القبائل والدعوة في المرحلة المكية بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
القبائل والدعوة في المرحلة المكية بالرياض في المملكة العربية السعودية

القبائل والدعوة في المرحلة المكية بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الإسلام مركّزًا في تلك السنوات على الدعوة إلى التوحيد ونبذ عبادة الأصنام. وأن مكة لا تخلو من الوافدين، من العرب وغيرهم، يأتون إليهم بصورة أكبر في مواسم الحج، وفي فترات الأسواق القريبة من مكة. لكن تأثر القبائل العربية بالدعوة في مرحلتها المكية كان محدودًا، ولربما خضع جزء من هؤلاء لمقولات قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته الهادية. ولقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على ممثلي القبائل العربية القادمين إلى مكة من أجل الحج، وحضور الأسواق في خطوة يراد بها الحصول على تأييد قبيلة من القبائل تكون مهيأة لحمل الدعوة وتوفير الأمن لها
 
جاء في بعض روايات السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على وفد حنيفة. وفي رواية محمد بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منازلهم، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم  .  ولم يسم ابن إسحاق رجال حنيفة الذين رَدُّوا عليه ذلك الرد، ولم توضح الرواية فحوى رد هؤلاء على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الموقف - وإن جهلنا تفاصيله - هو من قبيل تلك المواقف السيئة التي تلقى مثلها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه المكيين؛ ذلك أنه عليه الصلاة والسلام تلقى مواقف بالغة السوء من قِبل زعماء وأعيان قبيلة قريش التي ينتمي إليها صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمة هؤلاء عمه أبو لهب. وكل ذلك لم يُثنه عن مواصلة الدعوة ولم يؤدِّ إلى توقفه
 
ويروي عامر بن سلمة بن عامر الحنفي وكان أسلم في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نسأل الله ألا يحرمنا الجنة، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جاءنا ثلاثة أعوام بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعونا إلى الله عز وجل، وأن نمنع له ظهره حتى يبلغ رسالات ربه، ويشرط لنا الجنة، فما استجبنا له ولا رددنا عليه ردًا جميلاً، فخشُنّا عليه وحَلُم عنا. قال عامر: فرجعت إلى (هجر)   في أول عام، فقال لي هوذة بن علي: هل كان في موسمكم هذا خبر؟ فقلت: رجل من قريش يطوف على القبائل يدعوهم إلى الله عز وجل، وأن يمنعوه ظهره حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة. فقال هوذة: من أي قريش هو؟ فقلت: هو من أوسطهم نسبًا، من بني عبدالمطلب، قال هوذة: أهو محمد بن عبدالمطلب (كذا)؟ قلت: هو، قال: أما إن أمره سيظهر على ما ها هنا، فقلت: هنا من بين البلدان وغير ما هاهنا ثم وافيت السنة الثانية هجر، فقال: ما فعل الرجل؟ فقلت: والله رأيته على حاله في العام الماضي. قال: ثم وافيت في السنة الثالثة وهي آخر ما رأيته، فإذا بأمره قد ظهر وإذا ذكره كثير في الناس  .  وهذه الرواية فيها تفصيل ما أجملته رواية ابن إسحاق. وقد رواها الصالحي عن محمد بن عمر (الواقدي) وهو من الرواة الذين لا يتمتعون بثقة أهل الحديث  ،  إلا أن الرواية لا تخالف أصولاً من الشرع متفقًا عليها، وما تورده الرواية عن تنبؤ هوذة بن علي بظهور الإسلام وانتشاره يتفق مع ما تنبأ به رجالُ دين كتابيون وأحبار، فلا غرابة أن يصدر ذلك عن هوذة بن علي الحنفي الذي تصفه بعض المصادر بأنه كان نصرانيًا 
 
ومن وفود عالية نجد التي التقى النبي صلى الله عليه وسلم بممثليها في أثناء العرض على القبائل وفد قشير العامرية التي تنتشر فصائلها في (فلج) الأفلاج، وحول وادي الريب (الرين)، وجنوب عالية نجد  .  وكان من أبرز زعماء ذلك الوفد بيحرة بن فراس بن عبدالله بن سلمة بن قشير، إذ أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه. وفي رواية ابن إسحاق أن بيحرة بن فراس قال: لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أن يكون لنا الأمر بعدك. قال: الأمر لله يضعه حيث يشاء، قال: فقال له: أفنهدف للعرب دونك، فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك. وفي رواية أنهم قالوا: لا نؤمن بك وسنمنعك حتى تبلغ رسالة ربك فأتاهم بيحرة بن فراس، فقال: من هذا الرجل الذي عندكم؟ قالوا: هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب. قال: فمالكم وله؟ قالوا: زعم أنه رسول الله، فطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه. قال: ما رددتم عليه؟ قالوا بالرحب والسعة، نخرجك إلى بلادنا ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فقال بيحرة: ما أعلم أحدًا من أهل هذا السوق يرجع بشيء أشر من شيء ترجعون به، أتعمدون إلى زهيق قوم طردوه وكذبوه فتؤووه وتنصروه، تنابذوا العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم فبئس الرأي رأيكم. وفي الرواية أن بيحرة غمز ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقمصت برسول الله فألقته. وتمضي الرواية فتذكر أن مجموعة من تلك القبيلة نصروا رسول الله واستنكروا هذا الفعل 
 
وهكذا لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم ردودًا إيجابية من حنيفة (أهل حجر والخضرمة) ومن بني عامر (ممثلين في قشير) أصحاب فلج ووادي الرين. ويعكس ذلك تأثرهم بالدعاية القرشية وخضوعهم لمقولات مشركي مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن الحماية والمنعة بأي ثمن أو مقابل وعد بالسيادة والملك لهذا الزعيم أو ذاك.
 
ويلفت النظر ما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض ذات نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب)  .  ويفهم من هذا الحديث الشريف أن اليمامة كانت أحد المراكز الحضرية التي قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم فكر أن يهاجر إليها، مما يعني أن رسول الله توقع وأمَّل أن تزول تلك المواقف السلبية التي بدت من وفد حنيفة، لتصبح بعض مراكز الاستقرار في اليمامة موئلاً للمهاجرين، لكن ذلك توقف على مدى استجابة الزعامات القبلية اليمامية للدعوة، وهو الفضل الذي سبقت إليه المدينة وذهبت بشرفه.
 
شارك المقالة:
59 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook