المراكز الحضارية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المراكز الحضارية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

المراكز الحضارية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
1 - مدينة جُرَش: 
 
يعد موقع جُرَش من أبرز المواقع الأثرية المهمة في جنوب المملكة العربية السعودية، وقد تعرض الموقع في القرن العشرين إلى التدمير والتخريب المتعمد لجهل الناس بقيمة هذه الآثار  .  وتقع بقايا جُرَش على بعد 10كم جنوب مدينة خميس مشيط، ويتبع الموقع لمحافظة أحد رفيدة. وتضرب مدينة جُرَش بجذورها في أعماق التاريخ؛ إذ إنها كانت تمثل حضارة جنوب الجزيرة العربية، وكانت تشير إليها المصادر بوصفها أحد المحافد (الأقاليم) المهمة في جنوب الجزيرة العربية  ،  وعلى الرغم من الأهمية التاريخية التي تمتعت بها هذه المدينة الأثرية في عصور ما قبل الإسلام إلا أننا لا نملك معلومات كافية عن تاريخ المدينة وأحداثها، وإن كانت المدينة قد نالت شهرة واسعة خلال العصر الإسلامي، حيث أشار إليها معظم الرحالة والجغرافيين بوصفها أحد المخاليف الإسلامية وأطلقوا عليها اسم مخلاف جرش، وذكروا أنها اشتهرت بدباغة الجلد وحياكة النسيج وتصديرهما، فضلاً عن أنها اشتهرت بصناعة الدبابات والعرادات والمجانيق. ولم تقتصر أهمية هذه المدينة على هذا فحسب، بل اشتهرت كذلك في المجال الزراعي، ومن المرجح كذلك أنها أدت دورًا تجاريًا مهمًا، وربما كان لموقعها الإستراتيجي دور في ذلك  
 
ولم يبقَ من أطلال هذه المدينة سوى أساسات لمبانٍ تعكس تأثيرات حضارة ممالك جنوب الجزيرة العربية، وتمثل - من حيث أسلوب البناء - نموذجًا مطابقًا إلى حد بعيد لمباني موقع الأخدود الأثري - موقع مدينة نجران القديمة - ويتكون موقع جُرَش من نوعين من المنشآت، يتمثل النوع الأول منهما في أساسات حجرية لمبانٍ ضخمة مشيدة عن طريق الأطراف البارزة باستخدام أسلوب التثبيت مثلث الزوايا، في حين يتمثل الآخر في استخدام الآجرّ المحروق والطين والأحجار الصغيرة  
 
وبالنظر إلى النوع الأول من هذه المنشآت، فإننا نجد أن مبانيه مطابقة لمباني القلعة في موقع الأخدود الأثري الذي يعكس هو الآخر تأثيرات حضارة جنوب الجزيرة العربية، في حين أن مباني النوع الثاني تشبه إلى حد كبير المباني الواقعة خارج القلعة في الجزء الشمالي الشرقي من موقع الأخدود الأثري الذي شهد مرحلة استيطان خلال الفترة المتزامنة مع ازدهار الحضارة البيزنطية والفترة الإسلامية، ولم يكن التشابه بين موقع جُرَش والأخدود قاصرًا على المنشآت المعمارية فحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى الفخار، حيث إن فخار موقع جُرَش مطابق تمامًا لنظيره في نجران، وهو النوع السميك الخشن ذو اللون الأحمر، الممزوجة عجينته بالقش، المزخرف بالخطوط المتموجة أو التنقيط. ويعد هذا النوع من الفخار أحد الأنماط المميزة التي عثر عليها في موقع الأخدود الأثري بنجران، وهو في الأساس من الأنماط التي تميزت بها ممالك جنوب الجزيرة العربية. وإلى جانب الفخار السابق عثر كذلك على نوع آخر مطلي ببطانة حمراء يشبه إلى حد كبير بعض أنواع الفخار البيزنطي، كما عُثر على كسر من الفخار  المطلي باللون الأزرق، المزخرف بطريقة الترشيش، وقد شاع هذا النوع من الفخار خلال العصر العباسي.
ولم يعثر على الفخار وحده في هذا الموقع الأثري، بل عثر كذلك على كميات من مصنوعات الحجر الصابوني العادية والمزخرفة.
 
ويتضح مما سبق أن موقع جُرَش قد شهد فترات استيطانية متعاقبة حيث أكدت ذلك نتائج الحفرية الاختبارية التي أُجريت في الموقع خلال موسم المسح الأثري للمنطقة الجنوبية الغربية عام 1402هـ / 1982م، بهدف إيجاد تصور مبدئي عن تاريخ الاستيطان في هذا الموقع، ولذلك اختار جزءًا من الموقع لعمل مجس اختياري بمساحة 2×2م، وتم التنقيب فيه حتى عمق 2.5م، وقد تمكّن بذلك الفريق من معرفة ثماني طبقات، وساعد في إعطاء تصور واضح لتاريخ الاستيطان في هذا الموقع عن طريق تحليل العينات التي أمكن العثور عليها، وقد استخدمت في ذلك طريقة كربون 14 التي أكدت أن الطبقات الثلاث السفلية تعود إلى بداية القرن الأول الميلادي، فيما تعود الطبقة الخامسة إلى عام 280م، والطبقة الرابعة إلى عام 510م، والطبقة الثالثة إلى عام 40هـ / 660م، في حين تعود الطبقات الثانية والأولى إلى عام 421هـ / 1030م  
 
 
2 - تبالة: 
 
تقع تبالة إلى الشمال الغربي من بيشة على بُعد نحو 60كم تقريبًا  ،  وقد كانت من أهم المحطات التجارية على طريق التجارة القديم  ،  ولعلها بهذا الموقع المميز على الطريق التجاري تكون قد أدت دورًا تجاريًا بارزًا، إلى جانب أهميتها الزراعية. ويتكون موقع تبالة اليوم من أطلال لمبانٍ تعكس تأثيرات حضارة جنوب الجزيرة العربية، وتمثل - من حيث أسلوب البناء - نموذجًا مطابقًا إلى حد بعيد لمباني موقع جرش في أحد رفيدة بعسير والأخدود بنجران.
 
ويحتوي الموقع على نوعين من المنشآت: أولهما أساسات حجرية لمبانٍ ضخمة مبنية عن طريق الأطراف البارزة، باستخدام أسلوب التثبيت المثلث الزوايا، في حين يتكون الآخر من أحجار صغيرة أضيف إليها الدبش والطين. وهناك أيضًا موقع أثري على شكل مخطط سوق تجاري إلا أنه لم يبق من هذا البناء سوى الأساسات  
 
3 - العبلاء:
 
من المحتمل أن العبلاء كانت واحدة من المراكز التجارية والزراعية المهمة في فترة ما قبل الإسلام، ولعل أهميتها لا تقتصر على هذين النشاطين فحسب، وإنما يبدو أنها كانت أيضًا من أهم مراكز التعدين، ومركزًا لصهر النحاس، وربما استغل منجم العبلاء في عصور ما قبل الإسلام، ثم أعيد استخدامه في العصور الإسلامية  .  وهذا يعني أن ذلك الموقع كان من أبرز المواقع الحضارية في القرون الأولى التي سبقت الميلاد، ويؤكد ذلك كثير من الدلائل الأثرية، ومنها: آثار لسوق تجارية قديمة، ومن المحتمل أيضًا أن تكون هذه السوق استمرت حتى القرون الإسلامية المبكرة، حيث تذكر بعض المصادر أن الشاعر عبدالله بن الدمينة ربما قتل فيها سنة 180 أو 182هـ / 796 أو 798م  .  ولا تزال آثار السوق المذكورة ماثلة للعيان، وتقع داخل نطاقها بقايا مختلفة من أساسات لمبانٍ حجرية من المرجح أنها تمثل حوانيت (دكاكين) السوق، وتختلف تلك الحوانيت في نمطها وأسلوب بنائها، مما يؤكد أنها كانت ذات أهمية تجارية  ،  وإلى جانب هذه الدلائل الأثرية هناك عدد من الوحدات السكنية يصل عددها إلى أكثر من 300 مبنى تقريبًا، وهي تمثل خصائص المستوطنات العربية الجنوبية حيث تتكون من شكل معين من الجدار الحجري المزدوج ووسطه من الدبش، ويبلغ سمكه نحو 6م. وقد عُرف هذا الشكل من الجدران في بعض المواقع التي أجري التنقيب بها في اليمن، كما عثر على قطع الفخار العربي الجنوبي إلى جانب وجود بعض المدافن في المواقع القريبة، وهي مدافن تعد أمثلة لحضارة جنوب الجزيرة العربية  .
شارك المقالة:
39 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook