العهد النبوي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد النبوي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

العهد النبوي في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
اكتسبت تبوك أهميتها في العصر الإسلامي من كونها البلدة التي عسكر فيها جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة 630م استعدادًا لمواجهة الرومان فسجل المؤرخون هذه الغزوة وفصلوا فيها، كما اهتموا بأسماء الأمكنة التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الفصل في طريقه إلى تبوك حيث كان يتخذ في كل منـزل ينـزله مسجدًا يصلي فيه، ومنها مسجد تبوك.
 
كان اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى يثرب - التي أصبحت تُعرف بالمدينة المنورة - منصبًّا على نشر الإسلام، وتقوية سلطة الدولة الإسلامية الناشئة، وتأمين حدودها بالقضاء على نفوذ الروم في الحدود الشمالية من الجزيرة العربية.
 
وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم حملتين عسكريتين إلى الحدود الشمالية لمدينة تبوك، أما الحملة الأولى فقد بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنة 7هـ / 628م بقيادة زيد بن حارثة إلى قبيلة جُذام المقيمة في أرض حِسْمَى  ،  وهي هضبة تقع إلى الغرب من تبوك، بينها وبين وادي القرى ليلتان  .  أما الحملة الثانية فكانت سرية مؤتة في سنة 8هـ / 629م  
 
هاتان الحملتان كانتا موجهتين إلى الحدود الشمالية من الجزيرة العربية للقضاء على نفوذ الروم والقبائل المتحالفة معهم، ومد سلطة الدولة الإسلامية إلى الحدود الشامية، وقد تلتهما غزوة تبوك.
 
أ - غزوة تبوك:
 
وقعت غزوة تبوك في رجب السنة التاسعة للهجرة   سبتمبر 630م. وكان الهدف منها القضاء على نفوذ الروم في الحدود الشمالية من الجزيرة العربية والقبائل العربية المتنصرة المتحالفة معهم، والمقيمة بتبوك وما حولها وهي: لخم وجذام وغسان وعاملة  
 
1 - أسباب غزوة تبوك:
 
إن السبب الرئيس لغزوة تبوك هو مد النفوذ الإسلامي إلى الحدود الشمالية من الجزيرة العربية. أما السبب المباشر لهذه الغزوة فهو تواتر الأخبار القادمة من تلك المنطقة بأن الروم يستعدون لحملة ضد المسلمين، وقد قام الأنباط   التجار الذين كانوا يقدمون من بلاد الشام إلى المدينة المنورة للتجارة، ويجلبون معهم الدقيق والزيت منذ عصر ما قبل الإسلام وفي الفترة الإسلامية، بإبلاغ المسلمين في المدينة بأن الروم قد جمعوا جموعًا كبيرة في بلاد الشام لغزو المسلمين، وأن هرقل إمبراطور الروم قد جلب معه بعض القبائل العربية المتحالفة معه وهم: لخم، وجذام، وغسان، وعاملة، وزحفوا حتى قدموا إلى البلقاء   وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص  
وكانت هذه القبائل المتحالفة مع الروم تدين بالنصرانية ويمثلون حرسًا يحرسون حدود الشام الجنوبية لحساب الإمبراطورية البيزنطية.
 
2 - الاستعداد لغزوة تبوك:
 
علم الرسول صلى الله عليه وسلم بتجمع الروم والقبائل العربية المتحالفة معها على الحدود الشمالية من الجزيرة العربية، فأعدَّ العدة لتجهيز حملته لغزو تبوك، والملاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه أعلنها وبيَّنها للمسلمين  
 
وكان الباعث على تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك للمسلمين أسبابًا عدة، وهي أن الاستعداد للغزوة كان في موسم الحر الشديد، وجدب الأرض وقلة المحصول الزراعي، ومشقّة السفر وبُعد المسافة وكثرة الأعداء.
 
ويصور ابن هشام استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الغزوة وظروفها، فيروي:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيُؤ لغزو الروم، وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يَصْمُد له يقصده، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس، لبعد الشقة وشدة الزمان، وكثرة العدو يَصْمُد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم"  
 
ثم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم لغزو الروم  .  وحض المسلمين على القتال والجهاد، ورغبهم فيه. فبلغ عدد الجنود ثلاثين ألفًا  ،  يحتاجون إلى كميات كبيرة من المال والسلاح والغذاء، لا تكفيهم المؤونة المتاحة في ذلك الوقت العصيب. وهنا، أمر أصحابه بالصدقة، وحض الأغنياء منهم على الإنفاق. فسارع أغنياء الصحابة وفقراؤهم ونساؤهم بتقديم ما لديهم من المال طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحتسبوا في ذلك الأجر عند الله سبحانه وتعالى  
 
ويشير الواقدي بالتفصيل إلى ما قدمه الصحابة من أموال، فيذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جاء بماله كله وهو أربعة آلاف درهم، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، وتبرع عبدالرحمن بن عوف بمئتي أوقية من ذهب. وأتى العباس بن عبدالمطلب وطلحة بن عُبيد الله، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة بأموالٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تصدق عاصم بن عدي بتسعين وسقًا تمرًا  
 
وكان أكثر هؤلاء الصحابة نفقة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد أنفق على الجيش 70.000 درهم  .  وجهز ثلث الجيش بكل ما يحتاجه من مؤنٍ حتى إنه أتى بالخيوط والحبال التي تعلق بها قِرَب الماء ويشد بها فمها، فلم يبقَ لهم حاجة. وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا". وفي رواية أخرى: "اللهم ارضَ عن عثمان فإني عنه راضٍ"  . 
 
وتقدم بعض فقراء الصحابة للإسهام في هذه الغزوة، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: "هذا البعير بينكما تتعاقبانه"، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها مَنْ يخرج في هذه الغزوة  .  وقد رُوي أن بعض فقراء الصحابة تقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه ما يحملهم عليه، وكانوا أهل حاجة، فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، فخرجوا من عنده وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا بأنهم لا يجدون ما ينفقون 
وبالإضافة إلى أغنياء الصحابة وفقرائهم، أسهمت نساء الصحابة بالتبرع بكل ما لديهن من أساور وحلي وخلاخل. تقول أم سنان الأسلمية: "لقد رأيت ثوبًا مبسوطًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها فيه مَسَكٌ ومعاضد وخلاخل وأقراط وخواتيم، وخدمات مما يبعث به النساء يُعِنَّ به المسلمين في جهازهم"  
 
3 - المنافقون والمتخلفون عن غزوة تبوك:
 
خلال مرحلة استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لمعركة تبوك - والتجهّز لهذه الغزوة، وقف بعض المنافقين والمتخاذلين موقفًا سلبيًا. غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ تجاه هؤلاء المنافقين والمتخاذلين موقفًا حازمًا. فحينما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن مجموعة من المنافقين يجتمعون في بيت رجل من اليهود ويثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في مجموعة من أصحابه، وأمره أن يُحرق عليهم البيت، ففر أحدهم، واقتحم الباقون النار فأفلتوا، ولكنهم لم يعودوا لمثلها  .  وكان على رأس هؤلاء المنافقين عبدالله بن أبيّ بن سلول الذي لم يقتصر على عدم مشاركته في هذه الغزوة، بل كان يثبّط الناس ويدعوهم إلى التخاذل عن نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
 
يذكر الواقدي أن عبدالله بن أبيّ بن سلول كان يقول: " يغزو محمدٌ بني الأصفر، مع جَهد الحال والحر والبلد البعيد، إلى ما لا قِبَلَ له به! يَحسَب محمدٌ أن قتال بني الأصفر اللعب؟". كما كان يقول: " والله لكأني أنظر إلى أصحابه غدًا مُقرَّنين في الحبال! "  
 
كما جاءت مجموعة من المنافقين يستأذنون الرسول صلى الله عليه وسلم من غير علة فأذن لهم، وكان عددهم نحو ثمانين نفرًا، كما جاء مجموعة من الأعراب فاعتذروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
وبالإضافة إلى هؤلاء المنافقين تباطأ مجموعة من المسلمين وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير شك ولا ارتياب، وهم مجموعة لا يُتهمون في إسلامهم  
 
وتدل الآيات القرآنية التي نـزلت في المنافقين والمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك على عِظَم ما ارتكبوه من تركهم الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
ففي الجَدّ بن قيس الذي عرض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم محاربة الروم واعتذر قائلاً: "يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عَرَف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبًا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر.. "
 
وفي الجَدّ بن قيس أيضًا، وغيره من المنافقين الذين كانوا يثبطون الناس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين لهم: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد وشكًا في الحق 
 
غير أن هؤلاء المنافقين والمتخاذلين لم يثنوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن عزمه السير إلى تبوك، فعزم وأجمع على السير إلى تبوك، بعد أن استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم استعمل سباع بن عرفطة على المدينة   كما خلف الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أهلِه وأمره بالإقامة فيهم.
 
4 - جيش تبوك وسير الحملة:
 
اكتمل عدد الجيش الذي أعدّه الرسول صلى الله عليه وسلم وجهزه فبلغ نحو ثلاثين ألف مقاتل من المسلمين  ،  في المعسكر الذي أعده الرسول صلى الله عليه وسلم في ثنية الوداع خارج المدينة  . 
 
وبعد اكتمال هذا الجيش قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتعيين القادة وحملة الألوية وهم على النحو الآتي:
 
أ) أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لواءه الأعظم، ما يدل على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو صاحب أعلى رتبة عسكرية في الجيش  . 
 
ب) الزبير بن العوام رضي الله عنه وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم رايته العظمى، ما يدل على أنه في المرتبة الثانية قائدًا للجيش  . 
 
ج) أُسيد بن حضير وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم راية الأوس.
 
د) أبو دجانة وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لواء الخزرج  . 
 
ويقال: إنه صلى الله عليه وسلم أعطى الحباب بن المنذر بن الجموح لواء الخزرج.
 
هـ) زيد بن ثابت وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم راية بني مالك بن النجار.
 
وبالإضافة إلى تعيين القادة وحملة الألوية أمر الرسول صلى الله عليه وسلم كل بطن من الأنصار أن يتخذوا لهم لواء وراية، وأن تكون لكل قبيلة راية ولواء، وأن يكون حَمَلة الرايات من حفظة القرآن الكريم.
 
وكان جيش الرسول صلى الله عليه وسلم المكون من ثلاثين ألفًا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اثني عشر ألفًا أو خمسة عشر ألفًا على الرواحل، وعشرة آلاف فارس على الخيل  ،  وباقي الجيش مشاة. كما اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم دليلاً إلى تبوك هو علقمة بن الفغواء الخُزاعي  .
 
سار الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك سالكًا الطريق الشمالي الذي يمر بوادي القرى ففدك فالحجر فتيماء إلى أن وصل تبوك إلى حدود بلاد الشام. وقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه عددًا من المصاعب، تمثلت في الظروف المناخية من حر ورياح وشمس لافحة  ،  فكان - عليه الصلاة والسلام - يسير في الليل ويستريح في النهار.
 
ولم يقتصر الأمر على الظروف المناخية الصعبة، بل واجه الرسول صلى الله عليه وسلم خلال مسيرته إلى تبوك مصاعب أخرى تمثلت في وعورة الطريق، وقلة المياه خصوصًا في المنطقة الكائنة بين الحجر وتيماء، إذ إن أرضها بركانية وعرة تكاد تكون معدومة المياه  
 
غير أن هذه المصاعب لم تثنِ المسلمين عن التقدم مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا تبوك، حيث أقام فيها عشرين ليلة  .  ولم يلقَ في تبوك أي مقاومة، بل صالحه أهلها على الجزية  .  أما هرقل ملك الروم، فبقي في حمص، ولم يزحف ويتحرك إلى تبوك  .  وهابت القبائل محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدمت إليه صلى الله عليه وسلم رُسل هرقل، فكساهم وردّهم  
 
شارك المقالة:
66 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook