجمال ويملؤون الرّوايا والقرب، ولكل أمير أو كبير حوضٌ يَسقي منه جماله وجمال أصحابه، ويملأ رواياهم، وسواهم من الناس يتفق مع السقائين على سقي جمله وملء قربته بشيء معلوم من الدراهم، ثم يرحل الركبُ من تبوك...".
 
والواقع أن تبوك استمرت في العصر المملوكي محطة لحجاج الشام في طريقهم للوصول إلى الحجاز، حيث يشير المؤرخ ابن كثير في تاريخه إلى تبوك سنة 728هـ / 1328م على أنها محطة للحج الشامي وطريق سالكة إلى الحجاز. ففي حديثه عن وفاة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية   (ت 728هـ = 1328م) يروي عن علم الدين البرزاني قوله: "ولما مات (ابن تيمية) كنت غائبًا عن دمشق بطريق الحجاز، ثم بلغنا خبر موته بعد وفاته بأكثر من خمسين يومًا لما وصلنا إلى تبوك، وحصل التأسف لفقده رحمه الله... "  
 
لقد أعطى الرحالة المسلمون وصفًا لما أصاب تبوك من تدهور خلال فترات من العصر المملوكي، ففي سنة 737هـ / 1337م زار الرحالة خالد بن عيسى البلوي تبوك ووصف رحلته من معان   إلى تبوك، فقال:
 
" وصلنا تبوك التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلدها اليوم خراب، وعلى كل جدار غراب، فوردنا البئر المباركة التي فاضت ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرحنا بنـزولنا، وسرحنا في ظل نخيلها ثم سرنا من مهامه تجمع بين النفس والجزع، وتتصيد عنقاء البسالة في شرك الفزع، إلى أن وصلنا إلى العلاء بعد مدى بعيد وعناء شديد، وهي بليدة ذات منظر جميل، كثيرة المياه والنخيل، وبينها وبين تبوك مسيرة ثمانية أيام، نهارًا وليلاً وهي مسافة لها مهابة ومخافة تتعب فيها الركاب، وتفقد الرفقاء والصحاب، وتكابد الخطوب الصعاب... "  
 
ويلاحظ مما أورده البلوي عن تبوك خلال رحلته في سنة 737هـ / 1337م، أنها كانت تعاني كثيرًا من الدمار وهجرة السكان، لعدم استتباب الأمن خلال هذه الفترة من حكم المماليك. ويؤيد ذلك ما ذكره ابن كثير في تاريخه في أحداث سنة 737هـ / 1337م، حيث يصف ما تعرض له الحجاج في عام 736هـ / 1336م من مشقة كبيرة تمثلت في: " موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشي كثير من النساء والرجال... "  
 
غير أن ما أصاب تبوك التي كانت على طريق ركب الحج الشامي من أحداث، لم يغير من مسير الحجاج على الطريق نفسه، وخروج الركب الشامي إلى الديار المقدسة مرورًا بتبوك، ويؤكد ذلك إقامة الحجاج بها خلال حجهم، ووفاة بعضهم بها بعد قضائهم حجهم. فالعلاَّمة الشيخ علاء الدين بن غانم   توفي بعد عودته من الحج في تبوك، ودفن فيها سنة 737هـ / 1337م  
 
وعلى الرغم من أن حجاج الشام خلال فترات من العصر المملوكي كانوا يعانون في سفرهم إلى الديار المقدسة مشقات كثيرة، تمثلت في قلة الماء، وغلاء الأسعار، وموت كثير من المشاة، بالإضافة إلى ما يواجهونه من غلاء الأسعار بمكة واضطراب الأمن  ،  إلا أن قوافل الحج الشامي استمرت تعبر الطريق المار على تبوك إلى الديار المقدسة، حيث يصف عبدالقادر الجزيري (ت 977هـ) حجة صلاح الدين الصفدي (ت 764هـ = 1362م) سنة 755هـ / 1354م التي يذكر فيها الطريق الذي يسلكه حجاج الشام إلى مكة المكرمة مرورًا بتبوك، ويصف تبوك بأن بها سوقًا تقام للحجاج  ،  ثم يصف الجزيري عادة التسلح عند الوصول إلى تبوك وكذلك عين تبوك، فينقل عن صلاح الدين الصفدي قوله:
 
" ثم إنا أثرنا النياق بسَحَر، وكوكب الصبح للشرق نحر، وعملنا على أن نصبح في تبوك، وقلنا للدليل: اعمل على ذاك...، وخالف من صدك عن هذا القصد ولو كان أباك. وأخذ الركب في الاحتفال بحمل السلاح، وسلِّ السيوف وهزِّ الرماح، ونشر الأعلام الملونة، وسوق الجياد التي هي من الرياح مُكوَّنة:
 
أتينــا  بالســلاح إلـى تبـوك     وذلـك  عـادة  صـارت فسـارتْ
دخلناهـــا بإيمــان صحــيح     ديـاجي الشـرك منـه قد استنارتْ
ثم قصدنا عين تبوك، والجمال من الهُزال كالعنكبوت،... ولما وقفنا على عينها، ووفينا للعين منها حق دَيْنها، استعبر من تشوق، واستكثر من تأنَّى وتأنق، ولا أقول تنوَّق:
 
أقـول  وفـي الركائب من براه ال     هوى وسـواه حـين يـراه حَـاكى
إذا جـاءت تبــوك بنـا المطايـا     تبين  مـن بكـى ممـن تبـاكى  
وفي الفترة المتأخرة من العصر المملوكي لا ترد في المصادر التاريخية المتاحة معلومات عن أوضاع تبوك، غير أنها بقيت محطة في طريق الحج الشامي إلى نهاية العصر المملوكي وما بعده. يذكر عبدالقادر الجزيري (ت: 977هـ) طريق الحاج الشامي المار بتبوك فيقول: " والحجاج من دمشق في طريقهم تعريجات كثيرة، ومسافات زائدة عن سواء الطريق، لأن الركب يخرج من دمشق... "   ثم يذكر الجزيري عددًا من المدن يمر بها ركب الحاج الشامي كالكرك ومعان، ثم تبوك والعُلا إلى أن يصلوا إلى المدينة المنورة، ثم إلى مكة المكرمة، وفي عودة الركب الشامي يأخذ الطريق من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة إلى العُلا إلى تبوك، ثم إلى مدن أخرى، ثم إلى دمشق  
ونظرًا إلى اضطراب الأمن في الحجاز وضعف نفوذ السلطة المملوكية ولا سيما في أواخر العصر المملوكي لذا كثيرًا ما كان ركب الحج الشامي يتعرض للكثير من الاعتداءات.
 
شارك المقالة:
92 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook