العيون في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العيون في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

العيون في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
يوجد في المنطقة عدد من العيون المائية التي كانت مياهها تسيح فوق سطح الأرض بشكل طبيعي دون دافع أو رافع، وبعضها الآخر حفرها الإنسان واستنبط مياهها بشكل منظم، وكانت هذه العيون تستغل لري الأراضي وسقيا الزروع وتزويد المنازل بما ينفع الناس في احتياجاتهم اليومية كلها. ومن أشهر هذه العيون: عين عبس في بلدة غاف الجواء، وعيون الجواء، وعيون الأسياح، وعيون قصيباء، وعيون الفوارة، وعين القويطير. ومن أهمها العيون الثلاث الآتية:
 
1 - عين عبس:
 
تنسب هذه العين إلى قبيلة بني عبس العربية الشهيرة التي كانت تقطن المنطقة، ولا سيما في النواحي الشمالية والغربية منها حيث كانت مضارب هذه القبيلة تتمركز في العصر الجاهلي إلى وقت قصير في ناحية الجواء، وما زالت هذه الناحية تحتفظ بعدد غير قليل من المواضع التي تنسب إلى القبيلة أو إلى أحد أفرادها، ولقد أورد شاعر القبيلة عنترة بن شداد العبسي بعض الأمكنة الواقعة في منطقة الجواء، وذلك في معلقته التي مطلعها:
يــا  دار عبلـة بـالجواء تكـلمي     وعمي  صباحًـا دار عبلة واسلمي  
وتقع العين في الجهة الغربية من بلدة غاف الجواء، في منطقة صخرية تكسوها طبقة رملية كثيفة قرب مزارع البلدة، وكان لهذه العين مجرى طويل يصل العين بالأراضي الزراعية في غاف الجواء، ومنه فرع يمتد جنوبًا حتى محافظة عيون الجواء على مسافة 6كم، وقد نُفِّذ مجرى العين بطريقة هندسية جيدة، فإذا كانت الأرض مرتفعة عن المنسوب الذي يسمح للماء بالجريان فيها، فإنها تحفر على هيئة خندق عرضه يراوح بين متر ومتر ونصف، ثم يسقف بألواح حجرية طويلة مثبتة بالطين. أما إذا كانت الأرض منخفضة عن منسوب الماء فإن المجرى تشيِّد له قنطرة تُبنى بالأحجار، ويبطن داخلها بطبقة طينية سميكة، ولاتزال بقايا هذه القنطرة وكذلك المجرى المنقور بالصخر شاخصة إلى الآن.
لقد ذكر كثير من القصص والروايات الشفهية التي يتوارثها الناس حول العين ومجراها وغزارة مياهها وأسباب توقفها.
 
ويتناقل كبار السن من سكان غاف الجواء أنهم شاهدوا في جوانب المجرى الصخري حفرًا منقورة في الصخر على هيئة رفوف صغيرة كانت تُستخدم لرفع القناديل أو الشموع التي تضيء المجرى وقت حفره أو صيانته، وقد بقيت آثار السنو أو دخان القناديل داخل تلك الرفوف، ونقل العبودي عن أحد شيوخ أهالي عيون الجواء "أنه اكتشف في أحد ممري العين مسيل ماء من الرصاص، مما يدل على أن أهلها كانوا قد بلغوا مبلغًا كبيرًا من الحضارة والتمدن، واستوردوا ذلك من خارج المنطقة"  
 
ويعتقد بعض الباحثين الذين وقفوا على بعض آثار عين عبس هذه، أنها قد بنيت بأيدي أناس مهرة في هذا الميدان، ويرجح أنها "من إجراء عبدالله بن عامر بن كريز الذي كان أميرًا على البصرة للخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وأنه قد أحضر أولئك العمال من العراق من بعض المناطق التي اعتاد أهلها على العمل في هندسة إجراء العيون وفتح القنوات"  
 
2 - عيون الأسياح (النباج): 
 
تُعرف الأسياح في العصر الإسلامي المبكر بـ (النباج)، أي: العيون التي تنبج بالماء. قال عنها الهمداني: "إنها بلاد كثيرة القرى ويقال له نباج بني عامر، وهي عيون تنبج بالماء ونخيل وزروع أعلاها يواصل الجبلين، أجا وسلمى بينهما مسيرة يومين"  .  وهذا يدل على كثرة المياه وغزارتها في هذه الناحية. كما أن اسم (الأسياح) مرتبط بمياهها التي تسيح على وجه الأرض، وقد ذكر جرير بن حازم الجهضمي في أرجوزته التي أوردها صاحب المناسك بأنها (سيوح)  ،  جمع سيح، وهو ما ساح من الماء تلقائيًا على وجه الأرض.
 
وينسب إصلاح عيون الأسياح واستنباطها إلى الصحابي الجليل عبدالله بن عامر بن كريز بين عامي 29 و 59هـ / 650 و 679م وقد بلغ عدد العيون الجارية عشر عيون تنتشر في ناحية الأسياح فتسقي أراضيها  .  كما تعتمد عليها تلك القوافل التي تسلك طريق الحج العراقي، وكذلك القوافل التجارية التي تتزود من مياهها في أثناء المرور بها  
 
ومما يلاحظ أن اسم الأسياح يقترن دومًا بالعيون والمياه والزراعة وخصوبة الأرض، وتكثر المصادر من الإشارة إلى هذا الأمر منذ صدر الإسلام حتى وقت قريب، ومما تنفرد به ناحية الأسياح وجود بقايا العيون وآثارها شاخصة وبحالة جيدة حتى اليوم، ومن أشهر هذه العيون (العاديَّة) الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من البلدة على مقربة من المخطط السكني الحديث، وكانت هذه العين تَسيح تلقائيًا على وجه الأرض، وعندما توقف جريانها عمد أحد السكان إلى حفر مجرى مائي تحت الأرض من مركز العين غربي البلدة إلى شرقيها جهة المزارع والنخيل التي تبعد عنها نحو 4كم، ويتمثل نظام الحفر بعمل حفرة دائرية كبيرة في بداية المجرى بعمق يصل إلى 4م، ثم يحفر المجرى أفقيًا تحت سطح الأرض، بحيث تعمل فتحات رأسية مستطيلة أو دائرية على مسافات مماثلة، وتسمى هذه الفتحات (إنجو) أو (خرايق) أو (خرز). والغرض منها تهوية المجرى المائي وتسهيل عملية الحفر، والكشف على المجرى لصيانته وقت استعماله، وفي مواضع معينة قد تستغل لاستخراج الماء منها، بل ربما استخدمت الفتحات الكبيرة منها للمكوث والاستراحة فيها أوقات الحر  
 
ويروى أن أصل هذه العين قبل استنباطها على هذه الشاكلة قديم جدًا، أما حفر المجرى السفلي وما يحتويه من فتحات للتهوية والصيانة فإنه يعود إلى عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت 1218هـ / 1803م).
 
3 - عيون الفوارة:
 
الفوارة هي إحدى بلدان القصيم الواقعة في الجهة الغربية منه، وتبعد عن بريدة نحو 170كم، وهي إحدى محطات طريق الحج البصري المتجه إلى المدينة المنورة فمكة المكرمة. وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأن بها عيونًا تفور مياهها لكثرتها، وهذا هو اسمها في القديم والحديث  .  وتشتهر هذه البلدة منذ القدم بغزارة مياهها وكثرة عيونها، قال عنها ياقوت الحموي: "بها نخيل كثيرة وعيون للسلطان"  ،  وقوله للسلطان أي للدولة أو لمن يتصلون بها بصلة النفوذ القوي المستمد من الدولة  .  ويقدر عدد تلك العيون ببضع عشرة عينًا، لاتزال آثارها ظاهرة على تفاوت بينها، فبعضها واضح المعالم وبعضها دون ذلك  
 
ومن أبرز هذه العيون تلك العين التي يقع منبعها قريبًا من البلدة الحالية في الاتجاه الشمالي الغربي، على بعد 5كم منها. ويحتل ذلك المنبع مكانًا مرتفعًا يمر به شعيب أو وادي الجرير (الجراير) الذي سُمِّيت به العين (عين الجراير)، وتبدو في أعلاه فتحة عمق الباقي منها نحو 4م، ويتفرع من ذلك الموقع ثلاث شعب أو قنوات: إحداها تتجه شمالاً ثم تميل قليلاً إلى الشرق، والثانية تتجه غربًا فيعترضها الوادي فتقطعه وتنتهي إلى روضة فسيحة صالحة للزراعة، أما الثالثة فتتجه جنوبًا ثم تنحرف جهة الجنوب الشرقي، وعندما تصل إلى البلدة تنقسم منها قناة فرعية تتجه إلى أمكنة صالحة للزراعة، وبهذا المجرى تتعدد الفتحات التي تشاهد على وجه الأرض  
 
ومما يلاحظ أن قنوات العين تتسع لدخول الأفراد ومرورهم فيها تحت سطح الأرض، مما يدل على اتساعها ومتانة بنيانها، وقد كشفت الأودية عن بعض قنوات العين وفتحاتها، وتبين أنها مطوية بالصخر والآجر  .  ولعل هذه العين المندثرة هي إحدى عيون الفوارة القديمة التي تنسب إلى السلطان، حيث كانت الدولة الإسلامية هي التي تتولى إعمارها وإصلاحها واستثمارها، وظلت جارية إلى وقت متأخر  
 
في بداية القرن الهجري الماضي قام الشيخ عبدالله بن سليمان البليهد بإعادة حفر إحدى عيون الفوارة، حيث غرس بها نخيلاً وزرع فيها زروعًا وبنى فيها قصورًا  ،  واستصلح مجرى العين حتى أنهاه إلى مقر القصر الذي شيده جنوب غرب البلدة. كما أقام في نهاية القناة قرب قصره حوضًا يجمع الماء ليروي الماشية، ويسقي ما قام به من زراعة ونخيل  
 
شارك المقالة:
130 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook