في مصر القديمة، وفي عهود الفراعنة تحديدًا، انتشرت الكتابة الهيروغليفية، التي استخدمها المصريون القدماء للتعبير عن لغتهم، ويُعتقد أنّ الكتابة الهيروغليفية كانت شيئًا مقدسًا بالنسبة للمصريين القدماء، وكانوا يطلقون عليها (كلمات الآلهة) والمقصود بأن الآلهة هم من اخترعوها، مما يجعلهم يقدسونها، وهي عبارةٌ عن إشاراتٍ، ولكن عددها كبيرٌ للغاية، ويزيد عن عدد الأحرف الأبجدية عند المقارنة، وتقرأ الهيروغليفية إما من أعلى لأسفل في اتجاهٍ رأسيٍّ، أو من اليمين إلى اليسار في اتجاهٍ أفقيٍّ.
الكتابة الهيروغليفية تعتمد على الصور، ونشأتها غير معروفةٍ حتى الآن، لكن هناك فرضيةً مرجحةً وهي أن هذه اللغة مستمدة من الصورة الصخرية التي كان يستخدمها الصيادون، الذين كانوا يعيشون في الصحراء الغربية، في عصور ما قبل التاريخ، وكانوا يستخدمونها في التواصل، فقد تم العثور على أواني الفخار وغيرها من الأدوات، التي كان يستخدمها القدماء في عصور ما قبل التاريخ، والتي أرجعوا عمرها إلى عصور ما قبل الأسرات أيضًا
يوجد في الكتابة الهيروغليفية ما يزيد عن 700 رمزٍ، بينما في الأبجدية العادية، يوجد حوالي 28 حرفًا فقط.
في بعض الأحيان قد يمثل رمز كلمة ما، من ناحيةٍ أخرى، فقد يمثل الرمز حرفًا وليس كلمة.
لم تشتمل الكتابة الهيروغليفية على علامات الترقيم ولا الفواصل، ولا أي من العلامات الموجودة في اللغات الحالية.
وُجد أنّ المصريين القدماء قد كتبوا على جدران المعابد، وعلى المعدات التي استخدموها بالكتابة الهيروغليفية، وكان من أكثر المواد شيوعًا في الكتابة، ورق البردي، الذي استخدمه المصريون القدماء في الكتابة، وكونوا منه صفحات
اتضح أنّ معظم المصريين القدماء لم يكونوا يعرفوا القراءة ولا الكتابة، وإنما استطاع فقط الكهنة والكتاب أن يستخدموا الكتابة الهيروغليفية.
تُعد الكتابة الهيروغليفية من اللغات صعبة الفهم، فيمكنك قراءة النصوص من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار إلى اليمين، أو من أعلى لأسفل، الأمر مربكٌ، أليس كذلك؟ إذن كيف نقرأ الكتابة الهيروغليفية بشكلٍ صحيحٍ؟ يمكن معرفة الاتجاه الذي ستقرأه عن طريق ملاحظة الشخصيات البشرية أو الحيوانية، إذ أنها دائمًا تواجه بداية السطر.
يعرف الجميع أنّ حجر الرشيد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفك شفرة الكتابة الهيروغليفية، لكن لماذا هذا الحجر تحديدًا هو من ساعد على فك هذه الرموز الغريبة؟ هل هناك سرٌّ؟ أم أنه يمتلك شيئًا مميزًا ساعده على أن يكون مدخلًا إلى الحضارة المصرية القديمة المجهولة، التي حيرت العالم لقرونٍ عدة، كي يحلوا لغزها، ويكشفوا الستار عن غموضها، سنعرف الآن.
في عام 1798 م، وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر، في محاولةٍ منها لفرض سيطرتها على البلاد، وقد جُهّزت حينها ببعثةٍ كبيرةٍ من علماء الآثار والتاريخ والمنقبين. في عام 1799 م، وجد نقيبٌ فرنسيٌّ اسمه بيبر بوشار (Pierre Bouchard) حجر رشيد الشهير، وتميّز هذا الحجر بأنه كان يحتوي على نصٍّ مكتوب بلغتين؛ اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة واللغة اليونانية.
من خلال هذا الحجر، استطعنا معرفة ما كتبه المصريون القدماء على مرِّ التاريخ على معابدهم، وأوراقهم، وكان وقوع هذا الحجر في يد بيبر بوشار بمثابة ضربة حظٍ قوية، إذ تمكن بعدها العلماء من حل لغز تلك اللغة، وكشف الغموض الذي كان يشوب الحضارة المصرية القديمة.
كان هناك عالم مصريات بارع في القرن التاسع عشر يسمى جان فرانسوا شامبليون (Jean-François Champollion) أتقن ست لغاتٍ شرقية قديمة في سن السادسة عشر، بما فيها اللغة القبطية، علمًا بأنها كانت تحتل مكانةً مرموقةً في وقتٍ ما خلال الحضارة المصرية القديمة، وكان شامبليون متميزًا في عمله، وكانت له قدرةٌ على فك شفرات اللغات المختلفة بعلمه ومعرفته الواسعة، فاستطاع في عشرينات القرن التاسع عشر أن يكون قائمةً من الرموز المصرية القديمة مع نظيرتها اليونانية، فكان أول عالم مصريات يدرك أن الرموز ليست أبجديةً فقط، وإنما يمكن أن تكون مقطعيةً، وهناك حالاتٌ يكون فيها رمز محدد يشير إلى كلمةٍ كاملةٍ محددة.
استعان شامبليون باللغة القبطية القديمة في حل شفرة الكتابة الهيروغليفية، واستطاع أن يقدم للعالم أجمع السر الذي قاد بعد ذلك لمعرفة التاريخ الفرعوني، بالتأكيد ليس كله، ولكن فتح الباب للعلماء والمستكشفين من بعده أن يستكشفوا ويبحثوا، ويعرفوا المزيد والمزيد عن هذه الحضارة المذهلة الغامضة
موقع موضوع