المشيمة الملتحمة

الكاتب: د. ايمان شبارة -
المشيمة الملتحمة.

المشيمة الملتحمة.

تنفصل المشيمة تلقائياً  ـ في معظم الحالات  ـ من موضع انغراسها خلال الدقائق القليلة التي تلي ولادة الوليد. وعندما يتباطأ هذا الانفصال يكون ناجماً عن ضَعف التقلصات الرحمية غالباً. وفي النادر تكون المشيمة ملتصقة التصاقاًٍ مفرطاً في موضع انغراسها إثرَ زوال الغشاء الساقط  deciduaكلياً أو جزئياً مما ينجم عنه فقد الطبقتين الإسفنجية والقاعدية للساقط decidua spongiosa & basalis. نتيجةً لذلك تلتحم فلقة أو أكثر بالساقط القاعدي المعيب defective أو بالعضل الرحمي myometrium ذاته. هذه الحالة تدعى المشيمة الملتحمة placenta accreta.

تعاريف:

 يستعمل مصطلح المشيمة الملتحمة حين التصاقها التصاقاً مَرَضياً بجدار الرحم نتيجةً لزوال الساقط القاعدي التام أو الجزئي ولعدم نماء الطبقة شبه (الفبرينية) fibrinoid layer (طبقة نيتابوخ Nitabuch) مما يؤدي إلى التصاق المشيمة بالعضل الرحمي مباشرةً وعندها تُدعى المشيمة الملتحمة. أما إذا غَزت المشيمةُ العضلَ الرحمي فتدعى عندها المشيمة المُندخلة increta، وإذا اخترقت كامل سماكة جدار الرحم حتى وصلت الصفاق دعيت المخترقة percreta، وقد تسبب هذه تمزّقَ الرحم. قد يشمل هذا الالتحام كل الفِلق فتدعى التامّة، أو أن يقتصر الالتحام على بضع فِلَقٍ فتدعى الجُزئية partial، أو ألاّ يزيد على فِلقة واحدة فتدعى حينها البؤرية focal.

ومع ندرة مشاهدة المشيمة الملتحمة فإنها تعدّ حالة سريرية بالغة الخطورة بسبب مراضَتها morbidity العالية وفي بعض الأحيان مواتتِها mortality الناجمة عن النزف الوخيم وانثقاب الرحم والخمج infection. لا يُعرف معدل تواترها (بدرجاتها الثلاث) بالضبط، ومع ذلك فقد وجد برين وزملاؤه (1977) أن معدلات مشاهدتها راوحت ما بين حالة في كل 540 ولادة ولا حالة واحدة في 70.000 ولادة (إيستمان)، مع وسطي نحو حالة في 7000 ولادة. أما ريد ومساعدوه (1980) فقد وجدوا أن معدل وقوعها يبلغ واحداً في 2500 ولادة في حين أبلغ بيكاوفا من زيوريخ (2007) عن نسبة 3.1 بالألف ولادة. وفي دراسة إحصائية في دار التوليد بجامعة دمشق شملت الأعوام (1966 ـ1979) بلغ معدّل مصادفتها حالةً واحدة في كل 661 ولادة. وبلغ معدل مواتة الأم في هذه الإحصائية 22.7%، ولكن  هذين المعدلين عاليان لأن معظم الحالات التي كانت تُحال إلى مستشفى التوليد كانت  غالباً الحالات المختلطة والعسيرة. أما معدلات المواتة العالمية الحالية فتقدّر بـ 10% ومعدل الوقوع بحالة في 2500 ولادة.

العوامل السببية

تشاهد غالباً في الحالات التي يزول فيها الغشاء الساقط كُلاً أو جُزءاً، كارتكاز المشيمة على القطعة السفلية التي تحوي ندبة قيصرية سفلية سابقة، أو على الرحم التي فيها ندبة رحمية جراحية سابقة كاستئصال نوى ليفية أو عمليات تصنيع الرحم أو بعد تجريف جائرٍ سابقٍ للرحم. فعلى سبيل المثال وجد فوكس (1972) بين 622 حالة مشيمة ملتحمة (عام 1945  ـ 1969): مشيمةً منزاحة placenta previa في ثُلُث الحالات، وقيصريةً سابقة في رُبع الحالات وتجريفاً رحمياً سابقاً في رُبع الحالات أيضاً، وأن رُبع الحالات شوهدت عند عديدات ولادة (ستة حمول أو أكثر). وإن ما يدعو للقلق هو تزايد مشاهدة حالات المشيمة المخترقة، أي التي تخترق فيها المشيمة كامل سماكة الرحم وتمتد إلى ما بعدها، مثل المثانة. وهي غالباً ما تتلو قيصرية سابقة أو ندبة سابقة على الرحم أو وجود تجريف رحم سابق لإنهاء الحمل أو متلازمة أشرمان Asherman syndrome أو حينما يكون عمر الأم أكثر من 35 سنة.

العلامات السريرية

تتباين العلامات السريرية، فقد تشكو الحامل من نزف قبل الوضع antepartum ولكن معظم هذه النزوف ناجمة عن ارتكاز مشيمة مُنزاحة، وقد يؤدي غزو الفِلق المشيمية لندبة القيصرية السفلية السابقة إلى تمزق الرحم في أثناء المخاض أو قبلَه. كذلك رُويت حالات عديدة من حواملَ شكين من أعراض بطنٍ حاد بسبب نزفٍ صِفاقي كِتليٍ في أثناء الحمل وينجم ذلك عن مشيمة مخترقةٍ تُسبب تمزقَ الرحم. أما معظم الحالات فغالباً لا تتظاهر بأعراض حتى زمن الخلاص. في الحالات البؤرية غالباً ما تلاحظ صعوبة في خروج المشيمة، وحين خروجها يُلاحظ نقص فلقة مشيمية أو أكثر، وغالباً ما يترافق ذلك بنزف خلاصٍ شديد. أما في الحالات الأوسع التحاماً كالجزئية أو التامة فغالباً ما يحدث نزف شديد مع انفكاك الجزء غير الملتحم من المشيمة ويقتضي الأمر توفير كمية كبيرة من الدم لتعويض الدم النازف. تقتضي أغلب الحالات استئصال الرحم، ما عدا بعض الحالات البؤرية التي قد يتمكن المولّد فيها من استخراج الفلقة الملتحمة يتلوها دك الرحم. أما المشيمة الملتحمة التامة فلا تترافق بنزف إذا لم يبادر المولد إلى محاولة فكها، لكن يتلوها نزف كِتلي وخيم، والأسلم هو المبادرة لاستئصال الرحم، وإن ذُكرت بعض الحالات في الأدب الطبي التي تركت فيها المشيمة مع ربط السرر وضمرت فيها المشيمةُ وانطرحت بعد شهر أو أكثر من الولادة. قد تؤدي محاولات الجرّ على السرر إلى انقلاب الرحم باطنها إلى ظاهرها. في الوقت الراهن يستطيع المولد تشخيص التحام المشيمة في أثناء الحمل بإجراء فحص بالصدى وعلاماتها هي: زوال الطبقة الشفافة clear space التي توجد عادة ما بين سطح المشيمة الرحمي وجدار الرحم وهو ما يدلّ على زوال الساقط القاعدي، ووجود جَوباتٍ مشيمية placental lacunae وعلامة تقطّع interruption حواف المثانة حين ترتكز المشيمة على أسفل الوجه الأمامي للرحم وحين تقلّ سماكة عضلة الرحم عن 1ملم. إن تشخيص الحالة في أثناء الحمل وقبل بدء المخاض أو النزف أمر مهم وحيوي لأنه يُمكِّن الطبيب من إحالة المريضة إلى مستشفى اختصاصي تتوافر فيه كل وسائل الإسعاف من تخدير ونقل دم وعناية مُشدّدة. في الدراسة التي نُشرت في العام 1980 ذكرتُ أنني اكتشفت وجود شرايين حلزونية على سطح الرحم مكان ارتكاز المشيمة الملتحمة أي حين فتح البطن وقبل فتح الرحم وهذه العلامة السريرية تُشجع الطبيب على إجراء شقٍ رحمي علويٍ أي بعيد عن انغراس المشيمة وعدم التردد في المبادرة لاستئصال الرحم من دون أي إضاعة للوقت حين التأكد من التحام المشيمة. ولم أجد وصفاً سابقاً مماثلاً لهذه العلامة في الأدب الطبي.

تتلخص خطة العمل في حالات التحام المشيمة المرضي بأن يحاول المولّد الجرّ على السرر مع دفع الرحم نحو الأعلى خيفة انقلابها، فإذا لم تعنُ لهذا الجر أمكنه محاولة تخليصها في غرفة العلميات وكل شيء جاهز لاستئصال الرحم إذا أخفقت المحاولة، وإن أي تأخير في إجراء العملية يؤدي لاختطار موت المريضة بالنزف. لقد ذكر فانوف أنه في 36 حالة عولجت بالتخليص اليدوي توفيت 26 أماً أي بنسبة 72.1% في حين توفيت اثنتان أي 5.8% فقط في 34 حالة أجريت لها عملية استئصال الرحم من دون أي محاولة لفك المشيمة؛ لهذا لا يجوز التلكؤ في تقرير عملية الاستئصال وإجرائها لأنها قد تنقذ حياة المريضة. وينصح حالياً العديد من الأطباء إجراء إصمام للشريان الرحمي uterine artery embolization  قبيل استئصال الرحم لما لهذه الطريقة من أفضلية في التخفيف من مقدار النزف الضائع في أثناء عملية الاستئصال.

أهم المضاعفات المرافقة لهذه الحالة الخطرة هي:

 النزف وتمزق الرحم العفوي spontaneous أو الرضّي traumatic، وانقلاب الرحم باطنها إلى ظاهرها والخمج infection، ونزوف الاعتلال الخثري coagulopathy (أدواء التخثر الاستهلاكية consumptive).

المشيمة المندخلة

بكل درجاتها وأنماطها ـ حالة شديدة الخطر؛ لذا من واجب الأطباء أن يجهدوا لمعالجتها معالجة تُبعد اختطارَ وفاة الأم وذلك بتشخيصها أبكر ما يمكن وبمعالجتها بأسرع ما يمكن، وأخيراً ـ وهو الأهم  ـ بأن تُتقصّى عواملها المُسبّبة لتحاشي حدوثها، وذلك بالاستجواب الدقيق عن وجود أي تجريف رحم سابق ولاسيما التجاريف التي تهدف إلى إنهاء حمل طبيعي غير مرغوبٍ به لما تتسم به من جرف جائرٍ لبطانة الرحم endometrium، وأي تخليص يدويٍ للمشيمة في ولادة أو ولادات سابقة، والاستعلام عن تفاصيل خياطة شق العملية القيصرية السابقة إذا وجدتْ، إذ إن بوادوڤان Poidevin قد نصح في دراسة تجريبية على حيوانات المخبر بضرورة عدم أخذ الغشاء الساقط ضمن خياطة القيصرية؛ لأن ذلك يشجع على اندخال الزغابات المشيمية في أي حملٍ تالٍ في الجيوب التي تنجم عن تلك الخياطة الشاملة للساقط. كذلك هناك من يعد المعالجة المديدة بالبروجسترون في أثناء الحمل مؤهبة لالتحامها. من كلّ هذا يمكن الوصول إلى نتيجة وهي أن تحسّن ظروف ممارسة التوليد وتخفيض معدلات العملية القيصرية المتزايدة في كل أرجاء العالم، وعدم إيذاء بطانة الرحم endometrium في أثناء إجراء تجريف الرحم وإتقان خياطة ندبة العملية القيصرية وغيرها من عمليات على الرحم سوف تؤدي إلى تناقص كبير في معدلات وقوعها، تماماً كما قال إيستمان إنه لم يجد ولا حالةً واحدة منها  بين 70.000 ولادة في مستشفى جون هوبكنز. الأمل أن تبلغ كل مستشفيات العالم مثل هذه النتيجة العظيمة.

شارك المقالة:
101 مشاهدة
المراجع +

arab-ency.com.sy

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook