العيون غير الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العيون غير الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

العيون غير الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
استطاع الإنسان منذ القدم بطريقة هندسية أن يجعل المياه الجوفية تتدفق بشكل تلقائي على سطح الأرض من خلال قنوات أفقية دون الحاجة إلى مضخات. وتعد القنوات التي أنشأها الإنسان لتتدفق المياه منها عيونًا صناعية تسمى بالعيون أو الدبول أو الخيوف أو الأفلاج  .  وتتكون العين الصناعية من أربعة أقسام هي: البئر أو الآبار الأساسية التي تمثل منبع العين، والقنوات الأفقية للعين، والآبار المكملة (شفاط - خرز) التي يتطلبها حفر القناة وصيانتها، وأخيرًا مخرج القناة على سطح الأرض الذي يمثل العين. ولإنشاء العيون الصناعية يتم العمل على حفر بئر أو أكثر لتزويد العين بالمياه في الأجزاء العليا أو الوسطى من الأودية أو في موقع مرتفع نسبيًا، وتكون هذه الآبار الأساسية بعمق قد يتجاوز 20م، كما أنها تخترق كليًا أو جزئيًا الطبقة الخازنة للمياه الجوفية. ويحفر من قاع البئر الأساسية نفق أو قناة أفقية تحت سطح الأرض تميل ميلاً خفيفًا يسمح بانسياب المياه بالجاذبية خلال هذه القناة، ويراعى أن يتفق اتجاه قناة العين مع انحدار سطح الأرض المحلي، وتمتد قناة العين نحو الأجزاء السفلى لمسافة قد تصل إلى عدد من الكيلومترات حتى تصل الأمكنة المنخفضة حيث يكون قاع قناة العين عندها أعلى من سطح الأرض، لتخرج المياه متدفقة على السطح. وخلال عملية حفر القناة وعلى طول قناة العين لا بد من حفر آبار رأسية (شفاط - خرز) بعد كل بضعة أمتار، الهدف منها أن تمد العاملين على حفر قناة العين بالهواء أثناء الحفر وتسهل عليهم عملية إخراج الأتربة، وتسمح أيضًا بإجراء عمليات التنظيف والصيانة لقناة العين فيما بعد  .  وتشير وزارة الزراعة والمياه   إلى أن نظام العيون الصناعية ربما انتشر في البداية في مصر وعمان وجنوب الجزيرة العربية في فترة توسع وامتداد الإمبراطورية الفارسية.
 
تعرف هذه القنوات الصناعية في منطقة المدينة المنورة بالعيون، وتوجد عيون كثيرة في المدينة المنورة وفي العلا وينبع وخيبر وبدر. وتشير الدلائل إلى أن بعض هذه العيون قد أنشئت في عصور ما قبل الإسلام. وكانت تستغل مياهها في الري  .  ومن أكثر العيون شهرة في المدينة المنورة عين الأزرق (العين الزرقاء) لعذوبة مائها ولأهميتها في سد احتياجات سكان المدينة المنورة من المياه لفترة تزيد على ثلاثة عشر قرنًا. وعرفت بهذا الاسم نسبة إلى مروان بن الحكم الذي أنشأها عام 51هـ / 671م وكان أزرق العينين  .  وتقع البئر الأساسية للعين الزرقاء قرب مسجد قباء جنوب المدينة المنورة، وتتجه قناة العين شمالاً نحو المدينة المنورة، وتعبر سورها القديم من الشمال إلى الجنوب على امتداد المساكن، وتستمر إلى أن تصب في المزارع قرب جبل أحد. وقد جُرّت منها فروع إلى المسجد النبوي وبعض الأحياء.
 
اهتم جلالة الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بمسألة توفير مياه الشرب في أرجاء المملكة كافة، خصوصًا في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يفد إليهما أعداد كبيرة من الحجاج والمعتمرين. فقد أصدر توجيهاته بالاهتمام والعناية بأوضاع عيون المياه التي كانت تزودهم بمياه الشرب في ذلك الحين، ووجوب المحافظة عليها وتطويرها؛ ففي عام 1344هـ / 1925م أمر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بتشكيل هيئة مختصة بالعين الزرقاء سميت بهيئة العين الزرقاء لإدارتها والإشراف عليها، وتأمين المياه للسكان المقيمين والزائرين. ورصد لهيئة العين الزرقاء ما تحتاج إليه من أموال لإنجاز أعمالها، فقد حفرت منابعها القديمة واستخدمت فيها الأنابيب المعدنية بدلاً من قنواتها القديمة بهدف حفظ مياه العين من التلوث وإيصالها إلى كل حي بالمدينة  .  ولكن الزيادة المستمرة في أعداد السكان وتحسن مستواهم المعيشي في المدينة المنورة صاحبهما زيادة في الطلب على المياه وزيادة في استخراج المياه الجوفية؛ ما أدى إلى انخفاض مستوى الماء الجوفي، الأمر الذي أثر في تدفق المياه تلقائيًا من العيون. فقد ذكرت وزارة الزراعة والمياه   أيضًا أن:
 
"من الأعمال التي قامت بها الهيئة عندما انخفض مستوى ماء العين عن مجراها وعجز مياهها عن الجريان في دبولها إلى المدينة بناء خزانين؛ سعة كل خزان 750م  . واستمرت العناية بالعين الزرقاء بعد وفاة الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - فأنشئ خزان ثالث بسعة 4000 متر مكعب في جنوب غرب مسجد قباء، وتم إنشاء خزانين آخرين ساهما في إيصال المياه إلى المنازل التي لم تصلها المياه في المرحلة الأولى"
 
وفي ينبع النخل كانت العيون الصناعية في الماضي كثيرة، ولكنها تناقصت، ويوجد منها الآن عين الجابرية  وعين الشعثاء وعين خيف  وعين حسين وعين الحربية  .  ويذكر الخطيب   أن "ينبع النخل غنية بمياه عيونها الجارية والتي يبلغ عددها في وقتنا الحاضر أربعًا وعشرين عينًا، وإن نضب بعضها في سنين ماضية لكن أخذت تعود تباعًا بعد أن شيدت الدولة سد وادي الفرعة وبدأت فعاليته في يوم 8 / 2 / 1405هـ". أما في بدر فقد أكد البليهشي   أن المنطقة لم تعرف العيون الصناعية إلا في العهد الأموي، فقد كانت تسود الآبار فيها. ومن العيون التي أنشئت في العهد الأموي عين بدر التي قام عليها عدد من المزارع في جهة بدر مما يلي مقبرة الشهداء، وعين إدمان في الجهة المقابلة لها. ويذكر أيضًا أن "ميناء الجار على ساحل البحر الأحمر والذي يبعد 30كم تقريبًا عن بدر كان يسقى من البحيرة وهي عين بوادي (يليل) الذي يسير مخترقًا مدينة بدر. وقد جفت تلك العيون بمرور السنين وصارت المنطقة تعتمد على الآبار في الوقت الحاضر"
 
وأدى استغلال مياه العيون الصناعية للري دورًا مهمًا في الحياة الاقتصادية بمدينة العلا قبل توحيد المملكة. ويذكر نصيف   أن العيون الصناعية جميعها في العلا كانت ميتة، وفي حالة خراب عدا عينين فقط هما: عين تدعل وعين المعلق، مشيرًا إلى أن تاريخ إنشاء عين تدعل يعود إلى ما قبل الميلاد. وقد تمكن أهل العلا في نهاية القرن الثالث عشر الهجري وخلال القرن الرابع عشر الهجري من إحياء إحدى وأربعين عينًا، في حين فشلت جهودهم في إحياء إحدى عشرة عينًا أخرى. وقد أورد بيانًا بأسماء العيون وتاريخ إحيائها وتاريخ انقطاعها مرتبة من الشمال إلى الجنوب، (جدول 25) . ويتضح من هذا الجدول أن عين العوجاء وعين الجديدة تعدان أقدم العيون المحياة، فقد تم إحياؤهما عام 1298هـ / 1881م. كما يتبين أن العيون جميعها توقفت عن التدفق في الوقت الحاضر، وأن عين ضبعة كانت آخر عين توقفت عن العمل فقد توقف تدفق الماء منها عام 1404هـ / 1984م. وكانت مياه هذه العيون تستخدم للأغراض المنـزلية وري المزارع. وطور أهل العلا نظامًا للري يتم من خلاله توزيع مياه العيون على المزارعين بما يتناسب مع ما يملكه كل مزارع من مساحة مزروعة، إذ كان كل مزارع يستقبل مياه العين لفترة من الزمن، تسمى كل 24 ساعة وجبة، وكل 12 ساعة نصف وجبة، وكل 6 ساعات ربع وجبة. وكانوا يستخدمون الساعة الشمسية (الطنطورة والعلمان) في التوزيع  
 
شارك المقالة:
58 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook