المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 

 نمو السكان

لا توجد تقديرات تاريخية لعدد سكان منطقة المدينة المنورة على عكس المدينة المنورة (المدينة) التي تتوافر عنها تقديرات وافرة لنمو السكان؛ لأن سكان المدينة المنورة يمثلون نسبة مرتفعة من سكان المنطقة بلغت 38% في سنة 1394هـ / 1974م، ثم 56% في سنة 1413هـ / 1992م؛ ولذا فإن نمو سكانها يمثل الاتجاه العام لنمو سكان المنطقة.
 
ويمكن تقسيم نمو سكان المدينة المنورة إلى أربع مراحل رئيسة هي:
 
أ - سكان المدينة المنورة من فجر الإسلام 1 - 132هـ / 621 - 749م:
 
انتشر في منطقة المدينة المنورة قبل الإسلام عدد من القبائل والحضارات مثل ثمود، ودادان، ولحيان، والأنباط في الحجر في الخريبة، ومدائن صالح التي اشتهرت بعبادة الأصنام مثل (ود) الذي عبد في شمال منطقة المدينة وفي مكة المكرمة واليمن. وقد كانت هذه أمكنة تلتقي فيها ثقافات عربية تجمعت من الجنوب والشمال والشرق والغرب، وتمركزت في الحجر والعلا، واشتهرت هذه الممالك والحضارات بفن النحت، فأقامت الأبنية والحدائق في سهول الحجر. ولقد مرت هذه المنطقة بفترة ركود قبل الإسلام فيما يسمى عصر الجمل أو عصر الظلام الذي استمر من القرن 3 - 7م، إذ نشبت النـزاعات والحروب بين القبائل، ولم تقم بينها وحدة سياسية تجمع شتاتها تحت زعامة واحدة  . 
 
وتمركز أهم تجمع سكاني في المنطقة حول موقع المدينة المنورة الحالي، وكان هؤلاء السكان قبل الإسلام يتألفون من بعض القبائل العربية وعلى رأسها الأوس والخزرج، وبعض اليهود وعلى رأسهم بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة  .  ومع ظهور الإسلام توحدت المجموعات السكانية المحلية مع المهاجرين في أمة واحدة أصبح لها انتماء وشعور وطني واحد.
 
وقُدّر عدد الأوس والخزرج عند ظهور الإسلام بنحو 200 ألف نسمة، واليهود بنحو 9000 نسمة؛ أي بإجمالي سكان نحو 209 آلاف نسمة، ولعل ما يؤكد تفوق عدد السكان العرب انتشارهم على مساحات واسعة في عالية المدينة وقربان وقباء ومعظم سافلتها. وقد يكون في التقدير السابق بعض المبالغة  ؛  إلا أن تقدير سكان المدينة المنورة مع ظهور الإسلام لم يتجاوز 21 ألف نسمة، ولكن مع استقرار الأوضاع السياسية والأمنية للدولة الإسلامية تدفق المهاجرون إليها، ما ضاعف من عدد السكان حتى وصل إلى نحو 60 ألف نسمة عند وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنة 11هـ / 632م. ومع تحول مركز الحكم بعد عهد الخلافة الراشدة إلى دمشق، ظلت المدينة المنورة مركز جذب للزوار وطلاب العلم. ولا توجد تقديرات للسكان خلال هذه الفترة، وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن عدد سكان وادي العقيق وحدهم بلغ 40 ألف نسمة في إمارة سعيد بن العاص  . 
 
ب - سكان المدينة المنورة خلال العهدين العباسي والمملوكي 132 - 923هـ / 749 - 1517م:
 
توالت الثورات وقمعها في العهد العباسي في المدينة المنورة؛ ما أدى إلى تدهور عدد من المباني والمزارع التي اشتهرت بها المدينة المنورة. وتناقص سكان المدينة في القرن 4هـ / 10م إلى أقل من نصف حجم سكان مكة المكرمة  .  وفي نهاية القرن 9هـ / 15م امتد الزحف السكاني نحو الغرب  .  وفي القرن 10هـ / 16م ذكر فارثيما وجود نحو 300 منـزل فقط داخل أسوار المدينة المنورة؛ ما يعني الانخفاض الكبير خلال هذه الفترة  . 
 
ج - سكان المدينة المنورة خلال العهد العثماني 923 - 1337هـ / 1517 - 1918م:
 
حظيت المدينة المنورة في هذا العصر، خصوصًا في فترة حكم السلطان سليمان 926 - 974هـ / 1520 - 1566م باهتمام كبير، وبخاصة فيما يتعلق بعمارة المسجد النبوي الشريف وسور المدينة. وقد قدر بعض الرحالة عدد السكان خلال هذه الفترة بين 16 و 20 ألف نسمة. وقد كان لنمو طرق المواصلات في المدينة المنورة، ولا سيما بعد بناء الخط الحديدي الحجازي الذي انتهى العمل منه في رجب 1326هـ / أغسطس 1908م وافتتح في ذلك الشهر، أثر كبير في نمو عدد السكان؛ إذ قدر عددهم في هذه السنة بنحو 30 ألف نسمة، وازداد إلى نحو 80 ألف نسمة في سنة 1332هـ / 1914م، (جدول 28) . إن هذا النمو يعني أن عدد السكان قد ازداد خلال 38 سنة بين 1294 و 1332هـ / 1877 و 1914م بنحو ثلاثة أضعاف بنسبة زيادة سنوية مقدارها نحو 10%، بل ازداد عدد السكان خلال ست سنوات فقط هي سنوات تشغيل الخط الحديدي بنسبة زيادة سنوية مقدارها 27.8%.
 
وبعد الحرب العالمية الأولى وانتهاء الخلافة العثمانية على الوطن العربي، تناقص عدد السكان إلى نحو 40 ألف نسمة، بل وتقدره بعض المراجع بنحو 15 ألف نسمة فقط في سنة 1337هـ / 1918م  .  وأثناء النـزاع بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين للسيطرة على الحجاز انخفض عدد سكان المدينة إلى نحو 6000 نسمة فقط وكان ذلك عام 1343هـ / 1925م  . 
 
د - سكان المدينة المنورة خلال العهد السعودي من عام 1344هـ / 1926م حتى الوقت الحاضر:
 
ترجع أقدم المعلومات السكانية عن هذه الفترة إلى ما كتبه فيلبي عن رحلته إلى المدينة المنورة في عام 1350هـ / 1931م، وقد قدر عدد السكان بنحو 15 ألف نسمة، (جدول 28) . وأخذ يتزايد عدد السكان تدريجيًا حتى وصل إلى 71998 نسمة خلال التعداد السكاني الأول في المملكة في 1382هـ / 1962م. وتعني هذه الأرقام أن عدد السكان ازداد بنسبة زيادة سنوية تقدر بنحو 12% خلال الفترة من 1350 - 1382هـ / 1931 - 1962م وفي 1391هـ / 1971م قدر عدد السكان بنحو 136557 نسمة، أي بنسبة زيادة سنوية تصل إلى نحو 10% بين 1382 و 1391هـ / 1962 و 1971م. ومع أن هذه النسب تشير إلى النمو السريع لسكان المدينة المنورة، إلا أن هؤلاء السكان يشكلون فقط 2.3% من مجموع سكان المملكة. ولعل هذه النسبة المنخفضة تعزى إلى وجود عدد من المراكز العمرانية الأخرى في المملكة التي تجذب السكان مثل مدينتي الرياض وجدة اللتين كانتا تضمان نحو 7%، 6% من سكان المملكة على التوالي.
 
وتوالت الزيادات الكبيرة في عدد السكان حتى بلغ 608295 نسمة في سنة 1413هـ / 1992م، و 817137 نسمة في سنة 1419هـ / 1998م  ،  (جدول 28) . وتعني هذه الأرقام أن المدينة المنورة تجاوزت النصف مليون نسمة في العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، وهي تقترب الآن حثيثًا لتكون مدينة مليونية. ويوضح (شكل 9) تذبذب تقديرات حجم سكان المدينة المنورة، وأن الانتظام بدأ منذ الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري، و (شكل 10) ربما يكون أكثر تمثيلاً لنمو سكان المدينة المنورة لاعتماده على تعدادات سكانية، ومسوحات عينات تعتمد الأسلوب العلمي الصحيح. وعلى الرغم من هذا الانتظام فإن نسبة الزيادة السنوية لم تكن بالقوة نفسها، إذ راوحت بين 5.7% في العام 1419هـ / 1998م ونحو 17% في العام 1391هـ / 1971م. ولعل ذلك يعود إلى اختلاف برامج التنمية وتوجهاتها من فترة إلى أخرى.
 
وعلى مستوى المنطقة والمحافظات لم تتوافر البيانات إلا في تعدادات: 1394هـ / 1974م، 1413هـ / 1992م، 1425هـ / 2004م، ومسح 1419هـ / 1998م التي تشير إلى نمو السكان واحتلال المدينة المنورة والمراكز التابعة لها المرتبة الأولى، (جدول 29) ، مع ملاحظة زيادة التركز في المدينة المنورة، واحتلال محافظة ينبع المرتبة الثانية مع تزايد نصيبها من السكان في عامي 1419هـ / 1998م، 1425هـ / 2004م مقارنة بعام 1394هـ / 1974م، وتقارب نصيب المحافظات الأخرى من السكان بنسبة نحو 3 - 4% من مجموع سكان المنطقة. وقد كان أكبر نمو عددي في المدينة المنورة والمراكز التابعة لها، إذ تضاعفت أكثر من ثلاث مرات خلال 30 سنة 1394 - 1425هـ / 1974 - 2004م. وكذلك الحال في محافظة ينبع، وتلتهما في ذلك محافظة الحناكية حيث تضاعف عدد سكانها بنحو 2.6 مرة خلال الفترة نفسها. أما بقية المحافظات فقد ازداد عدد سكانها بين 1.5 و 2، 0 مرة للفترة نفسها. وقد قدرت نسبة الزيادة السنوية للسكان بين 1394 و 1425هـ / 1974 و 2004م بنحو 12%. ولا شك أن هذا النمو السريع لسكان المنطقة، وبخاصة سكان المدينة المنورة حتمًا سينعكس على الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للسكان الأمر الذي يمكن أن يتضح في الفقرات الآتية.
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook