الكبر وخطره على الدعوة

الكاتب: المدير -
الكبر وخطره على الدعوة
"الانحرافات الخلقية
(1)
الكبر وخطره على الدعوة

 

الانحرافات الخُلُقية هي انحراف الإنسان عن الحق في تطبيقاته السلوكية، بغلبة الأهواء والشهوات ودوافع نفسه، وصاحب هذا الانحراف لا يريد رؤية الحق ولا يسعى في طلبه، لكنه يحاول جاهدا أن يجد في المفاهيم الفكرية فلسفة مزينة بالألوان الخادعة، حتى يبرر بها انحرافه، ويخدع الناس بها، وتختلف ظواهر سلوك هذا الصنف من الناس المنحرفين، خلقياً، تبع ما في نفوسهم من منحرفات وأدواء نفسية، تجنح بهم عن سبيل الحق، وتبعثهم إلى جحوده والكفر به، مع ظهور أدلته.

 

وعناصر الانحراف الخلقي متعددة،[1] منها:

أ- الكبر:

وهو: (استعظام النفس ورؤية قدرها، فوق قدر غيرها)[2]، وهو جحود الحق مع الاستهانة به، والاستعلاء عليه، إرضاء للنفس الأنانية المستكبرة، التي تريد الاستئثار بالمجد والكبرياء في الأرض، وتستعلي عن اتباع غيرها وطاعته، مهما كان الحق والخير في جانبه، فترى أنها أكبر من أن تستجيب لدعوة الحق من غيرها، وفي الكبر احتقار للناس واستصغارهم والازدراء بهم، والترفع عنهم[3].

 

وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الكبر بعبارة بليغة وجيزة فقال: ((الكبر بطر الحق[4] وغمط الناس[5]))[6].

 

والكبر صفة مذمومة، وقد جاء ذمها والنهي عنها في الكتاب كقوله تعالى: ? إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ? [النحل: 23] [7]، وبين تعالى جزاء المتكبرين، ووعيده لمن تكبر عن آياته وأعرض عن الحق بعد وضوحه بالصرف عن الانتفاع بها، وبالطبع على قلبه، وخذلانه فلا يعتبر بالآيات،[8] كما قال تعالى ? سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ? [الأعراف: 146][9].

 

وكذلك ورد ذم الكبر في السنة النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[10].

 

وفي القرآن أمثلة للعديد من المستكبرين، الذين صدهم كبرهم عن اتباع الحق، وزعيمهم هو إبليس الذي كان بدء ذنوبه الكبر، لما استكبر أن يسجد لآدم عليه السلام[11]، كما قال تعالى ? وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ? [البقرة: 34][12].

 

كما كان من أسباب كفر فرعون وجنوده هو استكبارهم بغير الحق، ويدل على هذا قوله تعالى ? ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ? [يونس: 75] [13].

 

ومشركوا مكة عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وطالبوه برؤية الله تعالى والملائكة، وذلك تكبراً وعلواً،[14] كما قال تعالى ? وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ? [الفرقان: 21][15]، فاستكبروا أن يوحدوه تعالى بالعبادة ، ويتركوا آلهتهم ? إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ? [الصافات: 35، 36][16].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفرق بين مشركي العرب وأسلافهم:

(فهؤلاء مستكبرون مشركون وإنما استكبارهم عن إخلاص الدين لله، فالمستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون، أعظم كفرا منهم، وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته، أعظم كفرا من هؤلاء)[17].

 

ومن سنن الله في أتباع أنبيائه، أنهم في الغالب من أهل الاستكانة، لا أهل الاستكبار، الذين أصروا على الشقاق بغيا وحسدا كأبي جهل وأشياعه [18]، ذلك أن (الشرفاء الذين يأنفون من تقدم مثلهم عليهم، والضعفاء لا يأنفون فيسرعون إلى الانقياد واتباع الحق)[19]، وقد فقه هرقل ذلك حين سأل أبا سفيان: (أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم اتباع الرسل)[20].

 

والكبر آفة عظيمة متى استقرت في النفس، أدت إلى الاستنكاف عن اتباع الحق، كما حدث مع سادة قريش، حيث كانوا - خاصة الأغنياء منهم - يتمتعون بنفوذ السيادة، يأمرون فيطاعون، ويدعون فيستجاب لهم، فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وبلَّغ عن ربه، ولم يكن قد بلغ ما هم عليه من السيادة والثراء، بُغتوا وعظُم عليهم أن يكون هو من بينهم، داعية يستجاب له، ولواء ينضوي إليه الناس دونهم، بل ويطلب منهم أنفسهم أن ينضموا إلى هذا اللواء، أسوة بالناس، فاستكثروا واستكبروا هذا الأمر، واعتقدوا بأنهم أحق به منه، فصدوا عن دعوته وهزؤا به صلى الله عليه وسلم[21]، فقال تعالى عنهم ? وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ? [الفرقان: 41][22].

 

وقد كان بعضهم يرى أنه أحق وأولى بالرسالة منه، كأمية بن الصلت [23]، وقصته أنه كان مسافرا مع أبي سفيان، فأخبره أنه نظر أن في الكتب أن نبيا من العرب ظل زمانه، قال: فرجوت أن أكونه. ثم علمت أنه نبي من بني عبد مناف. فما مضت الأيام حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم، فتحدث أبو سفيان مع أمية عنه، فقال: نعم إنه هو. فقال أبو سفيان: أفلا نتبعه؟ قال: استحيي من نساء ثقيف، إنني كنت أقول لهم أنني أنا هو، ثم أصير تابعا لغلام من بني عبد مناف[24].

 

ومن تكبرهم احتقارهم للناس ، وخاصة ضعفاء القوم، ومساكينهم، والترفع عن الجلوس معهم للسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غلوهم واعتدادهم بأنفسهم، ظنهم أن لو كان في هذا الدين الجديد خير، لما سبق إليه الضعفاء والفقراء والموالي، كما قال الله تعالى عنهم ? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ? [الأحقاف: 11] [25].

 

يتبع..




[1] بتصرف، الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/ 710- 713، وانظر العقيدة الإسلامية وأسسها ص 693- 696.

[2] إحياء علوم الدين 3/ 353.

[3] بتصرف، الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/ 723- 724.

[4]بطر الحق: (دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا). صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 90.

[5] غمط الناس: (احتقارهم) المرجع السابق.

[6] صحيح مسلم كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه 1/ 93 ح 91.

[7] سورة النحل جزء من آية 23.

[8] بتصرف، تفسير الكشاف 2/ 117.

[9] سورة الأعراف جزء من آية 146.

[10] صحيح مسلم كتاب الإيمان باب تحريم الكبر 1/ 93 ح 91.

[11] بتصرف، تفسير القرآن العظيم 1/ 111.

[12] سورة البقرة آية 34.

[13] سورة يونس آية 75. ومثلهم قوم صالح عليه السلام في سورة الأعراف آية 7، وقوم هود عليه السلام في سورة فصلت آية 41، وغيرهم.

[14] بتصرف، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 471.

[15] سورة الفرقان آية 21.

[16] سورة الصافات الآيتان 35-36.

[17] الفتاوى: ابن تيمية 7/ 633.

[18] بتصرف، فتح الباري 1/ 36 ح 7.

[19] شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 105.

[20] سبق تخريجه.

[21] بتصرف، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صور مقتبسة من القرآن الكريم 1/ 178، وانظر شرح كشف الشبهات ص 133، وأصول الدعوة ص 382.

[22] سورة الفرقان آية 41.

[23] هو ربيعة بن عوف بن عقدة الثقفي، أبو عثمان كان ممن طلب الدين ونظر في الكتب، أكثر في شعره من ذكر التوحيد والبعث ويوم القيامة، وحرم على نفسه الخمر وعبادة الأوثان، وقال عنه صلى الله عليه وسلم:(( كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم))، مات سنة تسع، وقيل سنة 2 بعد أن أدرك وقعة بدر ورثى من قتل بها من الكفار. بتصرف، فتح الباري 7/ 153، وانظر الأعلام 2/ 23، وقال اسمه: أمية بن عبد الله.

[24] بتصرف، فتح الباري رواية عن الطبراني 7/ 153 ح 3841.

[25] سورة الأحقاف جزء من آية 11. وانظر ما روي في سبب نزولها في الجامع لأحكام القرآن 16/ 189.


"
شارك المقالة:
34 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook