عرفت المدينة بأنّها دارُ هجرة الرسول فيها عاش آخر حياته وبها مات وفيها قبره، وقد شرّفها الله على غيرها من البقاع بعد مكة، وهي مهبط الوحي ومبعث الرسالة وفيها التقى المهاجرون والأنصار ومنها انطلقت ألوية الجهاد لإعلاء كلمة الله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وقد جاء لفظا (طيبة) و(طابة) مشتقان من الطيب، وقال ابن حجر رحمه الله: "والطاب والطيب لغتان بمعنى، واشتقاقها من الشيء الطيب وقيل: لطهارة تربتها، وقيل: لطيبها لساكنها، وقيل من طيب العيش بها، قال بعض أهل العلم: وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية، لأنّ من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها".
دعا النبي لأهل المدينة بالبركة عامة وببركة الثمار والمدّ والصاع خاصةً، وقد ثبتت هذه البركة في أدلة كثيرة منها:
خصّ الله المدينة المنورة بالحفظ، فحفظها من الفتن كفتنة الدجال فهو لا يدخل مكة والمدينة، ودليل ذلك: عن أنس بن مالك عن الرسول أنّه قال: (المدينةُ يأتيَها الدجالُ، فيجدُ الملائكةَ يحرسونها، فلا يقرَبَها الدجالُ، قال: ولا الطاعونُ إن شاء اللهُ).
إنّ الإيمان يستوطن المدينة المنورة، كما يتوجّه إليها المسلمون ويؤمُّنها؛ محبّةً لها فهي بقعة مباركة طيّبة، فقد جاء عن أبي هريرة عن الرسول أنّه قال: (إن الإيمانَ ليأْرِزُ إلى المدينةِ، كما تأْرِزُ الحيةُ إلى جُحرِها).
جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفها بأنّها قرية تأكل القرى وقد فسّرت بمعنين؛ الأوّل: أنّها تنتصرعلى غيرها وتكون الغلبة لها، والمعنى الثاني: تُجلب إليها الغنائم التي تكون من الجهاد، وقد حصل هذان التفسيران فقد تغلذبت هذه المدينة على غيرها بأن انطلق منها الغزاة الفاتحون الذين أخرجوا الناس من الظلمات إلى الهداية، أمّا في الغنائم فقد جمعت المدينة غنائم وكنوز كسرى وقيصر فأُتي بها إلى المدينة وقام عمر بتقّسيمها. وهذه التسمية وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام إذ قال: (أُمِرْتُ بقريةٍ تأكُلُ القُرَى، يقولون يَثْرِبَ، وهي المدينةُ، تَنفِي الناسَ كما يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ).
تضم المدينة مسجد الرسول صلى اللهُ عليه وسلم وهو من المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها والصلاة فيه مضاعفة، ودليل ذلك:
إنّ ما يدلّ على فضل المدينة على غيرها من بقاع الأرض أنّ الصبر على الجهد والشدّة والضًنْك فيها له فضلٌ عظيم وهذا الفضل منبعه حديثٌ حثّ به النبي على الصبر على لأوائها وجهدها فقال سعد بن أبي وقاص: (المدينَةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمونَ. لا يدَعُها أحدٌ رغبةً عنه إلَّا أبدلَ اللهُ فيها مَنْ هو خيرٌ منه. ولا يثبتُ أحدٌ على لأْوائِها وجَهْدِها إلَّا كنتُ له شفيعًا، أوْ شهيدًا، يومَ القيامَةِ). فجاء هذا الترغيب بالصبر داعياً من أصابه الجهد فيها إلى عدم الانتقال منها إلى غيرها بحثاً عن رخاء وسعة بل الصبر وطلب المثوبة والأجر العظيم من الله وشفاعة نبيّه خيرٌ له.
موسوعة موضوع