زار الملك سعود بن عبد العزيز المدينة المنورة في الشهر نفسه الذي توفي فيه والده، لتفقد أحوالها ولوضع حجر الأساس لعمارة وتوسعة المسجد النبوي بعد أن ارتفع البناء عن الأرض للتأكيد على الاستمرار في المشروع والاهتمام به  .  وفي شعبان 1379هـ / 1960م توفي عبد الله السديري وكيل إمارة المدينة، وتم تثبيت ابنه عبد الرحمن السديري في منصب أبيه بعد عام من ذلك التاريخ  .  وخلال عهد الملك سعــود 1373 - 1384هـ / 1953 - 1964م زادت موارد الدولة من عائدات النفط، وانعكس ذلك على مشروعات التنمية والتطوير في البلاد، فقد شهدت منطقة المدينة المنورة توسعًا في مرحلة التعليم ما بعد الابتدائي؛ كالتعليم الثانوي والمهني وإعداد المعلمين والتعليم العالي والخدمات الصحية والمشروعات البلدية، كما أنشئت في المدينة وينبع والعلا فروع للوزارات والمصالح الحكومية التي توسعت خلال هذه الفترة  .  وفي عام 1380هـ / 1960م أصدر الملك سعود مرسومًا ملكيًا بتأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة،  وبدأت الدراسة فيها في السنة التالية، بكلية الشريعة وكلية الدعوة وأصول الدين، وقد نص نظام الجامعة على قبول الطلاب من مختلف البلدان الإسلامية، فتقاطر الطلاب إليها من أنحاء العالم الإسلامي  

 

تولى الملك فيصل بن عبد العزيز الحكم في عام 1384هـ / 1964م، وبعد عام من ذلك التاريخ عين أخاه الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أميرًا لمنطقة المدينة المنورة  ،  وكان هذا التعيين فرصة لاقتراح ووضع الخطط التطويرية للمنطقة ودعمها، إذ نشط الأمير عبد المحسن خلال السنوات الأولى من إمارته وقبل أن يرهقه المرض في متابعة مشروعات التطوير والتنمية في المنطقة، ولمواجهة الزيادة الهائلة في أعداد الزوار وقاصدي المسجد النبوي في المواسم أمر المـلك فيـصل في عام 1393هـ / 1973م بحل مؤقت وهو استملاك قطعة كبيرة من الأرض تقع غربي المسجد النبوي تكتظ بالمنازل والدكاكين القديمة وتتخللها الأزقة الضيقة تقدر مساحتها بـ 35000م  ، وإعدادها لتكون مصلى يضاف إلى المسجد النبوي  

 

في عـام 1395هـ / 1975م تـولى المــلك خالد بن عبد العزيز الحكم، وقد تضاعفت الموارد المالية للمملكة من عائدات النفط بسبب ارتفاع أسعاره خلال هذه الفترة، وترتب على ذلك زيادة كبيرة في ميزانية الدولة ومخصصات الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة وفروعها في منطقة المدينة المنورة، وقد استقطبت المدينة المنورة أعدادًا كبيرة من المهاجرين من داخل المنطقة ومن خارجها، فصار عدد سكان المدينة ينمو بنسبة 150% كل ثلاث أو أربع سنوات  .  ولمواجهة الزيادة في عدد سكان المدينة والبلدان والقرى التابعة لها وحاجة المنطقة إلى مؤسسات للتعليم العالي، افتتحت في المدينة منذ عام 1397هـ / 1977م كلية تربية للبنين وكلية تربية للبنات   ومعهد عالٍ للدعوة، وفي عام 1395هـ / 1975م أُنشئت الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي أقامت لها مصانع بتروكيماوية وميناء صناعيًا في ينبع.

 

في صيف عام 1397هـ / 1977م شب حريق هائل في سوق القماشة الواقع جنوب غرب المسجد النبوي الذي كان من أقدم وأهم أسواق المدينة، ولضيق شوارع السوق والحي المحيط به لم تستطع سيارات المطافئ الدخول إليه، فاستمر الحريق ثلاثة أيام حتى أتى على جميع المتاجر والمنازل في الحي، وقد أمر الملك خالد بإزالة الأنقاض واستملاك المنطقة التي بلغت مساحتها 43000م  وتجهيز قسم منها ليكون مصلى، والقسم الآخر يخصص كساحة لخدمات المسجد النبوي  .  وفي عام 1398هـ / 1978م تم رفع درجة بلدية المدينة المنورة إلى رتبة أمانة، وقد ترتب على ذلك منحها صلاحيات أوسع وقدرة أكبر على القيام بمتطلبات النمو العمراني والتطوير في المدينة  

 

في شــعبان 1402هـ / 1982م تولى الملك فهد بن عبد العزيز الحكم، وفي عهده الميمون نالت منطقة المدينة المنورة نصيبًا وافرًا من الاهتمام والرعاية وقدرًا كبيرًا من المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية التي نفذتها حكومته، كما نالت حظًا أوفر من اهتماماته الإسلامية لاحتوائها على المسجد النبوي ومثوى الرسول صلى الله عليه وسلم والأمكنة التي شهدت أحداثًا تاريخية مهمة في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين؛ فخلال هذه الفترة ربطت المدينة المنورة بمكة المكرمة والقصيم بطرق سريعة، وفـي صـفر 1405هـ / 1984م افتتح الملك فهد (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف)  الذي أراده الملك أن يكون منارة لنشر القرآن الكريم في العالم من البقعة التي شهدت نـزول أكثر آياته وسوره بأفضل ما يمكن من الدقة والضبط، وقد صار المجمع يصدر ملايين النسخ من القرآن الكريم سنويًا ما بين مقروءة ومسموعة بقراءات مختلفة وترجمات لمعاني القرآن الكريم بعدة لغات  .  وفي جمادى الأولى 1406هـ / يناير 1986م عين الملك فهد الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أميرًا لمنطقة المدينة المنورة  ،  مانحًا بذلك منطقة المدينة أميرًا يتمتع بقدر كبير من الحيوية والنشاط والرغبة في العمل، وفي عام 1407هـ / 1986م أعلن الملك فهد في احتفال عام في المدينة المنورة اتخاذه لقب (خادم الحرمين الشريفين) مؤكدًا بذلك سياسته الإسلامية التي كان لها أكبر الأثر على المسجد النبوي والمدينة المنورة  

 

لم يمض على تولي الملك فهد للحكم خمسة أشهر حتى قام بزيارة للمدينة المنورة، وأعلن هناك عزمه على تنفيذ توسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف   تسخر لها الإمكانات الهندسية والتقنية كافة لجعل المسجد النبوي من أوسع المساجد في العالم وأجملها، وليكون هذا المشروع منطلقًا لحركة تطوير شاملة للمدينة المنورة  .  وبعد وضع الدراسات والتصميمات اللازمة كلف الملك مؤسسة محمد بن لادن بتنفيذ المشروع لما لها من خبرة في إنجاز مثل هذه المشروعات، وفي صفر 1405هـ / 1984م وضــع المــلك فهد حجر الأساس لهذا المشروع العملاق، وقد حرص على الإشراف بنفسه على سير العمل ومناقشة المهندسين وإدخال التعديلات واختيار المواد المناسبة، ولذلك كان يحرص على زيارة المدينة المنورة في بداية كل عام لمتابعة المشروع حتى نهايته  

 

يتكون مبنى التوسعة من ثلاثة أدوار: الدور السفلي الذي خصص للخدمات والمرافق المساندة ومساحته 83482م  ، والدور الأرضي (صــالة الصلاة) ومساحته 82000م  ويستوعب 137000 مصلٍّ، وقد بني هذا الدور على شكل أفنية بارتفاع 5.12م، ويحمل سقفه 2567 عمودًا تبعد عن بعضها 6 - 18م، وتتخلل السقف 27 قبة متحركة آليًا  وزن الواحدة منها 80 طنًا  .  وتقف على أطراف الدور الأرضي ست مآذن بطول 104م، ويدخل إليه من خلال سبعين بوابة وبابًا  .  ويعلو الدور الأرضي السطح الذي تصل مساحته إلى 67000م  الذي صمم لاستيعاب 90000 مصلٍّ في أوقات الذروة، وزود السطح بست مجموعات من السلالم المتحركة وثماني عشرة مجموعة من السلالم الثابتة، وقد روعي عند وضع المخطط الإنشائي إمكانية إضافة دور علوي على السطح 

وقد تطلبت المساحة العظيمة للمسجد النبوي ومئات الآلاف من المصلين فيه ضرورة إحاطته بساحات واسعة لتسهيل حركة الدخول والخروج وإبراز جمال مبانيه  وتهيئة مساحات إضافية لاستيعاب آلاف أخرى من المصلين في أوقات الذروة، فأحيط المسجد من الجهات الأربع بساحات تبلغ مساحتها الإجمالية 235000م  يمكنها استيعاب أربعمئة ألف مصلٍّ، وفرشت بالرخام المقاوم للحرارة لراحة المصلين  .  كما أنشئت محطة ضخمة لتكييف كامل المسجد تبلغ طاقتها أكثر من 17000 طن تبعد عنه سبعة كيلومترات  .  وقد استمر العمل في هذا المشروع العظيم والمرافق المساندة له قريبًا من عشر سنوات

وكان لتوسعة المسجد النبوي آثار عميقة على المدينة وسكانها تجاوزت النواحي العمرانية إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية وغيرها

 

ولقد رأى الملك فهد أنه ليس من المناسب تنفيذ هذا المشروع العظيم بأحدث ما توصلت إليه فنون العمارة وتقنيتها في قلب نسق عمراني عشوائي ومنشآت تعود إلى مئات السنين، ولذلك أمر بوضع الخطط لتطوير المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي،  وأمر بهدم ما فيها من مبانٍ بلغت مساحتها مليونًا وربع المليون متر مربع وإعادة تخطيطها وبنائها على أحدث النظم الهندسية وبمواصفات موحدة ومتميزة، وقد بدا المشروع وكأنه عملية إزالة مدينة قديمة وبناء مدينة حديثة بدلاً منها، لقد استوعبت هدميات توسعة المسجد والمنطقة المركزية كل مساحة المدينة القديمة، وقد ساعدت التعويضات الكبيرة لاستملاك العقارات على تنشيط الحركة العمرانية بشكل لم يسبق له مثيل أدى إلى تضاعف مساحة النطاق العمراني للمدينة أكثر من 25 ضعفًا  

 

أثناء سير العمل في مشروع توسعة المسجد النبوي  التفت الملك فهد إلى عمارة وتوسعة المساجد التاريخية في المدينة المنورة مثل: مسجد قباء،  مسجد القبلتين، مسجد الميقات، مسجد الجمعة، ومسجد الإجابة، فأصدر أوامره بإعادة بناء هذه المساجد وتوسعتها حسب أحدث الأنظمة العمرانية مع المحافظة على طرازها العمراني السابق، وقد استخدم في البناء أفضل المواد، وضوعفت مساحتها عدة مرات، وزودت بالمرافق اللازمة مثل: المواضئ والمواقف ومحطات الكهرباء ومكاتب الخدمات وبيوت الأئمة والمؤذنين والحراس، كما تم تكييفها وإنارتها وفرشها بأفضل الأثاث  

 

في 15 / 8 / 1412هـ الموافق 1992م عين الملك فهد الأمير مقرن بن عبد العزيز أميرًا لمنطقة المدينة المنورة خلفًا للأمير عبد المجيد بن عبد العزيز الذي عين أميرًا لمنطقة مكة المكرمة، فعمل سموه بهمة وحيوية على استكمال المشروعات القائمة ووضع الخطط للمشروعات التي تحتاجها منطقة المدينة المنورة في المستقبل، وفي الشهر نفسه صدر نظام المناطق الذي قسم منطقة المدينة المنورة إلى محافظات ومراكز أهمها: محافظات ينبع والعلا من فئة (أ) ومحافظات مهد الذهب وبدر وخيبر والحناكية  من فئة (ب)، كما نص نظام المناطق على تشكيل مجلس إداري للمنطقة يتكون من رؤساء الأجهزة الحكومية الرئيسة وما لا يقل عن عشرة أشخاص من أعيان الأهالي 

 

ونظرًا لحاجة منطقة المدينة المنورة لمؤسسة كبيرة وشاملة للتعليم العالي ورغبة الدولة في تنظيم مؤسسات التعليم العالي القائمة في المنطقة، فقد صدرت الموافقة السامية في 10 / 5 / 1424هـ / 2003م على دمج فرعي جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المدينة المنورة ليكونا جامعة مستقلة باسم جامعة طيبة  اعتبارًا من العام الدراسي 1424 / 1425هـ الموافق 2003 / 2004م، وقـد بدأت هذه الجامعة بكليات: التربية والعلوم والدعوة والطب وعلوم الحاسب والعلوم المالية والإدارية  

 

وبعد وفاة الملك فهد - رحمه الله - بويع الملك عبد الله بن عبد العزيز في 26 / 6 / 1426هـ الموافق 2 / 8 / 2005م ملكًا للمملكة العربية السعودية، وبعد تولِّيه الحكم بأيام أمر في 14 / 7 / 1426هـ الموافق 19 / 8 / 2005م باستكمال الأعمال المتبقية من مشروع المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بتكلفة 4.7 مليارات ريال، وتشمل هذه الاستكمالات: تركيب 182 مظلة تغطي جميع ساحات المسجد النبوي الشريف لوقاية المصلين والزائرين من الأمطار وأشعة الشمس، وتنفيذ الساحة الشرقية لتستوعب 70 ألف مصلٍّ، بالإضافة إلى خدمات مساندة، ومواقف لإنـزال الركاب وتحميلهم، وتنفيذ مداخل مواقف السيارات ومخارجها في المسجد النبوي الشريف، واستكمال طريق الملك فيصل الدائري الأول  

 

وفي 19 رمضان 1426هـ / 2005م عَيَّنَ خادمُ الحرمين الشريفين الملكُ عبد الله بن عبد العزيز صاحبَ السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز أميرًا على منطقة المدينة المنورة خلفًا لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز؛ ليبذل كل جهد في خدمة المنطقة ويستكمل ما بدأه سلفه من صروح النهضة وعوامل التطوير.

 

- الأمراء الذين تولوا إمارة منطقة المدينة المنورة منذ عهد الملك عبد العزيز، وتواريخ توليهم:

 

 الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود (19 / 5 / 1344هـ).

 

 الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود (2 / 6 / 1385هـ).

 

 الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود (15 / 5 / 1406هـ).

 

 الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود (16 / 8 / 1420هـ).  

 

 الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز آل سعود (19 / 9 / 1426هـ؛ وحتى تاريخه).