القبائل العربية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
القبائل العربية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

القبائل العربية القديمة في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
أ - المنطقة في النقوش السبئية:
 
تعد منطقة الباحة عمومًا فقيرة في مجال الرسوم والنقوش الصخرية مقارنة مع غيرها من المناطق المحيطة بها، وعلاوة على ذلك فإن النقوش التي عثر عليها لا تقدم لنا معلومات وافية عن المنطقة في عصورها التاريخية. ومن هنا فإنه يجب البحث عن ذكر لهذه المنطقة أو لسكانها في مصادر أخرى. ولعل من أبرز هذه المصادر تلك النقوش السبئية التي ربما حوت إشارات إلى بعض المواضع في هذه المنطقة، فضلاً عن ذكرها بعض القبائل التي استوطنت المنطقة منذُ قرون خلت قبل الإسلام، وسوف نستعرض فيما يلي أهم الإشارات التي وردت في تلك النقوش وذلك على النحو الآتي:
 
1 - قبيلة غامد:
 
يتحدث النقش (Ja616)   عن طبيعة العلاقات التي سادت بين سبأ ومناطق شمال بلاد اليمن في عهد الملك "نشأ كرب يهأمن يهرحب"، ملك سبأ وذي ريدان الذي خلف والده "إل شرح يحضب"، وعمه "يأزل بيّن"   فيشير النقش إلى أن الملك قد أعطى تعليماته لقادة الجيش من "بني سخيم" بالتوجه نحو شعوب وعشائر "خولان الجديدة" في صعدة لغرض الاجتماع بكل تلك القبائل والعشائر وإنهاء النـزاع الذي أحدثوه، كما عادوا منهم بالضمانات والرهائن، منها: أبناء أحرارها وكل ما أمر به الملك إلى مدينة صنعاء  .  وأرسلوا طليعتهم لمعرفة أوضاع قبائل "السهرة"   فوافتهم إلى مدينة "رحبمم"   من أرض "خولان" لمعرفة إن كانت قبائل "دوأت" قد دخلت في الطاعة. وفي اليوم الذي أرسلوا فيه طليعتهم استعدوا للحرب فأخذوا حاجتهم من الزاد (عوفهمو) وعندما اكتمل جيشهم المكون من ستة وعشرين فارسًا وثلاثمئة جندي من قبيلتهم "يرسم" ومن خاصة رجال الملك "نظر / ملكن" وبعض "الخولانيين" أغاروا على عشائر "دوأت" وهي عشائر "أباس، وأيدعان، وحكم، وحدلنه، وغامد، وكهلم، واهلني، وجديلة، وسبسم، وحرام، وحجرلمد، وأوام، ورضحتان من حرة". وحاربوهم بأسفل أودية "ذي البئر، وخلب، وتندحة"، ويتضمن النقش الحمد للمعبود المقه ثهوان بعل أوام، لأنه منَّ عليهم بالعودة هم وفرسانهم وجيشهم بسلام ومحامد وفخر، بعد أن أحرزوا مقتلة بالأعداء وأخذوا الأسلاب والأسرى والأموال والغنائم الكثيرة مما أرضى سيدهم الملك "نشأ كرب" وأرضاهم  
وقد لاحظ أحد الباحثين   اتساع قائمة القبائل والدويلات التي كانت على علاقة مباشرة بمملكة سبأ، وقد شنت دولة سبأ كثيرًا من الحروب ضد هذه الكيانات التي كان أغلبها من المناطق الجرداء، وكانت غالبيتها من العشائر المتبدية. ويعتقد أن المواجهات والحروب التي اضطرت دولة سبأ إلى شنها ضد هذه العشائر المتفرقة كانت من العوامل التي ساعدت على التعجيل بنهاية دولة سبأ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة، حيث أدت هذه الحروب إلى استنـزاف موارد الدولة المالية، وقدراتها العسكرية، ويستدل على ذلك بأن الملك "نشأ كرب يهأمن يهرحب" هو آخر من ذكرته نقوش معبد أوام في مأرب، ثم انتقل الحكم من بعده إلى الحِمْيريين بزعامة "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش".
 
ويهمنا من هذا النقش اسم عشيرة "غامد" التي ورد ذكرها في السطر 24 كإحدى عشائر "دوأت". فمن الواضح أنها كانت تمثل عشيرة أو (بطن) من عشائر قبيلة "دوأت" التي كانت فيما يبدو لنا قبيلة واسعة الانتشار، كثيرة العدد، ويمكن أن نستشف من هذا الأمر حجم المعاناة، والقلق الدائم الذي كانت تسببه هذه القبيلة وعشائرها، مع قبيلة السهرة   لحكام "سبأ وذي ريدان"، ويظهر لنا أنها كانت تمثل عدوًا شرسًا لمملكة سبأ وذي ريدان. ويوضح لنا ذلك كثرة النقوش السبئية التي سطَّرَها الحكام وقادة الجيش، إما تخليدًا لانتصاراتهم التي حققوها على هذه القبيلة، وإمّا حمدًا للمعبود "المقه بعل أوام" الذي منَّ عليهم بالنصر، والعودة سالمين هم وفرسانهم وجيوشهم  
 
وينبغي التنبيه هنا إلى أن هذه العشائر هي عشائر بدوية أو"أعرابية" كما كانت تسميها النقوش السبئية  ،  ومن الواضح أن الهجوم الذي أحرزه قادة سبأ وذي ريدان على عشائر "دوأت" يعود إلى السلوك الذي كانت تنتهجه هذه العشائر، والمتمثل في عمليات الغزو الذي لم ينقطع من أجل السلب والنهب، ورغبة في تحسين المستوى المعيشي لهذه العشائر التي كانت تعاني فيما يبدو من فقر في أراضيها، وشح في مواردها؛ مما دعاها إلى اللجوء إلى الغارات والسلب والضغط المستمر على مملكة سبأ، ويعتقد بعض الباحثين أن هذه الغارات ليس لها صلة بالعلاقات بين الكيانات السياسية المعروفة آنذاك، نظرًا إلى أن الأمور كانت قد استتبت للسبئيين بعد حروب "شعر أوتر"، والأخوين "إل شرح يحضب، ويأزل بيّن"  
 
ويحدد بعض الباحثين موقع عشائر "دوأت" حول وادي "خلب"   من الناحيتين الشمالية والجنوبية الذي يصب في البحر الأحمر على بعد 5كم إلى الجنوب من مدينة "جازان"  ،  غير أن هناك من يعتقد أن موقعها كان أكبر من ذلك بكثير، وأنها ربما كانت تمتد من بلاد عشيرة "حكم" في تهامة اليمن جنوبًا، إلى منازل عشيرة "غامد" في أرض السراة حاليًا  
 
وهو الرأي الأرجح فإذا ما أخذنا في الحسبان أن عشيرة "غامد" كانت تسكن في مواقعها الحالية من أرض السراة قبل تدوين هذا النقش أمكن القول: إن غارات ملوك سبأ ربما امتدت حتى هذه المنطقة، وربما كان الصدام مع هذه العشيرة وبقية عشائر دوأت في مكان آخر غير أمكنتها الأصلية  
وأيضًا فإن قبائل أزد شنوءة التي تنحدر منها قبيلة غامد كانت قد هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب   واستقرت في بلاد السراة ولاتزال في مواقعها حتى يومنا هذا.
 
وقد ورد في المسند رقم 32 من مجموعة الإرياني  ،  وفي النقش (Ja660) من مجموعة البرت جام   أسماء عدد من العشائر منها (كندة، مذحج، حرام، باهل، وزيد إيل، الحدأ، رضاء، أظلم، أمير)، وفي معرض التعليق على النقش السابق وردت الإشارة إلى أن كل هذه القبائل المتبدية كانت ديارها تقع في شمال اليمن وشرقه في سراة غامد وزهران ومرتفعات عسير ونجران والربع الخالي  
 
2 - قبيلة زهران:
 
يشير النقش رقم (Ja572) من نقوش البرت جام  ،  إلى أن الملكين "إل شرح يحضب"، وأخاه "يأزل بيّن" ملكي سبأ وذي ريدان قدّمَا إلى المعبود المقه ثهوان بعل أوام عددًا من التماثيل، شكرًا له لأنه أعان وأرضى عبده "إل شرح يحضب" فمكنه من هزيمة كل الجيوش والقبائل الذين شنوا عليهم حربًا من الشمال والجنوب "شأمت ويمنت" ومن البحر واليابس "بحرم ويبسم". ولعل أبرز ما جاء في هذا النقش هو ما ورد في السطرين 3، 2 من أن المعبود المقه قد منّ عليهم بأسر ملك كندة وكبار قبيلته، الذين أخلّوا بالضمانات التي سبق أن أعطوها للمعبود المقه وملكي سبأ بخصوص "امرئ القيس بن عوف" ملك "الخصاصة".
 
وقد اختلفت الآراء حول تحديد هوية "امرئ القيس بن عوف" ملك "الخصاصة"، فبعض الباحثين يعتقد بأنه هو"امرؤ القيس بن عمرو بن عدي" الملقب بالبدء، ملك الحيرة  
 
وقد شجع هذا الرأي آخرون جعلوا "الخصاصة" قرية قريبة من الحيرة  ،  في حين استبعد باحثون آخرون هذين   الرأيين السابقين معًا، وعللوا ذلك بالبعد المكاني بين المناطق التي دارت فيها أحداث النقش، وبين بلاد الحيرة، وبالبعد الزماني حيث تعود أحداث النقش إلى منتصف القرن الثالث الميلادي. ويرجح ذلك أن الملك الذي جاء ذكره في النقش هو "امرؤ القيس بن عوف"، وليس "امرأ القيس بن عمرو بن عدي"، كما أن الملكين اللذين ورد اسماهما في النقش هما "إل شرح يحضب"، وأخوه "يأزل بيّن"، ويعود عصرهما إلى أواخر النصف الأول من القرن الثالث الميلادي. أمّا الملك اللخمي "امرؤ القيس بن عمرو" فكان معاصرًا للملك الحِمْيري "شمر يهرعش" ويعود عهده إلى نهاية القرن الثالث ومطلع القرن الرابع الميلادي  .  ولا يمكننا والحال هذه أن نغير حقيقة النقش لنثبت حقيقة أخرى  .  وهناك من يذهب إلى القول: أن "امرؤ القيس بن عوف" ربما يكون من قبيلة الأزد  
 
وقد ذهب آخرون   إلى القول: إن المقصود بـلفظة "الخصاصة" هي قبيلة زهران، وهذا وهم منهم، إذ إنهم لم يقدموا لنا أدلة مقنعة، يضاف إلى ذلك أن لفظة الخصاصة "خصصتن" لا يوجد لها رابط مكاني في المنطقة التي تسكنها قبيلة زهران حاليًا، باستثناء لفظة "خياصة"، حتى هذه اللفظة لا توجد في بلاد زهران، وإنما توجد في بلاد غامد إلى الشمال من مدينة بلجرشي   الحالية، وتبعد عنها صوب الشمال بنحو 5كم، وتطلق على شفاء بني جُرَه المعروف بـ "شفاء خياطة"، هذا من حيث المدلول المكاني، أمّا من حيث المدلول السكاني فلا توجد لهذه اللفظة أي صلة بنسب زهران.
 
وقد وردت لفظة "الخساسات" عند الهمداني إذ أورد ما نصه: "... ورؤساء مراد بيحان آل المكرمان وهم الخساسات ويقال إن الخساسات من ولد الأشرس بن كندة وهم بيت ابن ملجم ولآل المكرمان شرف وسؤدد ومقام في مذحج"  
 
والسؤال الذي يجب طرحه الآن: هل يمكن القول: إن لفظ "الخساسات" تصحيف من الخصاصة؟ - أي - أن اللفظة قد تعرضت مع مرور الزمن إلى التحريف حتى أصبحت على ما ذكرها الهمداني. وما يجعل هذا الاحتمال قائمًا هو قول الهمداني: إن الخساسات من كندة، وكانت لهم مكانة بين قومهم مذحج، مع الأخذ في الحسبان قرب ديار هؤلاء من ديار كندة حيث يعتقد أنه جرت فيها أحداث النقش.
 
3 - بنو سار:
 
هناك اعتقاد بأن لفظة "سأران" التي جاءت في النقوش اليمنية هي بنو سار الواقعة في بلاد زهران شمال مدينة الباحة، فقد وردت عند جام في النقوش (Ja563)  ،  و (Ja572)  ،  و (Ja578)  ،  و (Ja632)  ،  كما وردت لفظة "سأران" عند كونتيني روزيني من خلال النقش رقم 58  ،  ووردت اللفظة - كذلك - في خمسة نقوش هي: 6، 17، 25، 26، 27، من مجموعة الباحث اليمني مطهر الإرياني  ،  ولم يعثر في بلاد اليمن على الاسم، مما قد يُرجح أن تكون بنو سار الواقعة في منطقة الباحة هي التي جاء ذكرها في النقوش السبئية القديمة التي يعود تاريخها إلى عهد الملك نشأ كرب يأمن يهرحب ملك سبأ وذي ريدان بن إل شرح يحضب وأخيه يأزل بيّن ملكي سبأ وذي ريدان، والملك "شمر يهرعش" ملك سبأ وذي ريدان  
 
ويُعتقد أن بني "سأران" التي جاء ذكرها في النقوش السابقة قد يكونون من الأزد الذين نـزلوا في أرض بكيل   تحت نوع من التحالف مع بني ذي ريدة في الأمكنة التي جاءت في بعض النقوش مصاحبة لهذا الاسم "سأران"  
 
شارك المقالة:
966 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook