العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالرياض في المملكة العربية السعودية

العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
أسهم عدد من العوامل الطبيعية والبشرية في نشأة مراكز العمران ونموها، وفي نمط توزيعها وانتشارها. وأدّت العوامل الطبيعية - منذ القدم حتى الآن - دورها الواضح في تحديد المعالم الرئيسة لمحاور توزيع مراكز العمران في المنطقة، وانعكست تأثيراتها بقوة على مواقع التجمعات السكانية القديمة ونمط توزيعها، ومن أهم تلك العوامل:
 

التضاريس

 
ربما تكون منطقة الرياض من أكثر مناطق المملكة تأثرًا بالمظاهر الطبيعية في توزيع مراكزها العمرانية. وتُعدُّ الحافات (الضلوع الصخرية) التي تمتد إلى الشرق من الدرع العربي على هيئة أقواس متتابعة أبرز مظاهر السطح في المنطقة، وجبل طويق هو أبرز هذه الحافات، بل أبرز المظاهر التضاريسية في المنطقة.
وشكَّل قوسُ طويق الطبيعي قوسَ استيطان بشري مماثل يقع إلى الشرق منه، حيث تنتشر الأودية المنحدرة باتجاه الشرق أو الجنوب الشرقي، وعلى ضفافها وقربها قامت أهم مراكز الاستقرار منذ القدم، وهنا نجد أحد أهم محاور توزيع مراكز العمران، ليس في منطقة الرياض فحسب، بل في شبه الجزيرة العربية. وأهم التجمعات السكانية على السفوح الشرقية لهذه الحافة - من الشمال إلى الجنوب - مدن وبلدان: المجمعة، وحوطة سدير، وثادق، وحريملاء، والدرعية، والرياض، والحاير، والخرج، والدلم، والحريق، وليلى، والسليل. وإلى الغرب من حافة طويق - حيث تكون الحافة هنا شديدة الانحدار - قام قوس آخر من مراكز الاستيطان البشري، ولكن ليس بحجم القوس الشرقي. وأهم التجمعات السكانية على السفوح الغربية للحافة من الشمال إلى الجنوب: الزلفي، والغاط، وشقراء، وضرما، والمزاحمية، وفي النهاية الجنوبية لهذا القوس توجد سلسلة من التجمعات البشرية الممتدة من الغرب إلى الشرق وذلك في سهل وادي الدواسر الذي يخترق حافة طويق، ومن أهمها: اللدام، والخماسين 
 

مصادر المياه

 
يؤدي الماء دورًا حاسمًا في تحديد أمكنة الاستقرار البشري، خصوصًا في الأراضي الصحراوية الجافة التي تعتمد على مصادر محدودة من المياه في كمياتها وأمكنة وجودها. ومن هنا قامت مراكز الاستيطان القديمة في منطقة الرياض في مواضع حدَّدها توافر المياه بكميات مناسبة.
ونشأت مدن الواحات حيث توجد العيون الجارية والينابيع والأفلاج، أو حيث يمكن الوصول إلى المياه من أعماق قريبة. وعلى امتداد مجاري الأودية الرئيسة والشعاب أو قربها، قامت أهم مراكز العمران القديمة في المنطقة وأكبرها 
ويُعدُّ وادي حنيفة - على وجه الخصوص - أهم أودية المنطقة تأثيرًا في نشأة مراكز العمران وتوزيعها وحجمها في منطقة الرياض، وتكمن أهميته في موقعه وقيام عدد من مراكز العمران الرئيسة على ضفتيه أو حولهما، وزاد من شهرته قيام عدد من المراكز وعواصم بعض الدول والدويلات التي تعاقبت على المنطقة على ضفتيه أو قربهما، مثل: حجر والخضرمة، والدرعية، ومدينة الرياض.
ومن الأودية الأخرى وادي الدواسر، وهو من أشهر الأودية في منطقة الرياض، وقد كوّن هذا الوادي سهلاً رسوبيًا فسيحًا ممتدًا من الغرب إلى الشرق، وعليه قامت أهم مراكز الاستقرار في محافظتي وادي الدواسر والسليل، وأودية الحوطة والحريق وعليها قامت مجموعة من مراكز الاستيطان القديمة.
وبعد دخول وسائل الحفر الحديثة حددت أحواض المياه الجوفية - التي يرتبط وجودها وكمية مياهها بالتكوينات الجيولوجية للمنطقة - نمط توزيع مراكز الاستيطان وأحجامها، وقد أدى حفر الآبار العميقة إلى إحداث تغير في توزيع مراكز الاستيطان وأحجامها عن طريق السماح بتنمية أراضي الزراعة التقليدية القديمة، وزراعة أراضٍ جديدة كانت من قبل صحراء خالية. وفي محافظات النطاق الرسوبي تظهر التجمعات الحضرية الكبرى، والزراعة الواسعة.
أما المحافظات الواقعة في نطاق الدرع العربي، فإن توزيع مراكز العمران فيها يتمثل في مجموعة كبيرة من الهجر والقرى وعدد محدود من المدن المتوسطة أو صغيرة الحجم، وتنتشر الهجر والقرى في هذا النطاق بصورة مبعثرة ومتباعدة، حيث يمكن الحصول على كميات قليلة من المياه من بطون الأودية أو من الطبقات الضحلة والفقيرة التي تعتمد في تغذيتها على كميات الأمطار الساقطة  
وإلى جانب توافر المياه، فإن خصوبة التربة كان لها دورها في نشأة مراكز الاستيطان، وقيام مراكز عمرانية وتجمعات سكانية مميزة.
 

طرق النقل والمواصلات

 
كان لطرق التجارة والحج القديمة التي تخترق منطقة الرياض دورها في نشأة بعض مراكز الاستيطان البشري ونموها، وقد قام عدد من بلدان المنطقة بوصفها مراكز خدمات ومحطات طرق، على الطرق التقليدية القديمة، وكانت مدينة الرياض - إلى جانب وظائفها الأخرى - من أشهر محطات الطرق القديمة التي تخترق وسط الجزيرة العربية، كما أن وادي حنيفة كان مسلكًا طبيعيًا لعدد من الطرق التي تربط جنوب الجزيرة بشمالها، وشرقها بغربها.
وقد سلكت شبكات الطرق الحديثة - في الغالب - مسارات الدروب والمسالك القديمة أو مسارات قريبة منها. وكان لشبكة الطرق البرية المعبدة والممهدة - بشموليتها ودخول وسائل النقل - الحديثة، أبلغ الأثر في توزيع مراكز الاستيطان ونموها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشر
وأهم الطرق الحديثة التي أسهمت في عملية الانتشار العمراني على جانبيها والناتج في معظمه من توطين سكان البادية: طريق الرياض - مكة المكرمة القديم. وقد أسهم هذا الطريق الذي أنشئ في الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري الماضي الستينيات من القرن العشرين الميلادي في نمو المراكز العمرانية الصغيرة في الدرع العربي، بل إن بعض القرى والبلدات الصغيرة مثل الدوادمي وعفيف تحولت إلى مدن كبيرة استقطبت سكان البادية المنتشرين في محيطها. وكذا بالنسبة إلى طريق الرياض - مكة المكرمة السريع، والرياض - القصيم السريع، وطريق الرياض - الخرج - وادي الدواسر - نجران  
 

توطين سكان البادية

 
ومن أبرز العوامل المؤثرة في نشأة مراكز الاستيطان الحديثة وتوزيعها: برنامج توطين سكان البادية، فالأرطاوية - وهي أول هجرة في المملكة إذ أسست عام 1330هـ / 1912م تقع ضمن منطقة الرياض، وكان من سرعة استقرار أبناء البادية أن ازداد عدد الهجر وتوسع انتشارها الجغرافي، حتى صار عدد منها مدنًا على درجة من الأهمية 
 

برامج التنمية

 
أدت برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة إلى تغير جذري في محاور توزيع مراكز الاستيطان، ليس في اتجاهاتها ومواقعها فحسب، ولكن بشكل أوضح في أحجامها.
وقد وظفت حكومة المملكة عائدات النفط لتنفيذ برامج تنمية شاملة؛ فمدت شبكات الطرق والكهرباء والمياه، وحفرت الآبار العميقة، ووزعت الأراضي البور لتنميتها وزراعتها، وشجعت على تنفيذ المشروعات الزراعية والحيوانية، وحصلت نسبة كبيرة من سكان البادية على أراضٍ بور لزراعتها ما ساعد في عملية استقرارهم. وفي المدن والقرى وزعت قطع أراضٍ سكنية على سكانها القادمين إليها من الريف. وأسهمت بنوك وصناديق الإقراض - وخصوصًا صندوق التنمية العقارية - في تشجيع المواطنين على الاستقرار في المدن والقرى الكبيرة للحصول على قروض لبناء مساكن، فضلاً عن إسهامها في تغيير نمط عمران المساكن.
 
شارك المقالة:
78 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook