المساكن وأدوات البناء بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المساكن وأدوات البناء بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

المساكن وأدوات البناء بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
تتباين الأنماط السكنية بمنطقة مكة المكرمة وفقًا للبيئة الجغرافية والثقافية؛ وذلك لاتساع مساحتها الجغرافية واختلاف تضاريسها الطبيعية، إضافة إلى تعدد بيئاتها الثقافية بين حضرية وقروية وبدوية؛ فطبيعة المساكن في المدن الكبرى بالمنطقة مثل: العاصمة المقدسة، وجدة، والطائف، تختلف عن تلك الموجودة في الأجزاء القروية والبدوية. كما أن الأجزاء القروية ذاتها تختلف أيضًا من موقع إلى آخر وفقًا للبيئة الجغرافية ودرجة التحضر، لذلك تم تقسيم الأنماط السكنية في المنطقة إلى: مساكن المدن، ومساكن القرى، ومساكن البادية
 

 مساكن المدن

 
أ - المظهر الخارجي للمساكن: 
 
تتكون المساكن غالبًا في مدن منطقة مكة المكرمة من عدد من الطوابق تراوح بين 3 و 5 طوابق، خصوصًا في مدينة مكة المكرمة ومحافظة جدة، ويعلل ذلك بأن ارتفاع المباني يساعد على جلب أكبر مساحة من الظل الذي يوفر تيارًا هوائيًا يساعد على انخفاض درجة الحرارة في داخل المنازل وخارجها؛ وذلك لشدة الحرارة في هاتين المدينتين صيفًا
أما في الطائف فإن المنازل غالبًا ما تكون قليلة الارتفاع إلا في القليل منها  .  وإضافة إلى عوامل الجو فإن ارتفاع المباني في مدينة مكة المكرمة ومحافظة جدة ربما يعزى إلى الحاجة إلى توافر عدد كافٍ من المساكن في هاتين المدينتين وخصوصًا العاصمة المقدسة؛ نظرًا لكثافة القادمين إليها للحج أو العمرة على مدار العام، مما ولد الحاجة إلى ضرورة توفير عدد كافٍ من المساكن يلبي احتياجات القادمين إلى هذه المدينة
وتتصف مدن المنطقة بتلاصق بيوتها دون وجود فجوات بينها، سواء من حيث الواجهة الأمامية أم الخلفية، كما أن بعضها دون فناء، بينما يكون لبعضها فناء يستخدم زريبة لتربية المواشي
أما أسطح المنازل فيبنى لها غالبًا حرم كافٍ لوقاية السكان من السقوط؛ إذ إنها تستخدم للمبيت في الشهور الحارة، (أغلب المباني تترك كما هي دون تجصيص  أو (لياسة) إلا في بعض الدور القليلة الخاصة بالطبقات الثرية)
ولعل من أبرز ما يميز النمط المعماري في مدن المنطقة الزخرفة الخشبية لنوافذ المنازل التي تختص بها المنطقة دون سواها من المدن السعودية الأخرى باستثناء المدينة المنورة، فنوافذ منازل المدن في منطقة مكة المكرمة - وإن كان بعضها لا يعدو كونه نوافذ عادية فيما يعرف بـ (طاقة) - هي نوافذ غير مزخرفة ولا محلاة، إلا أن هناك عددًا كبيرًا من المنازل ذات نوافذ خشبية كبيرة تبرز عن واجهاتها على هيئة دكة تسمى (روشان)  ، والروشان: نوافذ خشبية بارزة، لها ثلاثة جوانب بحيـث يدخل الهواء من ثلاث جهات   وتستعمل لها نوافذ خشبية  مصنوعة من خشب التيك، وهي مغلقة ومحاطة بسواتر خشبية مزخرفة. وتختلف الرواشين في نوعيتها وشكلها الخارجي ونوعية الخشب الذي يستخدم في صناعتها وفقًا للطبقة الاجتماعية
وأما النوع الثالث من النوافذ المستخدمة في بيوت المدن فيطلق عليها الشبابيك  (مفردها شباك)، ويكاد يتفق مع الروشان، إلا أن الفرق بينهما أن الشباك له واجهة واحدة بينما الروشان له ثلاث واجهات
وهناك ما يعرف بـ (المنْور) وهو نافذة صغيرة في أعلى الغرفة، يضعون لها إطارًا خشبيًا، وإذا ما كان المنور قريبًا من الشارع فإنهم يضعون عليه أعمدة حديدية حتى لا يستغل معبرًا للسارقين إلى داخل المنـزل، أما إذا كان المنور في مكان آخر مثل: الحمامات، أو السلالم فيركب عليها الزجاج
أما أسقف بيوت المدن في منطقة مكة المكرمة فإنها غالبًا ما تكون من أعمدة الخشب التي كانت تجلب وتصنع من الأشجار المحلية مثل: النخيل، والعرعر، والدوم  ، والإذخر، والحلفا، والضاهية، والهاش، والساسم أو الشيزى، والطرفاء، والأثل، في حين أن بعض الأغنياء وعلية القوم كانوا يعمدون إلى جلب أنماط أخرى من الخشب المستورد من الهند وبلاد فارس مثل خشب (الساج والأبنوس)  ،  ثم انتشر بعد ذلك استخدام خشب القندل والزان والخشب الجاوي
وكان السكان يعمدون بعد انتهاء بناء جدران الغرفة إلى فرش الأعمدة القوية المتساوية في الطول فوقها بحيث تترك مسافة بين كل عمود وآخر بمقدار ربع أو نصف متر، وذلك وفقًا لما سيتحمله السقف من طبقات أخرى فوقه، وبعد ذلك يعمد إلى تغطية الأعواد بعد صفها بشبكة من جريد النخل، ثم يوضع فوقها الحصير، ثم يوضع فوق الحصير كمية من نبات الإذخر، ويخلط التراب المبلل بمقدار من النورة ليكون صلبًا، ويترك حتى يجف ثم يكبس السطح بالخليط المذكور، وذلك في مساكن الطبقات المتوسطة
وتعمد الطبقات الميسورة إلى تغطية أسقف المنازل بألواح من الأخشاب الملساء، وغالبًا ما يكون ذلك في الغرف الرئيسة كالديوان ونحوه، كما تزين بالثريات  ، ويقوم بعض الناس بتحلية السقف بزخارف ونقوش وأبيات من قصائد مكتوبة، أو بالرسم والتلوين  .  مواد البناء المستخدمة
تختلف طبيعة المواد المستخدمة في بناء البيوت في مدن المنطقة باختلاف الطبيعة البيئية للمدينة، ففي مدينة مكة المكرمة يستخدم (الحجر)  مادة أساسية للبناء، وتتصف الأحجار المستخدمة في البيوت بلونها الأسود الذي تعتريه نقط بيضاء ضئيلة، وهي تستخرج من الجبال القريبة من مكة المكرمة، ولهذا فقد برع المكيون منذ القدم في تكسير الجبال والصخور. وتعرف الأحجار المستخدمة بعدد من الأسماء، منها: الحجر الشبيكي، والحجر الشميسي (أو القاحوط) وهو أقل صلابة من النوع الأول، كما أنه يتصف بالحمرة المشوبة بالصفرة بعكس الأول الذي يتصف بالسواد، كما أن هناك أحجارًا أخرى، مثل: حجر زراقي، وحجر كرفت، ويتصفان بالسواد
وتستخدم في مدينة جدة الحجارة المرجانية الخفيفة الوزن التي تستخرج من مناقب قريبة من البحر خارج مدينة جدة، كما يستخدم حجر رمادي اللون يسمونه (الحجر البحْري)، وهي أحجار قوية ذات لون رمادي تستخدم غالبًا في بناء (الدبول) مما يلي الأساسات؛ وذلك لقوته ومتانته
ويستخدم في مدينة الطائف (اللَّبِن)  بدلاً من الحجارة في بعض البيوت على الرغم من توافر الحجارة، إلا أن الغالبية يستخدمون (اللَّبِن) في بناء منازلهم بعكس مدينتي مكة المكرمة وجدة، ويصنع الطائفيون اللَّبِن من التراب الذي يستخرج من بعض المواقع القريبة من المدينة ذات التربة الحمراء، ويخلط بالطين ويعمل على شكل قطع مستطيلة يتم استخدامها في البناء. وإضافة إلى الحجر واللَّبِن يستخدم سكان مدن المنطقة (الآجر) - وهو ما يسمى في اللهجة المكية (الآجور) - في تغطية الفتحات العلوية والشبابيك، إذ ينظم بشكل بديع ويرص بشكل معين يسمح بدخول الهواء، ويسمى عندئذٍ: (شابورة). والآجر: قطع الطين المحمّاة على درجة حرارة عالية بالفرن، وهو يصنع من تراب مكة المكرمة مع خلطه بمواد أخرى، ثم يحرق ويصب في قوالب بمقاسات معينة إلا أنها غير ثابتة، فمعظم المقاسات نسبية، ويبلغ متوسط تلك المقاسات عشرين سنتيمترًا عرضًا، وعشرة سنتيمترات ارتفاعًا
ويتصف الآجر بخفة الوزن، كما أنه قابل للصبغ، إذ يصبغ بألوان مختلفة منها: الأحمر، والأسود، والأبيض، وأحيانًا الأصفر الذي لا يستخدم إلا نادرًا، ثم اللون الأخضر
وتعد (النورة) من المواد الرئيسة التي يستخدمها سكان المدن في المنطقة، وهي من الأساسيات التي تستخدم في معظم البيوت بهدف التشطيب أو الترميم أو عمل الإضافات البارزة كالنقوش والحلايا. والنورة نوع من الحجارة تستخرج من جبال مكة المكرمة أو الجبال المحيطة بها، ويتم حرق الأحجار وتكسيرها حتى تتحول إلى بودرة أقرب إلى البياض، وكلما زاد بياض لونها أصبحت أكثر جودة. وتستخدم النورة في عملية (التلييس)، وكذلك الطلاء وهو ما يعرف بـ (الترخيم، أو التبييض) ويضاف الماء والملح إلى النورة، ومن ثم تستخدم في طلاء الجدران لإكسابها اللون الأبيض
استخدم المكيون الحديد على نطاق ضيق في بناء بيوتهم، وفي بعض الأشغال المعدنية والحديدية، إلا أنه لم يكن واسع الاستعمال لندرته، إذ كان يستورد من خارج المنطقةتوزيع
 

حجرات المنـزل

 
تتكون المنازل في الغالب من المرافق الآتية:
 
1 - الدهليز: 
وهو ممر مسقوف يصل بين الباب الخارجي وداخل المبنى، ويرتفع مقدار درجة عن مستوى الطريق، وقد يكون مفروشًا بالرمل، أو الطبطاب (الأسمنت)، إلا أنه في منازل الأثرياء يكون فخمًا ومرتبًا، ويوضع في الدهليز - لدى معظم الطبقات - مقعدان من الخشب يطلق عليهما المكيون: (كرويتة) تستخدم لاستقبال الزائرين الذين لم يرتبوا أمر زيارتهم مسبقًا
 
2 - الديوان: 
حجرة واسعة الفتحة، لها عِقد من الحجر، وأمامها ردهة مكشوفة تستخدم لاستقبال الضيوف، وتكون مفروشة بالسجاد، وتوجد على جوانب حيطانها المساند والفرش التي تستعمل للجلوس، وتختلف مفروشات حجرة الديوان باختلاف المستوى الاقتصادي للأسرة
 
3 - المجلس:
هو أكبر غرفة في الطابق الأول، وقد يكون في معظم البيوت في الطابق الثاني، وهو المكان المعد للاستقبال، ويكون مطلاً على الشارع، ويحتوي غالبًا على روشان أو روشانين، يراعى دائمًا أن يكون أحدهما في الجهة الشمالية والآخر في الجهة الجنوبية للسماح بدخول التيار الهوائي البارد؛ ولذا يعد المجلس أبرد غرفة في البيت، مما يجعله كثيرًا ما يستخدم للنوم في فترة القيلولة، ولاستقبال الأصدقاء المقربين، كما يستخدم لاستقبال ضيوف العائلة (غالبًا من النساء)، إضافة إلى استخدامه بوصفه غرفة اجتماعات عامة في المناسبات الخاصة والولائم
 
4 - المقعد: 
هو غرفة واسعة لها نوافذ تطل على الشارع، وفيها روشان أو اثنان حسب سعة الغرفة، وتوجد غالبًا في الطابق الأرضي، وتوضع فيها الكراسي المصنوعة من الخشب أو الخيزران, ويستخدم المقعد بوصفه حجرة لاستقبال الزوار من الرجال
 
5 - الصفة:
هي غرفة صغيرة بمثابة صالة، ويكون بها مكان لإشعال الفحم وتجهيز القهوة وتحضيرها، ويوضع بها صندوق الملابس.
 
6 - المخلوان
هي غرفة مجاورة للمجلس والصفة، ويلحق بها غالبًا (مروش) كبير، وتستخدم بوصفها غرفة نوم للمتزوجين.
 
7 - المبيت:
يستخدم المبيت من قبل الأسرة، وفيه: غرف للمعيشة، والطعام، والنوم خلال موسم الحج في حالة تأجير الأدوار الأخرى للحجاج، كما تستخدم لخزن فرش الزوجين أو فرش المتزوجين عامة، كما تستخدم للنوم في الأيام العاصفة والممطرة والليالي الباردة
 
8 - المسروقة:
هي غرفة صغيرة تكون مسروقة من فراغات الصفة أو المجلس، ولا يكون لها شباك، وتستخدم في بعض الأحيان للتخزين
 
9 - المؤخر:
هو حجرة غالبًا ما تكون على جانب المجلس، وتعد الغرفة الثانية في البيت؛ كونها غرفة المعيشة التي تقضي فيها الأسرة معظم الوقت، وتفرش بأثاث أقل قيمة ومستوى من الأثاث الذي يفرش في المجلس، وتوضع فيها أواني الشاي والقهوة، كما توضع فيها الجزة أو المنقل (ما يوضع فيه الجمر للتدفئة والتسخين)، وتستخدم لتناول الطعام، كما تستخدم في الشتاء للنوم
 
10 - بيت الماء:
يعرف حاليًا بـ (الحمام) ويفضل أن يكون في الجهة الجنوبية أو الشرقية من البيت، ونوافذه غير مزخرفة، كما لا توضع به الرواشين، ويوجد فيه زير كبير للماء لاستخدامه للطهارة والاستحمام، ويوجد بكل طابق حمام يوضع في بسطة الدرج أو بمكان مفتوح بعيدًا عن مكان المعيشة، إذ تقع حمامات المنـزل بعضها فوق بعض في كل طابق، وتزود بأنابيب ملساء مكسوة بالحصى لتصريف المجاري إلى خزان أرضي يسمى (دبل، أو بيارة) وتقع غالبًا خارج المبنى في الشارع. وفي بعض المنازل (وخصوصًا بيوت الأثرياء) يكون هناك ما يعرف بالمروش وهو يختلف عن الحمام أو المرحاض، حيث يحتوي على مستلزمات الاستحمام فقط، وتكون فيه حنفية أو زير كبير لحفظ الماء، كما أن الحمامات في بعض بيوت الأثرياء تعلوها قبة مبنية من الأسمنت، وبها فتحات مستديرة للإضاءة، وتكون أحيانًا ملونة
 
11 - المطبخ: 
يوجد عادة في الطوابق العليا من البيت، وهو غرفة مجهزة بموقد كبير الحجم، وفرن كبير لصنع الخبز، ورفوف مبنية داخل الجدران، وخزانات، وسقوف معترضة، وغالبًا ما ترصف أرضية المطبخ بالحجر، كما توجد به رفوف مبنية داخل الجدران لوضع الأواني عليها
 
12 - الحوش:
فناء صغير يقع غالبًا في البيوت المكية في آخر البيت، ويستخدم بوصفه حظائر للماشية، مثل: المعز والضأن التي يربيها السكان للاستفادة من حليبها. كما يستخدم الحوش لذبح الذبائح في المناسبات، ويزرع السكان غالبًا في أحواشهم بعض الأشجار المثمرة، مثل: السدر، واللوز الهندي، أو النخل، أو التمر الهندي
 
13- الحنية:
وحدة تخزين في الطوابق العليا أو السطح، وغالبًا تكون في الدرج، وتستخدم لحفظ الفحم، أو المفارش
شارك المقالة:
359 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook