العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
لعل أهم المؤثرات التي أدت دورًا أساسيًّا في نشأة المراكز وتشكيل خريطة العمران في المملكة بصورة عامة، وفي المنطقة بصورة خاصة، كانت حركة إنشاء الهجر واكتشاف البترول في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والتشريعات والتنظيمات الحضرية التي منها صندوق التنمية العقاري؛ لذا فإن من الأهمية التعرض بشيء من التفصيل لكل منها على النحو الآتي:
 

حركة إنشاء الهجر

 
تزامن إعادة ضم المنطقة مع حركة إنشاء الهجر التي تعد من إبداعات الملك عبدالعزيز. ويُؤَرخ لبداية حركة الهجر بإنشاء أول هجرة وهي الأرطاوية في عام 1330هـ /1912م، وبعد ذلك بعام واحد فقط، أي في 1331هـ /1913م تم ضم الأحساء والقطيف، وبذلك تمت استعادة المنطقة إلى الدولة السعودية الحديثة.
 
وعلى الرغم من تعرض معظم الدراسات إلى عدد الهجر التي تأسست في عهد الملك عبدالعزيز، إلا أن هناك تفاوتًا كبيرًا فيما بينها، ولعل الرقم الذي اقترحته إحدى الدراسات   المتمثل في 175 هجرة مصنفة طبقًا للاسم والقبيلة هو أقرب الأرقام إلى الواقع كما هو مبين في (جدول 39) 
ويتبين من خلال مناقشة مراكز العمران في المنطقة أن لها نصيب كبير من هذه الهجر.
 
 

اكتشاف البترول وإنتاجه

 
توحدت المملكة وأخذت شكلها الحالي عام 1351هـ /1932م وأدى توحيدها السياسي وانبثاق عاصمتها وتحديد الوحدات الإدارية فيها وعواصمها إلى تغير في الأمكنة وظهور هرم حضري واضح زاد رسوخًا بسياسات توطين سكان البادية وسيادة الأمن والنظام وحرية الحركة، ومن نظام حضري غير متفاعل وممزق داخليًّا، ونطاقات نفوذ مشيخات وقبائل، إلى دولة واحدة  
 
وجد الملك عبدالعزيز اقتصاد الدولة الناشئة ضعيفًا جدًّا، ويعتمد بدرجة أساسية على إيرادات الحج السنوية. مع تلاشي هذه الإيرادات بصورة واضحة إثر الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، فكر الملك عبدالعزيز في إيجاد موارد يعتمد عليها في دولته الحديثة، فهداه تفكيره الثاقب - بعد توفيق الله - إلى استغلال الموارد المعدنية ولا سيما البترول، إذ كانت هناك اكتشافات في الدول المجاورة للحدود الشرقية لدولته في البحرين والعراق. في ضوء ذلك وقعت الحكومة السعودية اتفاقية تنقيب عن البترول مع شركة ستاندرد أويل أُف كاليفورنيا (STANDRAD OIL OF CALIFORNA) في صفر 1352هـ /ايو 1933م. وقد اُكتشفت أول بئر للبترول في الدمام عام 1354هـ /1935م. وبدأ الإنتاج - لأول مرة - في عام 1357هـ /1938م. ثم بدأ التصدير إلى الأسواق العالمية ابتداءً من عام 1358هـ /1939م. وبعد التأكد من ضخامة احتياطي البترول، عملت الشركة على إشراك بعض الشركات الأمريكية الأخرى التي كونت منها الشركة التي عرفت باسم (شركة الزيت العربية الأمريكية) (أرامكو ARAMCO) عام 1363هـ /1944م ويقع نطاق امتيازها في المنطقة  
 
اتضح التأثير المباشر لعمليات التنقيب؛ إذ بدأ تنفيذ عدد من المشروعات الصناعية بالمنطقة علاوة على عدد من المشروعات العمرانية، وبدأت الهجرة بصورة مكثفة إلى المنطقة بهدف العمل في شتى المجالات ما نتج عنه نمو بعض قرى صيد الأسماك مثل الدمام والخبر والجبيل، إضافة إلى الظهران مركز الشركة، غير أنها لم تصبح ذات ثقل سكاني كبير، وبقيت الغلبة السكانية للمدن التقليدية القديمة مثل: الهفوف والمبرز والقطيف، لكنها فقدت أهميتها القديمة وأصبح تأثيرها مقصورًا على النطاق المحلي لها في مناطقها الزراعية، وتعرض الهيكل السكاني للقرى بالمنطقة إلى كثير من التغير لنـزوح الشباب إلى المدن والمراكز الصناعية بحثًا عن فرص عمل. وظهرت على الحيز المكاني بعض المراكز العمرانية الجديدة مثل: الظهران، ورأس تنورة، ورحيمة، وعين دار الجديدة، والعضيلية، والسفانية، وتناجيب والخفجي، وعلى امتداد خط أنابيب البترول (التابلاين) ظهرت مدن مثل: أبقيق والقيصومة والنعيرية.
 
انعكست العمليات السابقة بوضوح على التنمية العمرانية بالمنطقة، فقد ظهر عدد من مراكز العمران التي لم تكن موجودة من قبل على الحيز المكاني للمنطقة، إضافة إلى نمو المراكز القديمة بصورة سريعة، كما يتبين في الفقرات اللاحقة.
 

الأطر والتشريعات الحضرية

 
بدأت التشريعات الحضرية في المملكة منذ مطلع الثلاثينيات الميلادية من القرن الحالي بصدور بعض الأنظمة واللوائح كإجراءات محددة لمعالجة أوضاع محلية معينة في البلديات جرى فيما بعد تقنينها كنظم ولوائح واشتراطات تطبق في أرجاء المملكة كافة، مثل نظام أمانة العاصمة والبلديات الصادر بالأمر السامي رقم 8723 في 20 رجب 1357هـ الموافق 1937م الذي حدد مهام البلديات ومسؤولياتها، وخولها صلاحية أولية لوضع الأنظمة العمرانية ونظم تحديد المناطق واشتراطات البناء، إذ شكل ذلك أول خطوة إزاء تخطيط المدن. ثم صدر نظام المباني في عام 1360هـ /1941م. وفي 1385هـ /1965م قامت الدولة بتأسيس وكالة وزارة الداخلية لشؤون البلديات لمعالجة القضايا المتعلقة بالخدمات البلدية التي نجمت عن النمو السريع للمدن والقرى السعودية، وفي مطلع السبعينيات الميلادية من القرن الحالي تعاقدت الوكالة مع شركات استشارية لإعداد خمسة مخططات إقليمية ومخططات عمرانية لخمس مدن رئيسة في كل منطقة لتحقيق نمو مستقبلي منظم وسليم للمناطق الحضرية كانت مدينة الدمام إحداها. وفي عام 1395هـ /1975م استحدثت وزارة الشؤون البلدية والقروية لإدارة شؤون التخطيط العمراني في المملكة، وشملت المهام الموكلة إليها ضبط التنمية الحضرية وتوفير الخدمات البلدية وإدارة الأراضي. تلا ذلك تشكيل وكالة تخطيط المدن ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة، وأُنيطت بها مسؤولية الإشراف على شؤون التخطيط العمراني في المملكة  .  ولقد بادرت الوزارة في الفترة 1396 - 1397هـ /1976 - 1977م بمشروعات المخططات الرئيسة التنفيذية للمناطق الحضرية لسبع من المدن الرئيسة بالمملكة كانت مدينة الدمام من بينها.
 
وفي عام 1397هـ /1977م صدر قرار عن مجلس الوزراء يخول وزير الشؤون البلدية والقروية إعطاء البلديات بعض السلطات في تخطيط المدن وتنظيمها، وتم تصنيف أكبر خمس مدن في المملكة إلى أمانات من بينها مدينة الدمام.
 
سعت وكالة تخطيط المدن طيلة الفترة من 1408 - 1410هـ /1988 - 1990م لإعداد استراتيجية عمرانية وطنية للفترة من 1410 - 1441هـ /1990 - 2020م مع بذل جهود حثيثة نحو صياغة نظام تخطيط عمراني جديد على المستوى الوطني، وإدراكًا منها لضرورة تحديث الإستراتيجية العمرانية الوطنية التي صيغت في الفترة 1398 - 1400هـ /1978 - 1980م واقتراح سياسات مناسبة للتخطيط العمراني والتنمية العمرانية للمملكة مع مراعاة الحفاظ على القيم الإسلامية  
 
نال قطاع الإسكان اهتمامًا ملحوظًا، فقد أنشئ صندوق التنمية العقارية في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، فكان له دور واضح في نمو عدد من المراكز الحضرية والريفية من مدن وقرى وهجر، وتشير إحصاءات تقرير صندوق التنمية العقاري 1421 - 1422هـ /2003 - 2004م إلى أنه تم بناء ما يقارب 550 ألف وحدة سكنية على مستوى المملكة انتشرت في المدن والقرى والهجر. كان نصيب المنطقة منذ إنشاء الصندوق في عام 1395هـ /1975م إلى نحو 73563 وحدة سكنية، انتشرت في مدنها وقراها وهجرها، أي ما يقارب 14% من إجمالي الوحدات المبنية في المملكة  
توجت الأطر الإدارية بالأطر التنظيمية التي كان لها أثر كبير في إرساء النظام الحضري السعودي والتي تتمثل بنظامي المناطق ومجلس الشورى.
 
يعد نظام المناطق خطوة مهمة على طريق تفعيل كفاءة التنمية على مستوى المناطق، الأمر الذي أسهم في بلورة تصور شامل عن الإمكانات المتاحة لكل منطقة والتخطيط لاستخدامها في مشروعات تنموية مجدية. وأتاح تأسيس مجالس المناطق الفرصة لتنسيق توزيع المشروعات المختلفة والمرافق والخدمات على مستوى كل منطقة بما يحقق الهدف الإستراتيجي لخطة التنمية السابعة والمتمثل في تحقيق التوازن بين مناطق المملكة  
 
أما نظام مجلس الشورى الذي يخوله برفع التقارير والتوصيات عن مختلف أوجه الحياة ونشاط الدولة إلى صاحب القرار، بما يمكن الرأي الآخر غير الرسمي أن يسهم كثيرًا في معالجة عدد من الموضوعات، وبالتالي فإن لمجلس الشورى دور حيوي ومهم ضمن سياسات إستراتيجيات التنمية الحضرية 
 
شارك المقالة:
55 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook