المحضن مجددا!

الكاتب: المدير -
المحضن مجددا!
"المحضن مجددًا!

 

الهوية تهديد واستدراك..

الكل يشهد كيف أصبح الكيان الأسري في مجتمعنا مسرحًا مكشوفًا للعالم؛ أصبحت الأسرة بنظامها الاجتماعي وخصوصيتها ومرجعيتها القيمية والأخلاقية - مهددةً بالتهميش إزاء ثورة عالمية جارفة وغير محدَّدة المَعالم، تحكمها مصالحُ الكيانات الغربية والشرقية، فاختُرقت منظوماتنا الإعلامية بشكل سافر، ولم تنأَ عنها المنظومات التعليمية والتربوية.. ومن جهة أخرى نشهد اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي لحياة الناس حتى رافقتهم في تفاصيل حياتهم؛ فمَن تَفقِدْه في إحدى الوسائل، تجده متصلًا بوسيلة أخرى؛ يجوب شعابها الوعرة، وأزقَّتها الموحشة، وينفرد في دياجيرها الآسِرة بلا تردُّدٍ ولا وجَل ولا حياء! فأخذت ترسم بعبثها ملامحَ وتوجهاتٍ متناقضةً في شرائح المجتمع، تشترك جميعها في سمة واحدة، وهي الحيلولة دون التدين! فلم تعد تخفى الويلات الفكرية والأخلاقية والسلوكية التي طالت المجتمع، والآثار التي هيأت مناخًا للخصومة مع الذات والافتراق والتراشق، وتصنيف المسلمين على حساب هدايتهم إلى تعاليم الإسلام وغرس قيمه وأخلاقه، والنهوض بمشاريع تربوية ودعوية عامة.

 

تلك الأجواء الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتربوية الخانقة - حجبت كثيرًا من الشباب عن مواقع الريادة والتأثير الدعوي ومدافَعة الباطل، كما حوَّلت آخرين إلى عناصر منهزمة أو موظفة للثقافات الوافدة، وتدور في فلَك لذَّاتها ومُتَعها أو مصالحها الشخصية، والغيور الذي يَرى أمامه عُرى الإسلام تُحل واحدة تِلو الأخرى في الإعلام والتعليم وميادين العمل، ويرى التفكك الأسري والغزو الشبكي - فما عساه أن يفعل ويهتدي إليه عقله وقلبه إلا إلى غلوٍّ واندفاع، أو تيهٍ وضياع، ثم الحيرة والانقطاع عن الغاية الكبرى التي خلَقه الله من أجلها؟! وهل هناك - بالله عليكم - تهديد لمجتمع مسلم يسُوده الشباب يفوق هذا التهديدَ لإسقاطه ومسخ هُويته وتوظيفه لصالح أي مذهبية أرضية تضر الدينَ والعباد؟!

 

فالعقل كل العقل أن يسلك المسلمُ المستشعر ضخامة المسؤولية وأمانة النهوض بأمَّته - خيارًا آمنًا ذا بُعد مستقبلي يعصم الجيل - بحول الله - من حمأة الشبهات المضلِّلة، وسُعار الشهوات المهلِكة، ويحرس فيهم قيم الفضيلة، ويخصُّهم بتربية قرآنية نبوية تصنع من قدراتهم وبوقود طاقاتهم مشاريعَ نافعة يفخر بها المجتمع المسلم، ويبنيه ويلبي حاجاته وحاجاتهم.. ولا يتأتى ذلك إلا باستعادة دور المحاضن التربوية والدعوية والعلمية الرشيدة ودعمها بما يعيد حضورها وتوازنها لمواجهة موجات التغيير، وتعيد ما فقدناه من معالم الهوية الإسلامية.

 

المحاضن حجر الممانَعة:

المحاضن التربوية لها الأثر العميق على حالة الوعي بقضايا الأمة الإسلامية، ولو لم يكن من أثرها على الجيل إلا تمكين ولائهم للإسلام ومناصرة المسلمين، وحماية الروح الإسلامية من الذوبان - لكفى بنا إدراكًا لضرورتها؛ فكيف إذا علمنا - علاوة على ذلك - أنها مصنع المنابر الفاعلة في المجتمع، وهي مأرز الشباب من اللوثات الفكرية والحداثية والانحلال الأخلاقي، والصحوة الإسلامية لا تزال شاهدة الأثر؛ فقد مضى عبرها العمل الإسلامي بربيعه الدعوي والتربوي، وثمارُها لم تغب عن مواقع الفعل والتغيير يوم أن كان خصومها في مجتمعاتنا العربية يتوارى أحدهم في حربه خلف الشعارات، مترددًا في إقدامه، متوجسًا من ردة فعل واعية تُفقده مكاسبه، فكم هي حاجتنا اليوم للمحاضن وقد تطورت فكرة العداء والبُعد الإقصائي التوسعي الممنهَج والآلة التقنية الهائلة الموظَّفة لهذه الحرب؛ مما استوجب مقاومة ذاك الغثاء الفكري والمفاهيمي والقيمي الذي شكَّل واقعًا مختلفًا ضاعفت مجرياتُه أزماتِ الشباب، وصعَّدت من مشكلاتهم وكثافة تساؤلاتهم؛ فأصبحت المحاضن التربوية مطلبًا ملحًّا لإنعاش المسيرة وضبط المسار في صياغة الشخصية المسلمة وصيانتها، والإجابة عن تساؤلاتها الحرجة باختلاف مراحلها، لا سيما والعدو الخارجي - وعملاؤه في الداخل - يُروِّجون لنموذج إسلامي مستورد.

 

لن يتمكن المؤمن من الصدع بالحق ومواجهة حربتي التطرف: النفاق، والغلو؛ حتى تحتضنه دار أرقمية قبل أن تكون وسائل رقمية - أسرية أو دعوية - فتختصه بتربية جادة تتخذ من موازنات العزلة فيها زادًا يحفظه من مكايد الشيطان، وغوائل الفتن والشرور، وتقيه سبل التفرق والاختلاف، يتعاهد فيها نفسه بتربية متميزة على الإيمان والعلم والأخلاق وفق الأساليب الحكيمة؛ لتستقيم له سائر أحواله وسلوكياته على نهج السُّنة وأهلها.

 

معالم نحو المحاضن التربوية:

?- فكرة المحضن: من الصعب على مجتمعٍ يسعى للنهوض الحقيقي أن يحقق أهدافه التربوية العميقة في الإطار الاجتماعي العام، والمتباين في خصائصه العمرية والثقافية والنفسية؛ فالتقسيم الفئوي للمجتمع، وتحديد الأهداف وتجزئتها، وإخضاع كل فئة للتفاعل مع الأنشطة اللازمة وممارستها لترسيخ مبادئ النهوض - أسلوب منطقي وحيوي تنتهجه سياسات الدول مع شعوبها في منظومات التعليم ومراكز الموهبة والإبداع، فهذا التقسيم الفئوي، والانتخاب، ورسم الأهداف والخطط الأحرى بالعمل الإسلامي انتهاجُه كمحاضن للتربية؛ لتكوين قاعدة صلبة تحمل الفكرة وتطبقها وتدعو إليها، وبهذا تنتشر تعاليم الإسلام وتترسخ؛ فالموعظة التي تتردد على عموم المجتمعات المسلمة كل جمعة، وأرتال الكتابات والمحاضرات - لم يتجاوز كثير منها التبليغَ وتحريك القلوب، وأما المحاضن التربوية، فشأنها أعمق في توظيف المعرفة والموعظة لتحقيق الوعي الشامل بمواطن الفعل والحركة والممارسة، وصولًا إلى تعبيد الخلق لله تعالى.

 

?- المنهج الإسلامي منهج أصيل وشمولي ومتكامل ويجعل من الدنيا غراسًا للآخرة، وبإدراك منطق العالَم المادي المتقدم الذي يحسب لمن يَملِك أسرار العلوم والمخترعات كلَّ حساب، فإن إتاحة مساحة مناسبة من برامج المحضن لتحفيز اتجاه العلوم الطبيعية والحيوية والإدارية، وتعزيز روح الابتكار والاختراع مطلبٌ يربي في الوعي المقبل لدى المتربين معنى الشمولية الإسلامية، ويحدُّ من حالة الانبهار أمام الحضارة الغربية الوافدة أو حين الابتعاث إليها، كما يهيئ المتربين للاندماج في مسارات المجتمع بلا ترددٍ أو ارتباك.

 

?- الهامش التربوي: إنه في الوقت الذي تسعى فيه المحاضن إلى تحقيق أعلى كمالات الإنسان، فإن عليها أن تقدِّر الهامش التربوي الخاضع للتفاوض فيما يُمكن غَضُّ الطرف عنه، مما يجدر بالشخصية المستقيمة الالتزام به؛ من معالي السمت الحسن، والسلوك الفريد، والهيئة المهابة، وما هو في دائرة المباح ولا يَخدِش - بتركه - المروءة التي عزَّ تحقيقها من عموم المتربين ضمن دوائر التربية المنفتحة.

والحكمة تقتضي مراعاة الأولويات التربوية التي بها يَعرف المربي ما يأتي وما يذر، وما يعزم عليه وما يُرخَّص فيه؛ بما يتناسب مع حال المتربي واستعداده وتقبُّله، وبما لا يمس جوهر البناء وصلبه؛ فالمسلم لا يسَعُه أن يفاوض أو يصوِّت على عقيدته ومنهجه وشريعته وأخلاقه ومعالم هويته.

ومن أمثلة ذلك: مخالفة المتربي بعض مظاهر اللباس العرفية التي لا يتعلق بها حكم شرعي مما تختص به بيئة دون أخرى؛ ومتى كان اللباس مؤثرًا في سمو المتربي ومن يعايشه، كان الندب إليه أحرى دون مفاصلة أو إرغام يُفسِد.

 

?- المرجعية والشورى: طبيعة العمل التربوي في المحضن وتتابُعُ مجرياته - تتطلب إدراك جميع المربين للرؤى الكلية والتفصيلية التي تمثل منهج المحضن والأحكام السليمة المتَّبَعة في المواقف التربوية، وبهذا نتجنب الأثر السلبي للاجتهادات الخاطئة، وهذا يؤكد على أهمية المجلس المرجعي للمحضن، الذي يتداول فيه الفريق جميع المنطلَقات والاحترازات المعنية بعملهم التربوي وأدوارهم وصلاحياتهم؛ فمركزية المربي الذي يلغي دور شركاء التربية معه، ويعتمد القرارات دون إنضاج الرأي معهم، أو استقلاليته التي يبدي معها تعالمًا وتعاليًا على السابقين، وغيرها من صور تهميش المرجعية والمشاورة - كلها لا نجني منها خيرًا، إن لم توقع في نفوس المربين شرخًا يمتد إلى المتربين!

 

?- سمت المحضن: هناك معطيات ومحددات ومؤشرات يلمسها المستفيد وكل من له صلة بالمحضن جراء تعامله المباشر وغير المباشر معه، والتي بدورها تكوِّن الصورة الذهنية عنه، ومن تلك المحددات: طبيعة البرامج ومدى تلبيتها للحاجات، معنى الإتقان والتنظيم، شخصية المربين وأهليتهم، حسن الرعاية والاهتمام، الكفاءة في معالجة المشكلات، مدى التقبُّل للجمهور وحسن مداراتهم، عمق التواصل مع الأسرة، جودة الإعلام وصدقه، الشفافية... وغيرها، ولكل محدد منها أهميته وتأثيره على محددات أخرى، وبالتالي ينعكس سلبًا أو إيجابًا على سمت المحضن؛ فالفوضوية التي تنتاب المحضن في مواعيده أو تنفيذ برامجه أو اتخاذ قراراته، أو ضعف الرعاية وقلة الاهتمام بالمتربين، أو غياب الحكمة وإهمال المداراة، أو تضاد الأهداف، أو شيوع المشكلات التربوية والإدارية، أو التركيز على الشكليات وإغفال المضمون - لك أن تتصور الصورة الذهنية المكوَّنة عن المحضن وهذه بعضُ سماته، وهذا هو سَمْتُه!

 

?- المربي صانع التغيير، ومحور التأثير؛ فإذا ابتغينا الجيل المؤثِّر، فلنؤهل المربي ونُعده للمهمة إعدادًا ممتازًا، والواقع ينطق - بلسان حال كثير من المربين - أن فرصة بنائهم ونضجهم لم تكن إلا في الميدان وبعد الممارسة، ولهذا وجهٌ واعتبار صحيح لا شك فيه، ولكن ليتم ذلك البناء الميداني على أساس متين واجتياز للطريق دون ارتداد أو انحراف في المسير، فينبغي في المربي جملة من الصفات:

• سلامة المنهج؛ فلا يزيغ عن فهم القرون المفضلة الأُولى التي تلقَّت القرآن والسنة فهمًا وعملًا.

• أن يكون على اتصال بالمعرفة الضرورية لأدواره التربوية، يعي حدود المعاصَرة والمواكَبة وتجاوزاتها.

• أن يكون منضبط الحركة؛ يعي واقعه الذي قد يعترضه فيه ما يقوِّض حركته ويُقصيه.

 

• أن تكون لديه بصيرة المحارب، ويقظة الحارس، وسياسة المفاوض المحترز لمصالحه، ومنطق المُزارع في الزرع والحصاد وصبره، يبدع بلا شَطَط، وينطلق بلا تفرُّد، مستقل التفكير، جماعي الروح والفكرة، لا ينخدع بصدى صوته بل يفحصه ويتأمله، لا يؤمن بحرق المراحل قولًا وعملًا، ويُحسن اختيار الرواحل اكتشافًا وتفعيلًا، يمضي بتؤدة، ويهمُّ بحكمة.

 

?- التدرج سنة الله في الخلق:

المحضن التربوي المأمول: دونه إعمالُ العقول، وتكاتُف الأيادي، واصطفاف الأقدام، ومرابَطة الزمان لأجل تكوينه وإنضاجه، وهذا الأمل لم يتحقق جملةً واحدة لأصحاب الهمة العالية الصادقين، فضلًا عن قاصري العدة والهمة.

 

والمحضن التربوي بيئة تنموية تنهض وتستمر بوفرة أبرز مقوماتها، والتي تتفاوت أولويتها في التأسيس، ومن تلك المقومات:

• المربي الواعي المؤهَّل.

• البرنامج السليم والصحيح.

• المتربي المستعد المقبل.

• البيئة المناسبة الآمنة.

وقد تكون بعض تلك المقومات في أقل مستوياتها وأدنى شروطها في بعض الظروف، إلا أن المحضن سينهض وفق السنن إذا سارت بتتابع ومواصلة وتراكم.

 

?- يعمد بعض المربين إلى تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها رافدًا للتوجيه والتربية، وميدانًا رحبًا يجول فيه الشباب ويلتقي من يعرف ومن لا يعرف هناك، ولا ضير هنا حين تُجدَّد الوسيلة وتسمو الغاية، ولكن أن تطرأ عناصر الشهرة على المربي؛ والتي يبحث بها عن ذاته، أو يلاحق بها مذاقات الآخرين، أو ينحو إلى التخفف من قيود الاقتداء كمربٍّ حازم إلى ناشط اجتماعي أو قل: حكاواتي واقعي؛ فيغلب عليه الطابع الاجتماعي وسرد المناسبات الشخصية التي تقضي على صورة النموذج الأعلى والأمثل الذي يُراد أن يتطلع إليه المتربون، فالتمكن من وسائل التقنية لا ينبغي أن يغرينا عن الدخول في مشاريع تربوية مثمرة وبنَّاءة في أروقتها؛ بل الأجدر إنشاء محاضن افتراضية ديدنها بث العلم والقيم، وتركز على الانتفاع والإمتاع، وتلبي للمتابعين احتياجهم التربوي.

 

?- تسويق المحضن: ما زالت فطرة الناس نحو الدين بادية حية رغم شراسة المد التغريبي في الإعلام والواقع، ولا تزال العاطفة الدينية رصيدًا يدفع الناس للبحث عن مظانِّ الخير ومواطن التربية عليه، وبهذا نفسِّر سبب إيداع الأسر فلذات أكبادهم في المحاضن التربوية مجتهدين في البحث عن الآمنة منها نهجًا وسلوكًا، والأجدى نفعًا وتطويرًا وتربيةً؛ ولذلك تزداد مسؤولية قادة المحضن في بناء العلاقات الإيجابية مع الأسرة والمجتمع، وحُسن العَرض للآثار التربوية التي نجمت عن برامجهم الوقائية والبنائية والعلاجية، والتواصل المستمر مع مستفيديهم؛ لتجسير العلاقة بشفافية وتضافر، وهذه هي مهمة المسوِّق الناجح للفكرة التربوية ببرامجها وأصالتها ووسطيتها الإسلامية.

 

??- مَأْسَسة المحاضن: العمل التربوي عمل تراكمي مستمر، وجودة مُخرَجاته مؤشر على تركيز المربين في دورهم الرئيس في التربية والمعايَشة والتقييم الذي لا يضطلع به غيرهم؛ وفي ظروف شُح الكوادر التربوية من جهة، وانفلات أزمَّة التوجيه وتعددها وصعوبة التحكم بها من جهة أخرى، وَجَب النظر إلى مَأْسَسة العمل التربوي؛ الذي تتكامل فيه الأدوار، ويتسع فيه تفويض المسؤوليات والمهام المكمِّلة داخل المحضن، فلا يُعنى المربي حينها بغير التربية وبكل ما له اتصال بإصلاح المتربي وبنائه.

 

ولا تزال فرص التعاون قائمة في ظل المؤسسات التعليمية والدعوية والاجتماعية والتربوية، أو ما يسمى بالشراكات المجتمعية؛ لتنشئة المحاضن الهادفة بما يجوِّد منتجاتها، ويخفف عنها عبئًا إداريًّا وتنظيميًّا وفنيًّا، فهل نملك المرونة وبُعد النظر للتوفيق بين ما هو كائن، والانتقال لأفق أرحب وأنفع؟

 

وفي الختام، نهمس في أذن كل من يجد الكفاءة والقدرة للإسهام في نهضة المحاضن التربوية بأي صورة كانت، فإننا نستحثه على نيل الثواب وشرف الاحتساب والإعداد والدعوة والتربية، وألا نكون ممن يستظل بظلال المشاريع الناجحة لننسب فضل نجاحها لأنفسنا، بل الأحرى أن نلتفَّ - بما نحسن - حول المشاريع الناهضة ليشتد عودها وتؤتي ثمارها بإذن ربها بما تستطيع: ??، ???، ???... من وقتك وجهدك.

والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook